السير على درب الشهيد هنية ورفاقه

إسماعيل هنية (غيتي)

أكدت السوابق التاريخية منذ تأسيس حركة حماس في السادس من ديسمبر/ كانون أول 1987 أن توالي اغتيال العشرات من قادتها لم يوقف مسار النضال، بل لقد زادت القدرات العسكرية لحماس تدريجيا منذ الاستيلاء على بندقية من جندي إسرائيلي، واستخدامها في عدة عمليات بأكثر من مدينة فلسطينية من خلال استعارتها إلى تصنيع بندقية الغول وغيرها من أنواع القذائف والمسيرات التي تم استخدامها بعملية طوفان الأقصى، وما تلاها من عمليات قتالية طوال الشهور العشر الماضية تم خلالها توظيف بقايا القنابل الإسرائيلية التي لم تنفجر لتصنيع عبوات ناسفة.

وها هي عمليات الاغتيال الإسرائيلية على مدي العقود الماضية طالت القائد ياسر النمروطي عام 1992، وعماد عقل عام 1993 ويحيى عياش 1996 وكذلك جمال منصور وجمال سليم ومحمود أبو هنود 2001، ومهند الطاهر وصلاح شحادة 2002 وإبراهيم المقادمة واسماعيل أبو شنب وعبد الله القواسمي 2003، والشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وعدنان الغول وإحسان شواهنة وعز الدين الشيخ خليل وعماد عباس وسعد العرابيد 2004 ..

ثم نزار ريان وأبو زكريا الجمال وسعيد صيام 2009، ومحمود المبحوح وعيسى عبد الهادي البطران وإياد شلبايه ونشأت الكرمي 2010، وتيسير أبو سنينه 2011 وأحمد الجعبري 2012 ورائد العطار ومحمد أبو شماله ومحمد برهوم 2014، ومحمد الزواوي 2016 ومازن محمد فقهاء 2017 والمهندس فادي البطش 2018 وجمال الزبدة 2021، وذلك بخلاف محاولات الاغتيال التي طالت قادة آخرين نجوا منها، وهو ما يشير إلى استمرار النضال رغم ارتقاء الشهداء بشكل مستمر.

 تكرار عمليات الاغتيال لباقي الفصائل

وإذا كان هؤلاء القادة قد لقوا ربهم إثر عمليات اغتيال إسرائيلية، فقد رافقها في نفس الوقت استشهاد عشرات المقاومين الذين قاموا بعمليات استشهادية منذ عام 1989 وما قبلها وحتى 2016 مما أسفر عن مقتل أكثر من 800 إسرائيلي في أماكن مختلفة من فلسطين المحتلة.

وما حدث مع قادة حماس من عمليات اغتيال للقادة حدث مع قادة سرايا القدس التنظيم العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومع قادة كتائب شهداء الأقصى والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولجان المقاومة الشعبية، ومع ذلك استمرت هي الأخرى في النضال.

واستمرت عمليات اغتيال قادة حماس ومحاولات اغتيالهم بعد عملية طوفان الأقصى، التي شملت أيضا: صالح العاروري وأيمن نوفل وأحمد بحر وأحمد الغندور وجميلة الشنطي وفائق المبحوح وأسامه المزيني وزكريا أبو معمر، وجواد أبو شماله وأيمن صيام ووائل رجب ورأفت سليمان وأخيرا اسماعيل هنية.

هذا يؤكد ما قاله سامي أبو زهري رئيس الدائرة السياسية لحماس في الخارج إن حماس فكرة ومؤسسة وليست أشخاصا، ولهذا ستمضي على هذا الدرب مهما بلغت التضحيات وهي واثقة من النصر.

