لقاء أردوغان والأسد.. فكرة طارئة أم ضرورة؟

أردوغان وبشار الأسد (صورة أرشفية)

تواصل أمريكا تقديم دعمها غير المحدود للعدوان الإسرائيلي المستمر في غزة منذ نحو ثمانية أشهر، وكذلك تقدم في الوقت ذاته وباللامبالاة نفسها دعمًا غير محدود لتنظيم إرهابي في سوريا بحجة محاربة تنظيم إرهابي آخر.

ورغم أن هذا الدعم يُعَد عدوانًا وهجومًا على تركيا حليفها في الناتو وثاني أكبر شريك في التحالف، فإنها تواصل الدعم دون أدنى شعور بالحاجة إلى تفسير هذه التناقضات والازدواجية الواضحة في سلوكها، فالتعالي الأمريكي يرفض أي مساءلة أو نقد.

فأمريكا تسعى من خلال تقديم الدعم لسنوات طويلة لتنظيم “بي كي كي/ بي واي دي” الإرهابيينِ في المناطق ذات الأغلبية العربية في سوريا، إلى تأسيس نظام بعثي جديد محوره الأكراد. ولا تدققوا مع قولي “محوره الأكراد”؛ فستسلب أمريكا أولًا بهذا الدعم من الأكراد هويتهم الكردية، ثم تُحوّلهم إلى جنود مرتزقة لخدمة إسرائيل.

لو كانت هناك في هذا العصر سلطة قادرة على تنفيذ القانون الدولي، لعُد هذا التصرف الأمريكي الداعم للإرهاب جريمة ضد الإنسانية، لكن العلاقات الدولية -مع الأسف- تحكمها القوة، فالغلبة فيها للأقوى، ولهذا فإن البشرية اليوم تواجه أشد تجليات هذه الحقيقة قسوة وعنفًا.

ففي الوقت الذي تُعَد فيه أمريكا مجرمة أمام العالم أجمع، وأمام تركيا على وجه الخصوص، بسبب دعمها لكل من إسرائيل المبيدة للإنسانية ومرتزقتها تنظيم “بي كي كي” الإرهابي، لا تتورع بعض الأوساط الأمريكية عن تصنيف ما تقدمه تركيا لحماس على أنه “دعم للإرهاب” رغم أنه لا يتخطى الدعم الدبلوماسي.

تحدٍّ من أردوغان

إن الدعم الخطابي والدبلوماسي الذي تقدمه تركيا لحركة حماس يمثل في الواقع تحديًا صريحًا من الرئيس أردوغان لنفاق النظام العالمي الصهيوني. وهناك حملة شعواء من قِبل اللوبيات الإسرائيلية في أمريكا وتحريض من إسرائيل نفسها، هدفها اتهام تركيا بتقديم دعم عسكري لحماس، مستغلة استفزازات إسرائيل.

وتركز هذه الجهات بشكل خاص على دعم تركيا لجرحى غزة الذين يُنقلون للعلاج في تركيا، بل حتى المساعدات الإنسانية التي حاولت إيصالها إلى غزة، سعيا منهم بكل وقاحة لتصنيف هذه الجهود دعمًا مباشرًا لحماس وبالتالي للإرهاب.

ففي الوقت الذي باتت فيه صورة إسرائيل راسخة في عقول جميع أنحاء العالم بوصفها مجرمة ضد الإنسانية، ومرتكبة لجرائم الإبادة الجماعية، ومجرمة حرب دنيئة، يُعَد شن هجوم كهذا تصرفًا وقحًا يثير الغضب، ولا شك أن هذه الجرأة تستمد قوتها من النظام العالمي المجرم.

أصبح من المُلح أن تبحث الولايات المتحدة مع إسرائيل عن خطوات مضادة تُفشل دعم الولايات المتحدة للإرهاب، وذلك في مواجهة الأنشطة الصهيونية داخل سوريا. وقد صرّح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أخيرًا، تعليقا على احتمال عقد لقاء بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، بقوله “إن روح العصر تدفعنا إلى السعي لتحقيق السلام”.

مصطلح فضفاض

لا شك أن “روح العصر” مصطلح فضفاض بطبيعته، ويترك المجال واسعًا أمام كثير من التأويلات السياسية، فماذا وراء “روح العصر” حقًّا؟! لا شك أن ذلك لا يعني أبدًا التخلي عن السياسة أو حصر الرؤية في جانب واحد، ولكن من الواضح أن هناك من يجتهد في ممارسة الضغوط. ولذا يجب أن نضبط دلالات هذا المفهوم باستراتيجية محكمة وتقييمات واقعية، فلا يمكن بالطبع التسليم المطلق لتطورات وخيارات عبر هدنة أساسها “روح العصر” فقط، بل على العكس إن هذا الوضع يقتضي تقييم الفرص الجديدة بذكاء ودراستها بوعي لمواجهة التهديدات المستجدة التي تفرضها التغيرات العالمية.

ومن الضروري الانتباه إلى أنشطة إسرائيل وأمريكا في المنطقة؛ إذ تشكل تهديدًا مباشرًا لتركيا التي يقع جزء كبير منها ضمن نطاق تطبيق المشروع الصهيوني، إضافة إلى ما تعنيه الجهود المبذولة لإنشاء جيش من المرتزقة من “بي كي كي/ بي واي دي” الإرهابيين في سوريا وشرقي تركيا. فتهديدات المشروع الصهيوني لا تقتصر على تركيا فحسب، بل تطال سوريا أيضًا، وبالتالي تتطلب هذه الظروف اتخاذ موقف مشترك من دول المنطقة، يتضمن التعاون والتواصل لمواجهة هذه التهديدات.

ردود الأسد

ومن زاوية أخرى، تكمن المشكلة الحقيقية في مدى إدراك بشار الأسد لهذا الوضع وفهمه له، أو حتى مدى اهتمامه به، ودلالة وجود أمريكا داخل سوريا، ورغبة الأسد في ذلك؟!

في الواقع يمكن النظر إلى ردود فعل الأسد الأولية على تصريحات أردوغان في هذا الصدد على أنها ردود فعل طبيعية نتيجة لحالة العداء المستمرة بين البلدين طيلة 13 عامًا، لكنها من جهة أخرى تثير أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان الأسد -حتى لو أراد ذلك- قادرًا على تقديم ما يُتوقع من هذا التواصل، فقد أقام تحالفات معادية لشعبه على مدى 13 عامًا للحفاظ على سلطته في بلاده، وقد لا يكون لديه القدرة على تغيير هذه التحالفات لصالح تركيا لو أراد.

وسرعان ما استغل الأسد الفرصة لعرض شروطه أثناء تصريحه الذي أدلى به أمام الكاميرات، بعد أن أعلن أردوغان عن طلب اللقاء لأول مرة، وشرع الأسد في تقديم شروطه على الفور قائلًا “أولًا يجب على الأتراك الانسحاب من الأراضي السورية ووقف دعمهم للجماعات الإرهابية”. وهنا من حقنا التساؤل عن قدرة الأسد على توجيه مثل هذا النداء إلى أمريكا التي تحتل جزءًا من أراضي بلاده نيابة عن إسرائيل عدوه اللدود! هل قام الأسد حتى الآن بأي خطوة لطرد إسرائيل من الجولان الذي يقبع تحت الاحتلال منذ عام 1967؟!

لن تحقق فائدة

يستغل الأسد الفرصة لمهاجمة العمليات العسكرية التي اضطرت تركيا إلى القيام بها في سوريا، متناسيًا مجازره غير المسؤولة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق ملايين السوريين، والتي أدت إلى دخولهم تركيا.

أكاد أجزم أن أي محادثات مع بشار الأسد لن تحقق أي فائدة تُذكر على أرض الواقع، إذ لا يستطيع الأسد تقديم حل يُمكّن اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى بلادهم، كما لا يمكنه الإسهام في إزالة التهديد الإرهابي لتركيا المتمثل في تنظيم “بي كي كي” الإرهابي المدعوم من أمريكا وإسرائيل. هذا فضلًا عن تجاهل الأسد وغضه الطرف عن العمليات التي نفذتها أمريكا ضد تركيا باستخدام “بي كي كي”، ومن المعلوم أن وراء هذا السلوك دوافع تخصه؛ ففي ظل الظروف التي يمر بها الأسد ونظامه، لا يملك خيارًا سوى غض الطرف عن أمريكا وعربدتها في سوريا والحدود التركية، ولن يكون له خيار آخر في المستقبل، وبعبارة أخرى لا يملك الأسد أي سلطة أو رغبة في تغيير الواقع الحالي في سوريا، فهو ليس في موقف يسمح له بطرح أي شروط بشأن هذه القضية، ولكن إذا كان لديه نية حقيقية للبدء من جديد، فيمكنه البدء بتسليم حلب إلى قوة دولية مثل الأمم المتحدة لضمان عودة المواطنين السوريين في تركيا إلى بلدهم.

فالواقع يؤكد أنه من غير الممكن إقناع السوريين في الخارج بالعودة إلى بلد خاضع لسيطرة الأسد، حيث تستمر جرائم القتل والظلم والتعذيب كما في الأيام الأولى. وإذا أردنا الوصول إلى تقدم حقيقي، فيجب أن نركز على هذه الخطوة كبداية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان