لم يكن تصفيقًا لنتنياهو بل تأكيد من الكونغرس للسقوط الأمريكي!

ليس مستغربا أن يحتفي الكونغرس الأمريكي بمجرم حرب مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من دون اكتراث لحجم الكارثة المرتكبة، التي تؤكد السقوط الأخلاقي والحضاري للولايات المتحدة الأمريكية والغرب.
وليس مدعاة للعجب أن يبالغ غالبية النواب الأمريكيين في تأييد الأكاذيب التي رددها نتنياهو على مسامع العالم من داخل الكونغرس، ويصفقوا له على نحو لم يفعلوه لرئيس أمريكي من قبل، في مشهد يؤكد الانحطاط الأخلاقي وموت القيم.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4أوروبا على صفيح ساخن.. فضيحة فساد أوكرانيا تهز برلين وتربك زيلينسكي
- list 2 of 4الانتخابات في مرآة السينما: من بخيت وعديلة إلى رشدي الخيام!
- list 3 of 4كيف شكّلت إسرائيل شبكة من المثقفين المزورين؟!
- list 4 of 4من هولاكو إلى تل أبيب: إعادة إنتاج التوحش
على مدى عقود يتنافس أصحاب الطموح من السياسيين الأمريكيين على من يكون أكثر تأييدا لإسرائيل من الآخرين، ومرارا وتكرارا يعلنون تعهدهم بالولاء لإسرائيل، والحفاظ على أمنها وحقها المزعوم في الوجود، مهما كان ذلك متصادما مع القيم والأخلاق.
وعند البحث عن السبب وراء هذا الموقف الكارثي للنخب السياسية الداعمة على طول الخط لإسرائيل في أمريكا والغرب، رغم ما يلحقه ذلك من ضرر وتدمير بالذات، خاصة في دولة عظمى مثل الولايات المتحدة؛ فإن الإجابة تكمن في جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، التي تتمتع بنفوذ شامل وقوي، وفي أولئك المؤيدين لإسرائيل في المواقع المختلفة، وفي قمة الهرم السياسي.
الطريق نحو الانهيار
لا تسقط الدول العظمى بين ليلة وضحاها، ولكن هناك مدى زمني قد يختلف من دولة إلى أخرى، حسب قوة العوامل التي تقود إلى السقوط والانهيار، والذي يمثل النتيجة الحتمية في نهاية المطاف.
بنظرة تحليلية للواقع واستقراء للتاريخ، وبعيدا عن أي تفسير أيديولوجي أو غيبي قدري، تسلك الولايات المتحدة الأمريكية الطريق نحو الانهيار منذ عقود.
وليس هناك من شك في أن الولايات المتحدة سقطت أخلاقيا وحضاريا؛ وذلك بتسهيل ودعم ومشاركة إسرائيل في ارتكاب أكثر الجرائم وحشية في عصرنا ضد الفلسطينيين في غزة، وهذا السقوط الأخلاقي والحضاري هو أحد العوامل الحاسمة المؤدية في نهاية المطاف إلى سقوط أمريكا عن قيادة العالم وانهيار كونها قوة عظمى.
القول بسقوط أمريكا ليس من قبيل التمني، أو رغبة عارمة لدى البعض في رؤية بلاد العم سام تدفع ثمن خطاياها، التي عانى بسببها كثيرون في هذا العالم، ولكنه نتيجة معطيات على أرض الواقع.
إن تراجع أمريكا العظمى ليس بناء على تصور خاطئٍ، ينطلق من أزمات وقتية كالتي تعيشها البلاد الآن، يخلط في الأذهان بين مجموعة من العوامل، تقود إلى استنتاج خاطئ.
فمنذ تصدر الولايات المتحدة للنظام العالمي، ومحاولة فرض نموذجها على العالم، لم تتوقف الدراسات والتحليلات حول المستقبل الأمريكي.
لقد انتهت العديد من الدراسات المستقبلية إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش الحالة التي تقود إلى سقوط أي قوة عظمى.