ولأن فلسطين ولّادة فسوف يظهر علي الساحة قادة جدد يواصلون مسيرة الجهاد لتحقيق هدف التحرير لأرضهم، مثلما حدث بعد اغتيال الرواد أحمد ياسين والرنتيسي وصلاح شحادة وغيرهم، إذ زادت خبراتهم القتالية وثقتهم بأنفسهم خلال تصديهم للعدو طوال الشهور العشرة الماضية. ورغم الخذلان الذي تعرضوا له من جانب حكام الدول العربية والإسلامية لكنه مع ذلك عزز زاد من اعتمادهم علي أنفسهم، يرافقهم صمود أسطوري من قبل سكان غزة الذين تحملوا ما لا يتحمله بشر من حصار وتجويع ونقص دواء وعلاج ووقود ومواصلات وكهرباء وسكن ومياه .

3 أغسطس يوم التضامن مع غزة

وما يطمئننا علي المقاومة تلك الاحترافية العالية التي تمت بها عملية طوفان الأقصى، سواء من حيث التخطيط والتنفيذ والتمويه والنتائج الضخمة من حيث عدد القتلى والأسرى في صفوف العدو، واحتفاظهم بكل هذا العدد الكبير من الأسري رغم العمليات الاستخبارية التي شاركت فيها قوات دول كبرى، وكذلك الصمود طوال عشرة أشهر لم تتوقف خلالها الآلة العسكرية الإسرائيلية عن قصف غزة، والغزو البري لها مدعومة بالعتاد العسكري من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول، وكذلك صمودهم خلال عمليات التفاوض لتبادل الأسري رغم ما تم من ضغوط عليهم من قبل أطراف عربية.

كما كبدوا العدو الكثير من الخسائر بالأفراد والمعدات في عمليات تم تصويرها على الطبيعة، مما أدى إلى عدم رغبة الكثير من جنود الاحتياط الإسرائيلي في العودة للقتال مجددا لغزة، وحتى شاهدنا رئيس وزراء حكومة الاحتلال نتنياهم بالكونغرس يتعجل إمداده بالمزيد من السلاح الأمريكي رغم ضخامة ما حصل عليه من أموال وعتاد.

ورغم أن عملية اغتيال اسماعيل هنية قد كشفت عن استمرار المواقف المتخاذلة لحكام الدول العربية، واستمرار تحريكهم للذباب الإلكتروني ووسائل اعلامهم للطعن في المقاومة، والصمت والانحياز الغربي لإسرائيل رغم تكرار جرائمها، فمن لم يتحرك مع استشهاد آلاف الأطفال والنساء والشيوخ طوال عشرة أشهر، لا يُرجي منه أن يتحرك مع اغتيال قائد فلسطيني.

إلا أن استشهاد هنية قد كشف عن مشاعر فياضة من قبل غالبية الشعوب العربية والإسلامية تجاه القضية الفلسطينية، سواء من خلال التظاهرات التي شهدتها عواصم مثل عمان وصنعاء والرباط وإسطنبول وطهران والضفة وغيرها، أو المشاعر الحزينة والإحساس بالمهانة والدعاء للشهداء بالرحمة، وصلاة الغائب عليهم في باكستان وإسطنبول وغيرهما، أو الإصرار على الاستمرار في مقاطعة سلع الدول والشركات الداعمة لإسرائيل.

ليصبح الوفاء لإسماعيل هنية هو السير على الدرب الذي سار عليه خلفا لمن سبقوه بالشهادة، والاستجابة لدعوته قبل أيام قليلة بجعل يوم الثالث من أغسطس/آب الحالي يوما وطنيا وعالميا لنصرة غزة والأسري، وحراكا متواصلا حتى وقف الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وفضح جرائم الاحتلال الوحشية والقتل البطيء الذي يمارسه العدو ضد الأسري الفلسطينيين، بسجون الاحتلال وحرمانهم من الغذاء والعلاج والدواء، وكي يتحول استشهاد هنية الي دافع لتوحيد الصف الفلسطيني، ووسيلة للحشد للتضامن مع فلسطين الشعب والقضية والنضال.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان