هل تآمرت إيران على “إسماعيل هنية” وباعته لإسرائيل؟

الشهيد إسماعيل هنية في لقاء مع المرشد الأعلى لإيران على خامئني في 30 يوليو (غيتي)

أثار اغتيال دولة الاحتلال للمجاهد إسماعيل هنية (أبو العبد) رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بقصف صاروخي لمقر إقامته في طهران (فجر الأربعاء) بركانا من “الغضب” اجتاح الشعوب العربية جمعاء، بما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بمئات الآلاف من التدوينات الغاضبة؛ المُعبرة عن الحُزن لهذا المصاب الجلل، والتضامن مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الصلبة، وتنديدا بالإجرام الصهيوني الذي فاق كل الحدود.

وفيما لم تجف دماء الشهيد أبا العبد وحارسه الشخصي المُرافق له، حتى ظهرت آلاف التدوينات -المثيرة للنفور والاشمئزاز على موقعي X (تويتر سابقا) وفيس بوك- التي تتهم إيران بأنها ضالعة في التآمر على حياة “هنية”، وأنها باعته لإسرائيل لشراء الرضا الأمريكي.

هذه التدوينات تبدو نتاجا لجهد ميليشيات أو لجان إليكترونية عربية تحركها أيادٍ أو أهواء صهيونية دأبت على شيطنة “المقاومة الفلسطينية الباسلة، الصامدة”.. في مواجهة “حرب صليبية” غربية إسرائيلية، بشعة، على الشعب الفلسطيني.

العداء لإيران

هل يستقيم مثل هذا الاتهام لإيران بالضلوع في عملية اغتيال “ضيف بحجم ووزن المُجاهد الشهيد إسماعيل هنية” على أراضيها؟!

هل هناك منطق أو سند لمثل هذا العبث بالعقول؟

ولماذا يجد من يُصدقه بين بني جلدتنا؟

لا جدال أن أمريكا، ودولة الاحتلال يناصبان الجمهورية الإيرانية “عداءً” واضحًا قاطعًا ومُعلن منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران (1979م)..

فهذه الثورة خلعت شاه إيران السابق الإمبراطور محمد رضا بهلوي وأنهت حكم عائلته، الموالية لـ “أمريكا، وإسرائيل”. معلوم بالضرورة، أنهما ومعهما الغرب الأوروبي يتمنون إزالة “إيران” من على الخريطة، لو كان بوسعهم هذا، دون خسائر موجعة، لكن ليس كل ما تتمناه إسرائيل ورُعاتها، ينالونه. فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست هينة، وهي الداعم الأول والأكبر لجماعات وحركات المقاومة العربية (الفلسطينية، واللبنانية، واليمنية والعراقية)، بكافة سُبل الدعم، فكيف لعاقل تصديق مثل هذا الكلام الاتهام المهترئ؟

“الدعم الإيراني” لحركات المقاومة العربية هادف للإبقاء على قضية فلسطين حية في ظل تخاذل عربي، يكتفي بالمشاهدة والصمت وبيانات لا تقدم ولا تؤخر.

كما يساعد المقاومة على الصمود في وجه المُخططات الصهيونية الرامية إلى ابتلاع فلسطين ومحوها من عقول الشعوب العربية ووجدانها. فـ “العقل العربي” تتكالب عليه الضربات سواء بإهمال التعليم تماما أو من خلال “المناهج الدراسية” التي تروج لما يُسمى اعتدالا، والساعية لصناعة “عقول” مُسطحة، رافضة للفكر النقدي. عقول يتم ترويضها باستمرار، للقبول بالذُل والمهانة، والغرام بالصهاينة تحت دعاوي “التطبيع، والتعايش السلمي” تجاهلا لكون هذا التعايش لا يكون إلا بين أنداد، وليس بين احتلال غاصب للأرض والحقوق، وأصحاب الأرض الأصليين.

السائرون نياما.. والآراء المُعلبة

فكرة الترويج لضلوع إيران في اغتيال هنية، تجد قبولا وتصديقا، من أمثال هذه “العقول”، الناشئة تعليميا بالمناهج الرديئة التي نتحدث عنها ليسهل استغلالها، وتوظيفها، وتحويل أصحابها إلى بشر، مثل السائرين نياما. من ثم، يسهل إقناعهم، وفقا لنظرية المؤامرة، بمثل هذه الفكرة السخيفة، على حياة ضيفها هنية.

مؤسف، أن “وسائل التواصل الاجتماعي” رغم دورها المُهم كإعلام بديل في الدول الدكتاتورية، إلا إنها تُسهم في اقتياد الكثيرين من روادها العرب للآراء المعلبة، أمثال هذا الاتهام الشاذ لإيران. ومُثير للحزن، استثمار هذه اللجان الإليكترونية، لاختلاف المذاهب من شيعة (إيران)، وسُنة (غالبية العرب) لنشر الكراهية، والفُرقة، بين الشعوب الإسلامية، بإيقاظ النعرات المذهبية، والطائفية، لخدمة الاحتلال الصهيوني والغرب، وأهدافهم باستئصال القضية الفلسطينية.

هذا الاتهام الساذج لإيران، يتنافر مع الخُلق الإسلامي، الذي يوجب على المُضيف إكرام ضيفه وتأمينه مثلما يُناقض، ويُخاصم فكرة السيادة، فليس هناك دولة في العالم، تقبل عدوانا على سيادتها، لتصفية ضيف مُهم، ووازن بحجم الشهيد هنية.. فما بالنا بدولة قوية مثل إيران؟

“أبا العبد”، قام بجولة ميدانية في طهران، والتقى بالناس في الشارع، وزار بعض الأماكن، فهو لم يكن مُختبئا، أو يتحرك في سرية، فالرجل مشروع شهيد، لا يخشى الموت، إيمانا بأن الأجل مكتوب، ومحسوب. كذلك، هو قيادة سياسية تقود مفاوضات صفقة تبادل الأسرى المُتعثرة بفعل الصلف الصهيوني، وتعنت الفاشل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.. وليس من المُتصور تصفيته. فلم يحدث، من قبل، أن قام مفاوض (إسرائيل في حالتنا)، بقتل الطرف الآخر المفاوض (هنية)، وهو ما أثار استهجان، الوسيط القطري، وغضبه.

 الاغتيالات.. وإفراز البدائل

هذا لا يُعفي إيران، من مراجعة إجراءاتها الأمنية والبحث فيما إذا كان هناك اختراقات أمنية إسرائيلية، وعملاء أو جواسيس على الأرض، فهذه أمور واردة، ومُسيئة لـ “إيران”، التي يتربص بها الغرب، وإسرائيل معا.
فقد جرى، منذ سنوات، اغتيال أكبر علمائها في مجال الأبحاث النووية، واختراق منشأة نووية. وكان من الحكمة، اتخاذ أقصى إجراءات التأمين للضيف الكبير هنية. “دولة الاحتلال”، تتبنى سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة (الفلسطينية، وبعدها اللبنانية)، منهجا، منذ ما قبل قيامها، وتستبيح لنفسها استهدافهم، أينما كانوا.. دون لجم من مواثيق دولية، أو احترام لسيادة الدول. أمثلة، “الاغتيالات”، لقادة المقاومة الفلسطينية، لا يتسع لها المُقام.. لكنها لم تفلح في إخماد جذوة “المقاومة”، أو إرغامها على الاستسلام، ولم تصنع فراغا قياديا.. فالبدائل جاهزة ويتم إعدادها مسبقا، وتصعيدها فوريًا، بشكل مؤسسي، لخلافة الذين ارتقوا شهداء. كما أن الخلف من القادة، لا يقل، عن السلف، صمودًا، وإيمانا، وعقيدة، وتمسكا بالنضال ضد الاحتلال.

للتذكير، فإيران اتهمت إسرائيل، “رسميا”، باغتيال هنية، وتوعدتها بالرد على لسان المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، شخصيا. بئس الصهاينة العرب، وما يروجونه من أراجيف، بتآمر إيران، مع إسرائيل، لتصفية أبا العبد.

هنيئا للمناضل إسماعيل هنية، الشهادة.. إلى جنة الخُلد مع الشُهداء، والصديقين.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان