“خليهم يتسلوا”.. كلمة السر في انتفاضة بنغلاديش

جانب من مظاهرات الشعب في بنغلاديش (رويترز)

رجعوا التلامذة
يا عم حمزة

للجد تاني

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

لا كورة نفعت ولا أونطة
ولا المناقشة وجدل بيزنطة

قصيدة الشاعر المصري الشهير أحمد فؤاد نجم “رجعوا التلامذة”، التي تغنت بها جموع الثائرين في ميادين التحرير، تعود إلى صدارة المشهد هذه الأيام، لكن من بوابة بنغلاديش هذه المرة؛ إذ انتفضت الجماهير بقيادة طلابية، احتجاجا على تسييس الوظائف والغلاء والاستبداد والفساد، وقدّمت مئات القتلى وآلاف الجرحى والمعتقلين في معركة لم تُكتب نهايتها بعد.

ويواجه شباب بنغلاديش “سلطة شاخت فوق مقاعدها”، حسب التعبير الذي صكه الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، فرئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد (77 عاما) تمسك بزمام الحكم منذ 20 عاما، من بينها 15 عاما على التوالي، وتسيطر على البلاد بقبضة أمنية، وتستند في حكمها على شراء ولاءات الأجهزة الأمنية والجيش ونخبة من رأسمالية المحاسيب.

وتكتسب بنغلاديش -التي تقطنها أغلبية مسلمة، وتحدها الهند من كل الجهات ما عدا الجنوب الشرقي الذي تحدها منه بورما، ويحدها من الجنوب ساحل البنغال- أهمية دولية لسببين، فهي تُعَد بمنزلة مصنع منسوجات العالم، وثانيا لموقعها الجيوسياسي الذي جعلها محل تنافس شرس بين الصين وأمريكا.

الشرارة

منذ عام 2020، توقفت “المعجزة الاقتصادية” التي أشادت بها المؤسسات الدولية عن الدوران، وضربت الأزمة الطبقات الشعبية بعنف، ولم تكن الطبقة المتوسطة -بما في ذلك الطلاب- بمنأى عن الأزمة.

ولم تعرف رئيسة الوزراء طريقا لمواجهة الأزمة الاقتصادية سوى الاستدانة، مما أوقع البلاد في براثن روشتة صندوق النقد الدولي، وعلى الفور انخفضت قيمة العملة الوطنية، وارتفعت تكلفة الواردات، وبات انقطاع التيار الكهربائي روتينا يوميا.

وبينما الجماهير تئن تحت وطأة الغلاء وانسداد أفق أي تغيير سياسي، بعد تزوير الانتخابات لتفوز الشيخة حسينة في يناير/كانون الثاني الماضي بولايتها الرابعة، أوعزت السلطة إلى المحكمة العليا لتصدر حكما يوم 5 من يونيو/حزيران الماضي بإعادة تفعيل نظام “الكوتة”، مما يسمح بتوزيع نسبة من وظائف القطاع العام على المحاسيب، وهو النظام الذي كان قد تم تعليقه عام 2018 على إثر احتجاجات شعبية.

ويزيد من ضراوة المنافسة بين الخريجين على الوظائف الحكومية، في بلد تعداده 175 مليون نسمة، انخفاض معدلات التوظيف الحكومي، وضعف أجور القطاع الخاص، كما تشير الأرقام الرسمية إلى وجود 18 مليون شاب عاطل.

ومع غياب الديمقراطية منذ أكثر من عقد، بدأ الطلاب بالتعبير عن غضبهم، من خلال مغادرة البلاد أو الاحتجاج.

خليهم يتسلوا

لم تقدّر الشيخة حسينة حجم الغضب المكبوت في نفوس الشباب، ولم تتعلم من الانتفاضة الجماهيرية التي اندلعت في كينيا الإفريقية الشهر الماضي ضد السياسات ذاتها.

