هم يعلمون أنه يكذب!!

أرثي كثيرًا لحال الشارع العربي، وهو يتعجب من موقف أعضاء الكونغرس الأمريكي من خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استمر نحو ساعة كاملة أمام الأعضاء، وعلى الهواء مباشرة أمام كل العالم، ذلك الموقف المفعم بالحب والترحيب والتصفيق الحار، على الرغم من أنه لم يحمل كلمة صدق واحدة، اتجاه حرب الإبادة الجارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس ذلك فقط، بل اتجاه تاريخ القضية الفلسطينية، المسجل بالأمم المتحدة وربما كل المنظمات الدولية ذات الشأن، بقرارات وبيانات لا تقبل الشطب أو التعديل.
حينما يكذب نتانياهو على العالم، فيما يتعلق بممارسات الكيان النازية، على مدار الساعة، فهو يعي تمامًا أن هذه الممارسات تم بث معظمها للعالم أيضا على الهواء مباشرة، فما بالنا بما لم تستطع كاميرات التصوير بثه، أعضاء الكونغرس أيضا يعلمون أنه يكذب، وذلك لأن العديد من المنظمات الدولية، وثقت الأحداث، وأدلت بشهاداتها في مجرياتها، فضلًا عن أن محكمتي العدل الدولية، والجنائية الدولية، لديهما الآن من الوثائق والشهادات ما يكفي لإصدار أحكام باتة وقاطعة، إلا أن الضغوط الأمريكية البريطانية تحول دون ذلك حتى الآن.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالضربة النووية بين استعراض ترامب والتهوين الإيراني
فخ التدخل الأمريكي.. يطفئ الحرب أم يشعل العالم؟
أبعاد الضربة الأمريكية لإيران
لم يعد خافيًا الدور الكبير الذي تؤديه جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة، من أجل دعم معظم هؤلاء المصفقين بالكونغرس للوصول إلى مقاعدهم، بل الوصول إلى وظائفهم الأصلية، هم وأبناؤهم أيضا، والعكس صحيح فيما يتعلق بعرقلتهم في كل مجالات الحياة، والتشهير بهم في بعض الأحيان، والتهديدات الصهيونية بوقف الدعم المالي عن أعضاء الكونغرس تخرج إلى العلن بين الحين والآخر، كلما تأزمت الأمور إلى الحد الذي يمكن من خلاله مجرد انتقاد الممارسات الإسرائيلية، وهو ما ينفي عن أعضاء الكونغرس -إلا ما ندر على أصابع اليد- أي اتجاه نحو النزاهة أو الأخلاق أو العدالة، وما شابه ذلك.
تسويق الباطل
على ملأ من العالم ودون خجل، يحاول نتنياهو تسويق حرب الإبادة، على أنها بين الحق والباطل، أو بين الحضارة والفوضى، وهو يعي أنه يمثل الباطل بلا ريب، وأنه يمثل الفوضى في المنطقة بكل أبعادها، وأعضاء الكونغرس يدركون ذلك جيدًا، هو يحاول الترويج لممارسات كيانه بأنها دفاع عن النفس، وهو يدرك أنه يمثل المعتدي على مدى 76 عاما، وأعضاء الكونغرس مثل كل العالم يدركون ذلك، هو يسعى للترويج لأنه رجل سلام على الرغم من تأكيده بألا مجال لدولة فلسطينية وأن على الشعب الفلسطيني التعايش مع الأمر الواقع وتعليم الأجيال الجديدة ذلك، هو يدرك أن العالم بدأ يعي أبعاد الأزمة وأن المتظاهرين مجرد تعبير عن حالة الوعي الجديدة، إلا أنه بلا خجل يتهم المتظاهرين بأنهم مدعومون من إيران أو غير إيران.
أعتقد أن أعضاء الكونغرس إذا كانوا يحملون أي نسبة من الكرامة الشخصية، أو الكرامة الوطنية، كان عليهم الانتفاض حينما اتهم نتنياهو المتظاهرين خارج الكونغرس بأنهم ممولون من الخارج، ذلك أن هؤلاء المتظاهرين في حقيقة الأمر، هم مواطنون أمريكيون، يمثلون الناخب الأمريكي، الذي من المفترض أنه هو الذي يأتي بهؤلاء الأعضاء إلى ذلك المنتدى، إلا أن نتنياهو يعي تمامًا أنه لن يستطيع أحد فعل ذلك، خصوصًا بعد أن سبق الخطاب تهديد صريح للأعضاء من رئيس مجلس النواب، في حال مقاطعة ذلك الزائر الاستثنائي، فلم يستطع سوى عضو واحد الاعتراض، وهو النائبة من الفلسطينية الأصل رشيدة طليب، التي رفعت طوال الجلسة، في صمت، لافتة “GUILTY OF GENOCIDE” أو “مجرم حرب” في إشارة إلى نتنياهو.
كان على الشارع العربي، والمراقب العربي، و”المندهش” العربي، أن يعي مبكرًا، أن الإخراج المسرحي الأمريكي الصهيوني، في الكونغرس، لن يخرج أبدًا عن ذلك النص الهزلي الاستعماري، الذي يأتي امتدادًا للموقف الأمريكي في المحافل الدولية، المتمثل في 55 نقضًا (ڤيتو) بمجلس الأمن الدولي، وفي دعم مالي وعسكري بلا حدود، يستخدم في قتل المدنيين، الذين بلغ عددهم في قطاع غزة فقط الآن أكثر من 40 ألفًا، فضلًا عن أكثر من عشرة آلاف تحت الأنقاض.
الصمت العربي
وكان على المشرعين الأمريكيين، حفظًا لماء الوجه، لمجرد الظهور أمام العالم في شكل لائق متحضر، دعوة الجانب الآخر للتحدث، حتى لو كانت السلطة الرسمية الفلسطينية، ممثلة في رئيسها محمود عباس، للاستماع إلى الرأي الآخر، أو الجانب الآخر من الصراع، إلا أن الأمر لدى الغرب عمومًا والولايات المتحدة تحديدًا، حينما يتعلق بالكيان الصهيوني، لا يقبل أنصاف الحلول، هو الانحياز الكامل للباطل، أيًّا كان ما يمثله ذلك للشكل العام، أو حتى للرأي العام في الداخل الأمريكي أو خارجه.
الغريب في الأمر، هو ذلك الصمت العربي على ما يجري على الساحة السياسية، اتجاه القضية الفلسطينية، في أعقاب صمت مخزٍ على ما يجري على الساحة العسكرية، أو ساحة الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية على السواء، ذلك أن الموقف الأمريكي الظالم يصبح خارج نطاق النقد أو حتى التعليق، ولو ببيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أن هذا الكذب الصارخ في خطاب نتنياهو -المفترض أنه يصطدم بالموقف الرسمي العربي، الذي ما زال يؤكد على حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف- كان يوجب على الأقل، تفويض الجامعة العربية بالرد في هذا الشأن.
في كل الأحوال، بدا واضحًا أن حالة الكذب والافتراء والتدليس، هي الحاكم الفعلي لعالم اليوم، سواء في العواصم أو البرلمانات، أو حتى المحافل الدولية، منظمات ومحاكم على السواء، وهو ما يؤكد أن حركات التحرر الوطني عبر التاريخ، كانت هي المصداقية الوحيدة وما زالت، فقد حصلت من خلالها كل البلدان التي كانت تئن تحت وطأة الاستعمار والظلم على الاستقلال، وإذا كنا الآن بصدد آخر حالة استعمار واحتلال في العالم، فإن كل الشواهد تؤكد أيضا أننا أمام آخر حالة تعبير صادقة عن تطلعات الشعوب، كل الشعوب، في أنحاء العالم، وما هذا الدعم الشعبي العالمي للحق الفلسطيني، إلا دعم للمقاومة، واستنكار للكذب الإسرائيلي والموقف الأمريكي، اللاأخلاقي، في آن واحد.