مجازر أبشع.. فماذا نحن فاعلون؟
لا جدوى من مزيد بيانات واجتماعات عربية رسمية تشجب وتدين، وتظل تدين وتشجب، ثم تتراكم أكداس أوراق مهملة.
وأي معنى لقرارات دولية أخرى تدعو إلى وقف النار في غزة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، دون إرادة للتنفيذ.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsتونس.. أن تصنع الوحش وتنتظر رحمته
هل أخطأ شيخ الأزهر حين قال: المفاضلة بين الأديان متروك لله؟!
ماذا لو فازت كامالا هاريس؟
وهل هناك جدوى لصراخ الصدمة مع كل مجزرة أبشع وأكثر بشاعة، والبكاء والعويل، وسكب مياه العواطف وعبارات البلاغة وسحر البيان باللغة العربية وبكل لغات العالم فوق نفوس تشتعل غضبا.. وهكذا بلانهاية؟.
لغو فائض
وميزان قوى مختل
بالفعل لا جدوى لكل هذا اللغو الفائض الزائد عن الحاجة، لأن ميزان القوى مختل بين المقاوم الفلسطيني وبين الصهيوني العنصري المحتل.
وهذا الاختلال تظل تغذيه، دون اعتراض أو تحد مؤثر فاعل، شحنات سلاح الإبادة الأمريكية والأوروبية الأكثر تقدما وفتكا، وفي المقابل منع أبسط سلاح ودعم عن المقاومة الفلسطينية المشروعة للاحتلال.
ورحم الله، ما كان خلال عقد الثمانينيات، حين تجند قادة دول عربية وإسلامية حلفاء لواشنطن مع وسائل إعلامهم وإسلاميين وغيرهم، بالدعوات والأفعال العلنية لتسليح “المجاهدين الأفغان” على بعد آلاف الأميال. بل وأيضا بمدهم بالمقاتلين المتطوعين المحترفين، بما في ذلك ضباط جيوش نظامية.
وليس بخاف أن الاختلال يتأسس أيضا على القبول منذ نهاية التسعينيات باحتكار إسرائيل للسلاح النووي بالشرق الأوسط، وبتفوقها في السلاح التقليدي على جيوش دول المنطقة مجتمعة.
لذا ليس بالمفاجأة أن تحصي مواقع تقدمية أمريكية، مناهضة للصهيونية وللسياسة الاستعمارية لواشنطن، نحو 51 ألف شهيد فلسطيني، بينهم نحو 19 ألف طفل، بالضفة الغربية وقطاع غزة منذ 29 سبتمبر/أيلول 2000 مع سقوط أوهام “أوسلو”، وذلك مقابل سقوط 2832 إسرائيليا، بينهم 179 طفلا فقط.
نظام عربي
مات منذ زمان
لا يقلل عاقل صاحب ضمير من شأن كل فعل مقاوم، ولا يهون من بطولات المقاومين المجاهدين على الأرض في غزة والضفة بسلاحهم المتواضع، ولا من صمود الشعب الفلسطيني في وجه الحصار والمجاعة والإبادة، وظلم ذوي القربى وتنكرهم، ولا من شأن كل موقف ومبادرة وتحرك ومظاهرة مع فلسطين، وبخاصة خارج مجتمعاتنا المنكوبة بطول القمع والاستبداد والفساد، مع إهدار المواطنة ومصادرة الحريات والحقوق.
لكن علينا الاعتراف، بعد ما يزيد على عشرة أشهر من هذا القتل الجماعي الوحشي اليومي، وعلى الهواء مباشرة بالصوت والصورة والدم والألم والدمار، بهذه الحقائق:
ـ نعم.. المقاومة بالسلاح وبالصمود الأهلي في غزة صامدة، وتسجل ملاحمها البطولية بلا توقف، لكنها لا تستطيع حماية البشر والحجر من الإبادة المستمرة.
ـ نعم.. ثمة مكاسب دبلوماسية من إدانات دولية غير مسبوقة لإسرائيل والصهيونية، مع اعتراف دول أوروبية متزايد بحق الفلسطينيين في “الدولة”. لكن تظل هذه الدبلوماسية عاجزة عن التأثير فيما يجري على الأرض بغزة والضفة، وإزاء الاغتيالات حتى خارجها.
ـ نعم.. تفاقم انكشاف سقوط النظام الرسمي العربي إزاء التحدي الوجودي الأخطر، وفي ظل بقاء بنيته المتخلفة غير الديمقراطية والقمعية المعادية للمواطنة والحقوق والحريات. وهو بالأساس قد “مات وشبع موتًا من زمان”، لكننا لم نشهد بعد نتائج حاسمة ضد هذا الانكشاف المتكرر، الفائق الخطورة هذه المرة.
وحتى اليوم لم يتوفر الضغط الشعبي الكافي القادر، ومن خارج النظام الرسمي العربي، لدفعه ولو لاتخاذ خطوات “أضعف الإيمان”، من قبيل قطع العلاقات مع تل أبيب وواشنطن والعواصم الشريكة في الإبادة بالسلاح والاقتصاد والسياسة.
حظر جوي فوق غزة
مرة أخرى..
من صدق المصارحة اليوم القول بأن وقف الإبادة الجارية كان يتطلب من اليوم الأول تدخلا عسكريا أو التلويح به، ولو بصيغة “الإنذار” واستعراض القوة حول فلسطين في وجه إسرائيل، مع تحدي داعميها، وبخاصة الولايات المتحدة.
ولعل تقاعس الصين وروسيا عن إبداء هذه الجدية اللازمة لوقف حرب الإبادة، وفرض وقف إطلاق نار مستقر معزز بالقرارات الدولية والقانون الإنساني، ينسف كل الرطانة البلاغية عن بلوغ “التعددية القطبية”، وصولا إلى أوهامها انطلاقا هذه المرة من الحرب الروسية غير العادلة ضد أوكرانيا.
وإذا ما هبطنا درجة في الإجابة عن السؤال: فماذا أنتم ونحن فاعلون؟ سنعثر تحت ركام كلمات البيانات وقرارات الدبلوماسيات غير المجدية، على خيار “فرض حظر جوي فوق قطاع غزة” لحماية المدنيين ومرافق الأمم المتحدة و”الأونروا”، وكافة هيئات الإغاثة الإنسانية من حرب الإبادة.
ومن المعلوم أن هناك سوابق لهذا الإجراء، ومنذ بداية التسعينيات في العراق والبوسنة وليبيا، وجميعها خارج الإجماع الدولي ومجلس الأمن.
بل وحتى جامعة الدول العربية اتخذ وزراء خارجيتها يوم 13 مارس/آذار 2011 قرارا بالتوجه إلى مجلس الأمن بهذا الطلب، في مواجهة عدوان سابق على غزة لا يقارن خطورة واستمرارية بحرب الإبادة الجارية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وهذا قد كان، ولمرة واحدة لكن دون متابعة، عندما أفاق النظام الرسمي العربي للحظات على نسمات الانتفاضات والثورات المواطنية العربية، أو لمجاراة متغيرات في واقعنا كانت منبئة بالتغيير سرعان ما تبددت.
ومع هذا، فالدعوة إلى فرض حظر جوي لحماية غزة جاءت بالفعل واضحة جلية باللغة الإنجليزية يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في بيان “لمجلس السلم بالولايات المتحدة”، وعالجها كاتب المقال هنا في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 تحت عنوان: “حظر جوي ولو بشرف المطالبة والمحاولة”.
وبعد مجزرة المدنيين العزل النازحين/ اللاجئين خلال صلاة الفجر بمدينة غزة، نعود لتتبع هذه الدعوة، ولو عبر شبكة الإنترنت الدولية. ونلاحظ أنها ظلت مطروحة باللغة الإنجليزية، ومهجورة تماما أو تكاد باللغة العربية!
وهو أمر لا يخلو بدوره من دلالة على انتشار العطب، أو على الأقل اللامبالاة، كالعدوى من النظام الرسمي العربي إلى “المجتمع المدني” المقموع والمحاصر والمريض ببلداننا، والمنهك بالملاحقات الأمنية مع انحسار الربيع العربي. وهكذا لا نجد تقريبا عندنا من يتلقف الفكرة، ويشتغل عليها، ويطلق المبادرات الواجبة لترويجها ودعمها.
ولذا نتساءل: هل قامت منظمات غير حكومية عندنا مثل المنظمتين “العربية لحقوق الإنسان” و”التضامن الأفروآسيوي”، والأخيرة لها صلة واتصالات تاريخية قبل نحو نصف قرن بمجلس السلم العالمي، بالبناء على مبادرة دعاة السلام الأمريكيين أعضاء المجلس؟ وإن لم يحدث ذلك، فلماذا؟
من يبحث باللغة الإنجليزية يجد حضورا أوفر لطلب هذا الحظر. وعلى سبيل المثال يوثق موقع أمريكي يساري مستقل يدعى “مينت برس” في 12 فبراير/شباط أيضا دعوة الكاتب داعية السلام ميكو بيليد المولود في القدس المحتلة، الذي غادر الصهيونية وإسرائيل إلى الولايات المتحدة.
كما أن هناك، بالإنجليزية، حملات توقيع على طلب الحظر الجوي لحماية غزة، ومن بينها ما بادر به الأمريكي ريك موسليت. ويوثق لحملة الالتماس هذه الموقع الإلكتروني لمنظمة “منصة العالم من أجل التغيير”.
فماذا نحن فاعلون؟