وفي بداية الاحتجاجات السلمية التي رفعت مطلبا وحيدا هو إلغاء نظام “الكوتة”، نجحت رئيسة الوزراء في تحريض ملايين الشباب على المشاركة في الانتفاضة، بعد أن قللت من حجم معاناتهم قائلة “إنهم يضيعون وقتهم بلا داعٍ”، ثم وصمتهم بالخيانة، مشبهة إياهم بـ”راجكار”، وهو مصطلح أُطلق على المتعاونين مع الجيش الباكستاني أثناء حرب الاستقلال عام 1971.

ولم تتوقف وسائل الإعلام الحكومية لحظة عن اتهام الطلاب بأنهم بيادق في أيدي المعارضة، وفي رواية أخرى أنهم على تواصل مع حزب “الجماعة الإسلامية”، بل وقيل إن منظمات غير حكومية أجنبية اخترقت الاحتجاجات لتنفيذ “ثورة ملونة”.

وفي الوقت نفسه، أطلق حزب رابطة عوامي الحاكم العنان لمليشياته المعروفة باسم “شهاترا”، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات في جامعات ومدن عدة، وشكّل ذريعة لتدخّل شرطة مكافحة الشغب “لوضع حد للفوضى”.

طلاب ضد التمييز

وفي هذا السياق، شكلت الحركة الطلابية هيئة وطنية تُسمى “حركة الطلاب المناهضة للتمييز”، التي نجحت في تنسيق الحركة على المستوى الوطني. نظم الطلاب اعتصامات في كل الجامعات، وشكلوا لجانا للدفاع عن أنفسهم من القمع الحكومي.

وبدأت الحركة الطلابية سلمية في الأول من يوليو/تموز، لكن رد الحكومة الوحشي أدى إلى اشتعال الاستياء المكبوت بين الملايين من الجماهير البنغلاديشية، وانضموا إلى نضال الطلاب من أجل العدالة.

ورأى المراسل السابق لمجلة الإيكونوميست البريطانية توم فيليكس أن المظاهرات العنيفة التي شهدتها بنغلاديش ورفعت شعار (تسقط الديكتاتورة) “غير مسبوقة”، وأوضح “لطالما كان إلغاء المنافسة السياسية في بنغلاديش فكرة سيئة. هذه أزمة سياسية سببها الغطرسة وعدم الكفاءة الاقتصادية”.

أمة تحت الحصار

قطع النظام السلطوي الاتصالات الرقمية، لعرقلة تنظيم الحركات الاحتجاجية، وعزل البلاد عن العالم تماما، وتُرك الملايين الذين يناضلون من أجل لقمة العيش خارج البلاد، يشعرون بالقلق على مصير أفراد عائلاتهم الذين لم يعد بإمكانهم الاتصال بهم، فنظموا مسيرات في مدن أوروبية وعربية للضغط من أجل فك الحصار عن أهاليهم.

وتحت جنح الظلام، ارتكبت القوات الأمنية أسوأ مذبحة شهدتها بنغلاديش منذ الثمانينيات، حيث قُتل 193 شخصا على الأقل في مواجهات دامية، حسب ما ذكرت صحيفة “بروثوم ألو” التي تُعَد أكبر صحيفة بنغالية، وألقي القبض على قيادات المعارضة والحركة الطلابية، وفُرض حظر التجوال يوم الجمعة 19 يوليو/تموز، ونزل الجيش الى شوارع المدن.

السهم نفذ

ورغم استجابة النظام جزئيا لمطالب المحتجين، وتقليص مخصصات الوظائف العامة، فقد انطلق سهم الاحتجاجات.

وتنقل صحيفة الغارديان عن قادة الطلاب قولهم “الأزمة اتسعت بعد سقوط الشهداء والمصابين واعتقال قيادات الحراك وقطع الإنترنت، لتشمل المطالبة برحيل الحكومة ومحاسبة القتلة والإفراج عن المعتقلين، وعودة الإنترنت، واحترام حرية الرأي والتعبير والتجمهر”.

