“إعلان بيجين” بدولة فلسطينية اختراق ينقصه الجدية!

تمكنت الصين من تحقيق اختراق جديد، في علاقاتها بالدول العربية والمنطقة، بإطلاق “إعلان بيجين”، لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتحقيق المصالحة الفلسطينية.
جاء الاختراق بعد جهود حثيثة، أسفرت عن مصالحة تاريخية بين السعودية وإيران، ومقاربة مدروسة يتولاها الرئيس شي جينبنغ بين بيجين وحلفائها والعواصم العربية، لبناء “حقبة جديدة في العلاقات الصينية العربية، من أجل مستقبل مشترك، وتعزير نموذج التعايش المتناغم والحوار بين الحضارات لصالح الحكم الرشيد للعالم، والأمن للجميع، غير القابل للتجزئة”.
اقرأ أيضا
list of 4 items“صنع الله إبراهيم” الكتابة على دقات الحروف وصوت المذياع
وداعا محمد حلمي القاعود.. صاحب القلم الهادئ والفكر الصاخب
حتى تكتمل فرحتنا بنجاح البلشي
ظهر الاتفاق، بعد شهرين من المباحثات و6 أيام من المناقشات الساخنة، بدار الضيافة “يو تاو” التابع لمجلس الدولة، صباح 23 يوليو/تموز، وقبيل ساعات، من إلقاء رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو خطابه أمام “الكونغرس” الأمريكي، السيئ المليء “بالأكاذيب والتضليل” للمجتمع الدولي، اتهم خلاله الفلسطينيين، بتبديد فرص وقف إطلاق النار، في غزة واتباع جيش الاحتلال أفضل المعايير القانونية، أثناء قذف المنشآت المدنية، نافيًا ارتكابه مجازر بشرية ضد النساء والأطفال وتسببه في مقتل 40 ألف شهيد، وتشريد مليوني إنسان.
المصالحة أولًا
ترى الصين القضية الفلسطينية، أزمة مركزية في الشرق الأوسط، جلبت الفوضى للدول العربية، وكوارث يجب حسمها، بمنطقة تمثل موردها الأول للنفط، وخامس أكبر شريك تجاري، وبوابتها بمشروع “الحزام والطريق”، الذي تقود من خلاله دول الجنوب العالمي، لإقامة عالم متعدد الأقطاب، قادر على موازنة السياسات التي تفرضها واشنطن، منذ انتهاء الحرب الباردة.
في لقاء موسّع مع السياسيين والإعلاميين، الأربعاء الماضي، أخبرنا لياو ليتشيانغ سفير الصين بالقاهرة، أن “إعلان بيجين” يستهدف، إنهاء الانقسام السياسي بين الفصائل الفلسطينية لمواجهة حرب الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي على غزة، وتحقيق وحدة وطنية فلسطينية شاملة، تضم القوى والفصائل كافة، والالتزام بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، تعد منظمة التحرير هي الممثل الوحيد والشرعي للسلطة، وضمان حق العودة لفلسطيني الشتات طبقًا لقرار 194.
يمنح الاتفاق الشعب الفلسطيني حق مقاومة الاحتلال وإنهائه وفقًا للقوانين الدولية، وتشكيل حكومة وفاق وطني مؤقتة بالتوافق بين الفصائل الفلسطينية، وبقرار من الرئيس بناء على القانون الأساس الفلسطيني، على أن تبدأ الحكومة بتوحيد المؤسسات في الضفة وقطاع غزة، لإعادة الإعمار، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة، بأسرع وقت.
أكدت الفصائل رفضها المطلق، لكل أشكال الوصاية ومحاولات سلب الشعب الفلسطيني حقه في تمثيل نفسه، أو مصادره قراره الوطني المستقل.
“الجهاد” ترفض إسرائيل
حرص وانغ يي وزير الخارجية على حضور سفراء مصر وقطر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان وروسيا وتركيا ووزير الخارجية وكبار المسؤولين الصينيين، توقيع “إعلان بيجين”، بما رفع صوته مدويًا بصحف الدول الموقعة والشاهدة عليه، بينما تجاهله الإعلام الغربي، عدا الناقدين له بشدة.