شيخوخة أمريكا
بعد فوز دونالد ترامب المفاجئ على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016، تعالى الكثير من الأصوات خلال فترة رئاسته في داخل أمريكا وخارجها، محذرا من أن أمريكا في طريقها إلى الانهيار، وأن ترامب سيقود البلاد إلى الحرب الأهلية والتفكك والعزلة عن العالم، ولكن ذلك لم يحدث.
وبعد فوز الثمانيني جو بايدن -الأكبر سنا في تاريخ رؤساء أمريكا- على الرئيس السابق ترامب، في انتخابات عام 2020، أثبتت سنوات حكمه أنه “أسوأ رئيس أمريكي في القرن الحادي والعشرين”، حسب تعبير السناتور الجمهوري السابق تيد هارفي، في مقاله المنشور في “واشنطن تايمز” منتصف عام 2022.
ويتفق مع هذه الرؤية تجاه بايدن العديد من الخبراء في مجالات مختلفة، الذين رأى بعضهم أن شيخوخة بايدن صادفت “شيخوخة الإمبراطورية الأمريكية”.
لقد بنت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها العالمية على ثلاثة أركان: “قوة الاقتصاد، والتفوق العسكري، والقوة الناعمة للهيمنة الثقافية”.
اليوم، لم تعد أمريكا القوة الوحيدة المهيمنة بلا منازع في المجالات المختلفة.
إن أمريكا تتضاءل يوما بعد يوم؛ جيوسياسيا وعسكريا، وماليا واقتصاديا؛ واجتماعيا وصحيا وبيئيا. ووفقا لما أشار إليه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، فقد بدأ التراجع الحقيقي للولايات المتحدة بعد وقت قصير من الحرب العالمية الثانية.
أمريكا وأخلاق الدولة العظمى
لا شك في أن الولايات المتحدة دولة عظمى وفقا لمنظور القوة والهيمنة.
وبالنظر إلى ما يمكن أن نسميه “أخلاق الدولة العظمى”، فقد كانت أمريكا منذ تسودها النظام العالمي بعيدة عن الوظيفة الحضارية والمسؤولية الكبرى للدولة العظمى، التي تحكم تحركاتها قيود معنوية مفترضة تحدد الأهداف والوظائف المسيطرة على تعاملاتها.
إن الدولة العظمى لديها مسؤولية تتعلق بالقيادة الدولية، وهي تحقق هيبتها وتستمدها من الجدية والصدق واحترام الكلمة، ومن خلال التعامل مع الأمور بميزان المنظور والحس التاريخي، ولكن أين الولايات المتحدة من ذلك كله على مدار تاريخها، وخاصة في تعاملاتها مع المنطقة العربية؟
وتبعا للمسؤولية الأخلاقية والحضارية للدولة العظمى، فإن وقوف الولايات المتحدة ودعمها لما ترتكبه إسرائيل من جرائم في غزة وفلسطين، وما ارتكبته من مذابح وحروب في بلدان ومناطق مختلفة من العالم يقدم لنا إجابة واضحة حول سقوط أمريكا.
يقول أستاذنا الدكتور حامد ربيع، وننقل عنه بتصرف: “لم تحترم أمريكا حتى تلك المثاليات ولو شكلًا، التي صاغها قادة عظام من أمثال جورج واشنطن وويلسون وروزفلت”.
ويضيف قائلا “إن الدولة العظمى لا تسير وراء الآخرين ولكنها تتصدر الجميع، ولم يعرف التاريخ نموذجًا أضحت فيه دولة عميلة تسيطر على دولة كبرى توجهها وتخضعها لتعاليمها كما يحدث اليوم في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب”.
لقد استغنت الولايات المتحدة عما كان يسميه ديغول سياسة العظمة، ولجأت إلى ما تسميه سياسة الإخراج المسرحي، فكيف تقبل دولة عظمى لنفسها أن تنزل إلى ذلك المستوى؟ انتهى الاقتباس.
ختاما
يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: “من بين الحضارات الاثنتين والعشرين التي ظهرت في التاريخ، انهارت تسعة عشر منها عندما وصلت إلى الحالة الأخلاقية التي تعيش فيها الولايات المتحدة الأمريكية الآن”.
لقد كانت دعوة مجرم حرب مثل نتنياهو لإلقاء كلمة في الكونغرس بمثابة إشهار وتأكيد للسقوط الأمريكي.