وأصدر “منسق حركة الطلاب المناهضة للتمييز” ناهد إسلام بيانا، طالب فيه الحكومة “بسحب قوات الشرطة من الشوارع، وفتح الحرم الجامعي والمؤسسات التعليمية مجددا، والتوقف عن إطلاق النار، لخفض التوتر”.

ووجَّه “نداء إلى قوات الأمن لمساندة الطلاب، بدلا من دعم الحكومة القاتلة”، مشيرا الى أنه “سيتم توجيه نداء إلى المجتمع الدولي لتوفير الحماية للشعب”.

وختم البيان بموافقة الحركة على تعليق الاحتجاجات لفترة مؤقتة، مشددا على أن الحركة لا تسعى إلى الإصلاح “على حساب هذا الكم الكبير من الدماء”.

بينما وضع موقع “حركة كوتا بنغلاديش 2024 ” الإلكتروني https://www.quotamovementbd.org إسقاط النظام في المرتبة الأولى بين مطالبه الخمسة، وجاء في بيان للحركة “نطالب باستقالة رئيسة الوزراء على الفور، وتسليم السلطة إلى حكومة مؤقتة تنظم انتخابات حرة يمكن لجميع الأحزاب المشاركة فيها، بما يضمن استعادة الديمقراطية”.

أين العمال؟

يمكن القول إن بنغلاديش حاليا في مفترق طرق، فإما الإصلاح أو العودة مرة أخرى إلى مسار الانقلابات العسكرية، في حال استمرار الاحتجاجات الجماهيرية، غير أن أحد العوامل المهمة، التي ستحدد مسار الأحداث، هو انضمام العمال بوزنهم الاقتصادي إلى الانتفاضة.

وتحتل بنغلاديش المرتبة الثانية عالميا بعد الصين في قائمة الدول المصدّرة للملابس، غير أن سنوات النمو والازدهار شهدت أيضا اتساع نطاق الفقراء بشكل ملحوظ. ووفقا للبنك الدولي “في حين سجل الناتج المحلي الإجمالي في بنغلاديش نموا بلغ في المتوسط ​​6.4% سنويا في الفترة من 2010 إلى 2020، فإن شريحة 10% الأعلى من السكان تمتلك الآن أكثر من 38% من ثروة البلاد، في حين تسيطر شريحة 40% الأدنى من السكان على 14% فقط”.

وتمثل مصانع النسيج 20% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، لكن ظروف العمل مزرية بالنسبة لقسم كبير من العاملين في هذا القطاع البالغ عددهم 4.5 ملايين، غالبيتهم من النساء.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شهدت مناطق عمالية احتجاجات عنيفة مع تحرك عمال صناعة الملابس للمطالبة بتحسين الأجور، مما أسفر عن مقتل 3 عمال، وإلحاق أضرار بأكثر من 70 مصنعا، وفقا للشرطة.

استبداد لكن قابل للانكسار

ويشير موقع “الدبلوماسي”، المعني بالشأن الأسيوي، إلى اجتماع ممثلي رجال الأعمال مع رئيسة الوزراء، للتعبير عن قلقهم، خصوصا في ظل الانتقادات الأممية للتعامل الوحشي مع المتظاهرين، وشددوا فيه على أنه “طالما استمر حظر التجوال وانقطاع التيار الكهربائي، سيظل قطاع الملابس الحيوي مشلولا وغير قادر على تلبية الطلبات، وكذلك الحال بالنسبة للبنوك”. وقال مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن اعتماد النظام على القمع لاستعادة الهدوء سيؤدي إلى “استبداد هش على نحو متزايد”. والأشياء الهشة تميل، عند نقطة معيَّنة، إلى الانكسار.

في حين رأى مدير مكتب آسيا في مجموعة الأزمات الدولية بيار براكاش أن “المظاهرات الراهنة قد تكون التحدي الأكبر لنظام الشيخة حسينة منذ وصولها إلى السلطة عام 2009”. وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية “في غياب انتخابات تنافسية حقيقية، لا خيار للبنغلاديشيين المستائين إلا الاحتجاج في الشوارع لإسماع أصواتهم”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان