نتنياهو الكذاب أمام الكونغرس.. ماذا وراء كثرة التصفيق؟
دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأمريكي (بمجلسيه النواب والشيوخ) واحدة من السقطات التي صارت معتادة، في ظل سيطرة اللوبي الصهيوني على النخب الأمريكية بمراكز صناعة القرار. والتي تجلت في شراكة أمريكية كاملة مع إسرائيل في حربها المتوحشة على قطاع غزة.
الإلحاح في الكذب
في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي بمجلسيه (الأربعاء) عمدَ “نتنياهو” إلى تكرار مزاعم ثبت كذبها مرارا؛ وأعاد إلى الأذهان، “قصة الدعاية” في عهد زعيم ألمانيا النازي ومستشارها أدولف هتلر (1933- 1945م). ترجع القصة، إلى وزير الدعاية الألماني بول جوزيف غوبلز (1897- 1945م)، الذي أسس نموذجا، للدعاية القائمة على الإلحاح في الكذب، تضليلا للوعي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمناظرة أم فيلم “أكشن” أمريكي؟!
نقيب الصحفيين المصريين.. لماذا هاجمته تشريعية البرلمان بعنف؟
أيام عصيبة في انتظار إسرائيل؟!
“غوبلز”، شريك، مُقرب من الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر (1889- 1945م)، الذي كان أحد أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م)، بعدما احتل 11 دولة. من مقولات غوبلز، التي تنبني عليها تجربته الدعائية “اكذب حتى يصدقك الناس”، و”كلما كبُرت الكذبة، يسُهل تصديقها”، ومقولة ثالثة، بأن “الدعاية الناجحة؛ تعتمد على نقاط قليلة، والتكرار” أي تكرار الأكاذيب. هذا النهج الدعائي لغوبلز، لا يزال هاديًا، ومُرشدا لوسائل إعلام في عالمنا الثالث.
أبو عبيدة.. واللمم
كما أن قادة، وساسة، مثل “نتنياهو” يسيرون على الدرب نفسه، مثلما في خطابه الوقح، تبجُحًا، بالأكاذيب، والتلفيقات، والأضاليل أمام الكونغرس، مُدعيًا، بأن الحرب التي يشنها على القطاع هي صراع بين التحضر (دولته) والبربرية والهمجية (الفلسطينيين). كما في “دعاية الكيان”، وقادته المدعومة بوسائل إعلام غربية وازنة، يتم تزييف الوقائع والحقائق. فـ “فلسطين”، ليس لها وجود تاريخي، أما الشعب الفلسطيني- ومقاومته- فمجرد مجموعات من “الهمج المخربين المتوحشين” يخربون العُمران، ويمارسون الإرهاب ضد “الكيان”، الذي يزعُم أنه صاحب الحق التاريخي في فلسطين، أرض أجدادهم. في حين أن هؤلاء الموصوفين بالشعب الإسرائيلي، أو اليهود، هم، بوصف الناطق باسم كتائب القسام (أبو عبيدة)، مجرد “لمم”، من شتى بقاع الأرض، استوطنوا أرض “فلسطين”، بعد أن أعملوا القتل، والحرق، والمجازر في أهلها.
غوبلز والدعاية الصهيونية
تماما مثلما قامت أمريكا، على جثث مئة مليون إنسان من “الهنود الحُمر” أصحاب الأرض الأصليين، الذين جرت إبادتهم، ومحوهم من الوجود، على أيدي البيض الوافدين. وهذا ما يُفسر، جانبا من التماهي الأمريكي مع الاحتلال الإسرائيلي، كونهما من ذوي النشأة المتماثلة.
وكما نجح “غوبلز”، في تحقيق أهدافه بتغييب وعي الشعب الألماني، وحشده، وتجييشه لدعم هتلر، وحزبه النازي، نجحت الدعاية الصهيونية في تشكيل وعي “الشعوب الغربية” لصالح الرواية الإسرائيلية. إلا أن “اتجاهات” هذه الشعوب، وطلاب جامعاتها، طالها التحول (بدرجة ما) لصالح الحق الفلسطيني، على خلفية طوفان الأقصى، وسقوط الأقنعة الأخلاقية التي تستر بها الكيان، وانكشاف توحشه، وارتكابه المذابح، والإبادة، بحق سُكان القطاع، وقتل أكثر من 40 ألف منهم بينهم أطفال ونساء، وجرح 90 ألف آخرين، وتشريد أكثر من مليوني غزاوي.