رحّب ممثلو 14 فصيلًا سياسيًا، بقيام الأشقاء العرب خاصة من مصر والجزائر وقطر والأصدقاء في جمهوريتي الصين وروسيا، في إنهاء حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية، ودور محكمة العدل الدولية، في تأكيد عدم شرعية الوجود والاحتلال والاستيطان الإسرائيلي على أرض دولة فلسطين، وعمل المجتمع الدولي على فك الحصار الهمجي عن الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، والتصدي لمؤامرات الاحتلال وانتهاكه المستمر ضد المسجد الأقصى، والمقدسات الإسلامية والمسيحية. لم تقبل “حركة الجهاد الإسلامي” البيان والاعتراف بالكيان الصهيوني، وتطالب باسترداد كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر.
اقترح وانغ يي أن ينفّذ “إعلان بيجين” على 3 مراحل: وقف إطلاق نار شامل ودائم في غزة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، على أن تبدأ الخطوة التالية بجهود مشتركة نحو حكم غزة وفق مبدأ “فلسطينيون يحكمون فلسطين” يعقبها مساعدة فلسطين الحصول على دولة كاملة العضوية بالأمم المتحدة، والشروع بتنفيذ حل الدولتين، عبر مؤتمر سلام دولي واسع النطاق، يتحرك وفق جدول زمني وخريطة طريق واضحة لحل الدولتين.
مبادرة واشنطن البديلة
قطع “إعلان بيجين” التوجه نحو خطة تديرها الولايات المتحدة وإسرائيل، لتشكيل سلطة فلسطينية جديدة، يقودها رئيس الوزراء السابق سلام فياض، مدعومة بقوات إقليمية، لإدارة قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب. وفقًا لجريدة “واشنطن بوست” الأمريكية.
تطرح الصين حلولًا سياسية بديلة، في مواجهة المشروع الأمريكي الداعم لاستمرار المجازر في غزة. تبدي احترامًا لقرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ومؤسساته، لتقديم نفسها، كقوة عظمى محترمة ومسؤولة، لتمرغ سمعة واشنطن في التراب، بشأن جديتها بحماية حقوق الإنسان والحريات.
أثار الاتفاق غصة في حلق أطراف كارهة لأي تقارب بين الفصائل الفلسطينية، منها دول عربية ترتبط بعلاقات قوية مع الصين وإسرائيل، تسعى إلى أن يأتي الفتح على “الطريقة الإبراهيمية” تسوق عبرها لصداقة عربية – إسرائيلية دائمة. يعدّ هؤلاء “إعلان بيجين” غامضًا ولا يحوي سوى شعارات عامة، وبنودًا غير قابلة للتنفيذ.
في بيت الطاعة الأمريكي
يبقى الرهان على قدرة الصين إنجاز “إعلان بيجين” بجديتها في خوض معارك سياسية، من أجل إدارة تنافس حقيقي مع واشنطن على شؤون الشرق الأوسط، وتحريك أصدقائها الدوليين وبخاصة الاتحاد الأوروبي، الذي يشهد تحولًا عميقًا نحو الاعتراف بدولة فلسطين.
نرى أن الصين عازمة على حل نزاعات عميقة، لكنها ما زالت غير مهيأة لوقف حالة الحرب، عبر مؤتمر دولي للسلام، وإنهاء الصراعات العسكرية، خاصة التي يقف الغرب طرفًا فيها، مثلما يحدث في أوكرانيا وغزة، وعلى حدودها في بحر الصين وأفغانستان، أو التي تهدد مصالحها وسفنها بالبحر الأحمر، فالصين تخشى الاندفاع نحو المشاكل الدولية، وتعمق الأيديولوجية الماركسية اللينينية، لمواجهة تراجع النمو وأزمة اقتصادية داخلية. ما زالت تفتقد القدرة البحرية والحربية القادرة على حسم المعارك مهما كانت ضئيلة، أو التهديد بها، بالإضافة إلى ضعف التكتلات السياسية التي تتحالف معها، وتركيز أغلب شركائها الدوليين على التعاون الاقتصادي معها، دون إثارة أية عداءات مع الغرب أو الخروج عن بيت الطاعة الأمريكي.
أظهرت الحرب الإسرائيلية على غزة، مدى تغول التيار الصهيوني المدعوم بشدة من واشنطن، في تأجيج الصراع العربي-الإسرائيلي وإدارة المشهد العالمي، وعمق جذوره ذات الأصول البروتستانتية والكاثوليكية المتطرفة، التي تعود لحقبة الحروب الصليبية، بما يستدعي أن تحدد الصين رؤية مستقبلية حول مدى جديتها في حماية المسلمين، واحترام أصحاب الأديان عامة، في ظل ممارسة أجهزتها حربًا قومية ضد أصحاب العقائد المخالفة لنظام الحزب الشيوعي الملحد رسميًا.