ربيع بنغلاديش يغازل خريف العرب

جدارية لرئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة وقد خرّبها المتظاهرون (رويترز)

في إطار الانتكاسة الثقافية والتعليمية الحاصلة في العالم العربي، يمكن التأكيد أن معظم الشباب العربي لا يعرف أين تقع بنغلاديش، أو جمهورية بنغلاديش الشعبية، ولا قصة استقلالها عن باكستان، ولا علاقة الدعم الهندية -في مواجهة باكستان- لتلك الدولة البالغ عدد سكانها نحو 170 مليون نسمة، (الدولة السابعة في العالم من حيث عدد السكان)، ذلك أن أحداثها الطبيعية لم تتصدر نشرات الأخبار العربية ذات يوم، ما دام الإعلام الغربي لا يعيرها الاهتمام، كما لم نلحظ زيارات مسؤولين عرب إليها أو العكس، على الرغم من أن 90% من سكانها مسلمون.

الغريب في الأمر، هو أن أنظار العرب، خصوصًا الشباب، اتجهت فجأة صوب بنغلاديش، أخبار بنغلاديش، تطورات الأحداث هناك، بمجرد هروب رئيسة الوزراء حسينة واجد إلى الهند، في أعقاب شهر من المظاهرات التي أسفرت عن وقوع نحو 300 قتيل، منهم 97 قتيلًا في اليوم الأخير فقط، الذي هربت فيه رئيسة الوزراء، وأعلن وقر الزمان قائد الجيش استقالتها، في محاولة لسد الطريق على ما يمكن أن يراه البعض انقلابًا، خصوصًا أنها غادرت البلاد بطائرة “هيلوكوبتر” عسكرية.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

من المهم جدًا التوقف أمام هذا الاهتمام الشبابي العربي، لما يمكن اعتباره “ربيع بنغلاديش” الذي حدث نتيجة ضغوط شعبية، طلابية بالدرجة الأولى، بلغت حد الدعوة إلى عصيان مدني، وتطور إلى الحد الذي نهب فيه المتظاهرون “أثاث” مقرات رئاسة الوزراء والبرلمان، وغيرها من المؤسسات الحكومية، بمجرد الإعلان عن مغادرة رئيسة الوزراء البلاد، في دلالة على الفقر والبؤس من جهة، والقهر والظلم من جهة أخرى، ذلك أن 2400 شخص كانوا ينتظرون تنفيذ أحكام في حقهم بالإعدام، بخلاف عشرات الآلاف في السجون، من بينهم 10 آلاف تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات الأخيرة فقط.

اهتمام الشارع العربي

وإذا وضعنا في الاعتبار حالتي القهر والظلم، إلى جانب 20% من السكان تحت خط الفقر، نحن إذن أمام حالة مؤهلة لكل التوقعات، التي يمكن أن يفرزها الشارع، تحت أي من المسميات، ربيعًا كانت أو خريفًا، بيضاء كانت أو دموية، عسكرية كانت أو مدنية، ذلك أن الاحتقان أصبح سيد الموقف، بالقدر الذي لم يعد فيه المتظاهرون يأبهون للسجن أو القتل، في وجود حملات إعدام ممنهجة، طالت فيما قبل العديد من رجال الدين بشكل خاص، والمثقفين والشباب والقيادات السياسية، من بينهم وزراء سابقون، بلغت عام 2013 وحده نحو 1000 شخص، وسط صمت عالمي منقطع النظير، ما دامت بنغلاديش ليست دولة نفطية يمكن ابتزازها، أو ذات جغرافيا متميزة يمكن مقايضتها.

نزول المتظاهرين بهذه الأعداد الغفيرة إلى الشوارع في عاصمة بنغلاديش دكا، كان في حد ذاته دافعًا للمتابعة العربية، خصوصًا في بلدان الخريف، التي كانت تعرف قبل أكثر من 10 سنوات بدول الربيع العربي، ثم كان تصدر طلاب بنغلاديش للأحداث في حد ذاته دافعًا لمزيد من الاهتمام، ثم جاءت عملية خلع رئيسة الوزراء وهروبها لتلقى حالة من البهجة على “السوشيال ميديا”، رغم عدم الوقوف على تفاصيل الأوضاع هناك، وإلى أي مدى كانت الديكتاتورية، أو المعتقلات والسجون، أو الاضطهاد والتنكيل، وهي الأنباء التي تظل في معظمها غامضة، لا يتم كشف النقاب عنها إلا بزوال الحالة، وكان من الطبيعي، أن تكون أول قرارات رئيس الجمهورية هناك، محمد شهاب الدين، الإفراج عن المسجونين والمعتقلين تباعًا، وفي مقدمتهم رئيسة الوزراء السابقة، خالدة ضياء، التي كانت قيد الإقامة الجبرية.