خُطب الزعيم وأنظمة الحُكم الفردية
كان ملفتا، مُثيرًا للدهشة، التصفيق المتكرر بشكل مُبالغ فيه، لـ “نتنياهو”، طوال خطابه الذي استغرق 55 دقيقة. رغم أن نواب الكونغرس، والنُخب الأمريكية بالعموم، يعلمون يقينا بأن “نتنياهو” كذَّابٌ، أشر، وأنه يكذب كما يتنفس، اقتداء بـ “غوبلز”.
فما هو تفسير “كثرة التصفيق”، بهذه المُغالاة، الغريبة على النظام السياسي الأمريكي؟ مثل هذا المشهد، مُعتاد في الدول المُدارة بأنظمة حكم فردية، إذ ينحصر دور الجمهور الحاضر لخُطب “الزعيم”، في التصفيق، والهُتاف بحياته، كلما نطق، أو صمت، إظهارا للانبهار به، وإعلاءً لمقامه إلى ما يشبه التقديس.
هذا المشهد، دفع أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون (سابقًا)، المديرً الحالي لمعهد لندن للدراسات الاستراتيجية الدكتور مأمون فندي (مصري الجنسية) إلى التنويه في تغريدة على منصة X (تويتر سابقا) بأن غالبية الحضور بالقاعة، والمُصفقين لنتنياهو، ليسوا بالضرورة أعضاءً بالكونغرس، بل مدعوين. لاحقا، أكدت عضوة بالكونغرس نفس المعنى، وأشارت إلى حشد داعمين كُثر لنتنياهو، مقابل مقاطعة أكثرية الأعضاء للجلسة.
حالة الاستقطاب والشطط دعما لنتنياهو
من زاوية نفسية، ففي مثل هذا الحشد من الأعضاء المؤيدين لنتنياهو، و”المدعوين المتحمسين له” الذين كانوا، ربما، مُكلفين بالتصفيق، يكون طبيعيا، أن يندمج الكل، في عملية التصفيق المتكرر. فوفقا لدراسات نفسية، فإن “مشاعر الناس”، قد تنحو إلى الغلو، والمُبالغة تحت تأثير الحماسة، وتتوحد، وتسري بينهم كما العدوى، حين تتجمع مجموعة منهم في مكان مان لغرض ما، على غرار هذا الحضور في الكونغرس.
وهو ما قد يكون مُخططا من قبل مساعدي “نتنياهو” بغية إيصال رسالة، للداخل الإسرائيلي، والعالم، بأن ممثلي الشعب الأمريكي يؤيدونه بشدة، إلى درجة اندفاع الأعضاء بهذا التصفيق الذي لا يليق بهم، وغير المعتاد أمريكيا. كما أن حالة الاستقطاب، الناجمة عن مقاطعة نحو نصف الأعضاء لخطاب نتنياهو، يدفع الآخرين الداعمين إلى الإسراف، والشطط، في إظهار الدعم لنتنياهو (بكثرة التصفيق) تضخيما لدورهم، وعنادا للمقاطعين.
وربما للسبب ذاته لم يتصد أي عضو لنتنياهو للجمه، عندما اتهم المتظاهرين في أمريكا، المناهضين لعدوانه الوحشي على غزة، بأنهم عُملاء لإيران، وممولون منها.
الشعب الفلسطيني والهنود الحُمر
مهما يكُن مقدار حفاوة الكونغرس بنتنياهو، ودعم الإدارة الأمريكية، لـ “دولة الاحتلال” فعلى قادته الصهاينة، إدراك أن الشعب الفلسطيني ليس على شاكلة الهنود الحُمر، ولن يكون، فهو شعب مُتجذر في التاريخ، مقاوم، لا يرضى بالدنية، وليس واردا، في قاموسه الاستسلام للمصير الذي يريده له الاحتلال. بل إنه سيكتب النهاية لهذا الكيان الصهيوني “الزائل”مهما طال الزمن.
فالقاعدة، أنه لا يضيع حق وراءه مطالب أو مقاوم. والتجارب، تؤكد على مدار الأزمان، أن “المقاومة” تنتصر في النهاية على الاحتلال. فما بالك وهي فلسطينية أبية، تقاوم، وتُحارب عن عقيدة وإيمان راسخ بالحق والعدل، ونصر الله.