في العادة، وفي مثل هذه الحالات، يتحول الشارع العربي، كما وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مجموعات من المحللين والمنظرين، بين من يرون أن كرة الثلج سوف تتدحرج، وأن الربيع الجديد يمكن أن يبدأ من بنغلاديش، والبعض الآخر يرى أنها فرصة كي تعيد الأنظمة الديكتاتورية حساباتها، في ضوء عملية السقوط والهروب التي نحن بصددها، وتنفتح على حالة جديدة من العدالة والشفافية والمساواة، والبعض الثالث يرى على العكس تمامًا، أن الأنظمة الديكتاتورية في مثل هذه الحالات، تزيد من قبضتها الحديدية، وتعمل على سد الثغرات التي نفذ منها المتظاهرون في هذه الدولة أو تلك، خصوصًا أنه بدا واضحًا أن التنسيق الأمني بين الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة، هو الأقوى بين مجالات التعاون كلها.

التندر ببيانات الجيش

الغريب في الأمر، أن الإعلام العربي في معظمه، أي في دول الخريف، أصبح يتعامل مع مثل تلك الأحداث، المتمثلة في غضب الشارع، أي شارع، باعتبارها أحداثًا مزعجة، ينبغي التعامل معها بحذر، وقد لا يتم الإشارة إليها من قريب أو بعيد، سواء في الصحافة أو التليفزيون، إلى أن تصدر تعليمات رسمية في هذا الشأن، باعتبارها وقودًا غير مباشر للنار الكامنة هنا وهناك، أو على أقل تقدير تحيي الأمل لدى قطاعات المقهورين والفقراء، والمهتمين بالشأن السياسي في الوقت نفسه، وهو ما كان واضحًا بالفعل في التناول الإعلامي العربي للأحداث.

الأكثر إثارة “للسوشيال ميديا” العربية في أحداث بنغلاديش، هو بيانات أو تصريحات قائد الجيش، التي دأبت منذ اللحظة الأولى تناشد مواطني بنغلاديش على الوثوق بالقوات المسلحة، وأنها سوف تعمل لما فيه الصالح العام للبلاد والعباد، وأن الجيش حريص على الاستقرار والأمن والأمان، وأنه غير طامع في السلطة، إلى غير ذلك من البيانات، التي قوبلت، في الشارع العربي، بسخرية واسعة النطاق، لأسباب معلومة بالتأكيد، ذلك أن المواطن العربي في التعليقات، أشار إلى أنه سمع مثل هذه التصريحات والبيانات من قبل، وأن التاريخ يعيد نفسه، لكن في جنوب آسيا هذه المرة.

على أية حال، يعد اقتصاد بنغلاديش واحدًا من أسرع الاقتصاديات نموًا في العالم (7،2؜%؜) بتقديرات عام 2022، ويعد ثاني أكبر اقتصاد في جنوب آسيا، ويحتل المرتبة 35 عالميًا من حيث القيمة الاسمية، و25 عالميًا من حيث تعادل القوة الشرائية، وصادرات سنوية 52,8 تريليون دولار، إلا أن ذلك كله لم يشفع لنظام حسينة واجد، فقد كان واقع القهر السياسي من جهة، ووقوع خمس عدد السكان تحت خط الفقر من جهة أخرى، مبررًا كافيًا للثورة على قيادة حكمت البلاد أكثر من 20 عامًا، بلغت من العمر 77 عامًا، وهو ما دفع الشارع العربي إلى عقد المقارنات على المستويات كلها، خصوصًا ما يتعلق منها بسيكولوجية المواطن هنا وهناك، أو بمعنى أدق، نخوة المواطن هنا وهناك.

 

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان