سلاح الاغتيالات بين المقاومة والاحتلال

احتاجات على اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في إندونسيا (الأناضول)

لم يكن إسماعيل هنية أول قائد فلسطيني تغتاله إسرائيل، وقد لا يكون آخرهم، سبقه قائده مؤسس حماس نفسها الشيخ أحمد ياسين، ورفقاء درب كثيرون في قيادة حماس السياسية والعسكرية، وسبقه قائد ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي، ورئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، والرجل الثاني في حركة فتح أبو جهاد (خليل الوزير)، بل إن ياسر عرفات رئيس فتح ورئيس منظمة التحرير ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مات بطريقة مشكوك فيها حتى الآن.

بعيدا عمن قتلتهم القوات الإسرائيلية في عمليات عسكرية مباشرة، فقد كانت غالبية عمليات القتل من تنفيذ جهاز الموساد الإسرائيلي في الخارج، والشاباك داخل الأرض المحتلة، وكان الكثير من تلك العمليات يعتمد على معلومات من خونة فلسطينيين، أو غير فلسطينيين في الأقطار التي وقعت فيها وآخرها إيران.

يمكننا أن نذكر عشرات الشخصيات الفلسطينية وغير الفلسطينية التي اغتالتها المخابرات الإسرائيلية سواء داخل الأرض المحتلة أو خارجها، وهو ما يحاول الكيان تسويقه دوما باعتباره قدرات عالية على الوصول إلى هذه الأهداف الكبرى، وقتلها في غرف نومها أو مكاتب عملها إلخ.

عمليات ذكية للمقاومة

الحقيقة أن المقاومة الفلسطينية نجحت بدورها ومنذ وقت مبكر في استخدام سلاح الاغتيالات ضد المسؤولين الإسرائيليين السياسيين والعسكريين أيضا، مستخدمة حرب العقول والمعلومات، ونجحت من خلالها في الوصول إلى أهداف كبرى، ربما نسيها الناس مع طول الزمن، ولذا فإننا نذكر ببعض منها.

لنبدأ بعملية ميونخ التي وقعت يوم 5 سبتمبر أيلول 1972 ، والتي نفذتها منظمة أيلول الأسود الفلسطينية، وقتلت خلالها 11 رياضيا إسرائيليا من المشاركين في دورة الألعاب الأولمبية، كانت عملية معقدة جدا، حيث تسلق 8 مسلحين فلسطينيين السياج المحيط بالقرية الأولمبية في ميونيخ متنكرون في زي رياضي، وباستخدام مفاتيح مسروقة، شقوا طريقهم إلى مقر سكن الفريق الأولمبي الإسرائيلي، ووصلوا إلى غرفهم، وحسب دائرة المعارف البريطانية فقد كان لدى تنظيم أيلول الأسود خطط مفصلة للقرية الأولمبية وتوزيع الرياضيين الإسرائيليين، وقتل الكوماندورز الفلسطينيون في البداية اثنين فقط من الرياضيين الإسرائيليين، ونجح في اختطاف 9 آخرين، مطالبا بمبادلتهم بمئات الأسرى الفلسطينيين، وقد حاولت القوات الخاصة الألمانية والإسرائيلية إنقاذ المختطفين، لكنها فشلت في النهاية.

العملية الثانية هي اقتحام مطار اللد (مطار بن جوريون الدولي) في عملية مشتركة بين الجبهة الشعبية والجيش الأحمر الياباني في 30 مايو /أيار 1972، وتم قتل 26 وإصابة 80 آخرين، لم يكن دخول المطار، وقتل هذا العدد عملا سهلا، حيث وصل المهاجمون على متن رحلة للخطوط الفرنسية، وعندما دخلوا منطقة الانتظار أطلقوا النار فقتلوا هذا العدد وكان من بين القتلى العالم الإسرائيلي البارز أهارون كاتسير الذي سبق له الترشح لرئاسة إسرائيل.

اغتيال وزير إسرائيلي

نقفز معكم إلى العام 2001، وفي السابع عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول حيث تم اغتيال رحبعام زئيفي وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق انتقاما لاغتيال زعيم الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى قبل شهرين من ذلك التاريخ.

كانت أيضا عملية معقدة جرت وقائعها في فندق ريجنسي حيث كان يقيم الوزير الإسرائيلي، لاحظ أن معرفة تنقل الوزراء وإقامتهم ليست أمرا سهلا، دخل المسلحون الثلاثة بجوازات سفر مزورة، وحجزوا غرفة مجاورة لزئيفي، وانتظروا لحظة خروجه وتم قتله، وتمكن الثلاثة من الهرب، حتى اعتقلتهم أجهزة السلطة الفلسطينية، ومن ثم تم نقلهم إلى سجن أريحا الإسرائيلي.

عملية الخالصة هي عملية فدائية أخرى نفذتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة في فلسطين في 4 نوفمبر تشرين الثاني 1974، حيث اقتحمت مجموعة من مقاتليها مستعمرة كريات شمونة بالقرب من قرية الخالصة الفلسطينية، وسيطرت على مدرسة وبناية، واحتجزت عدداً من الرهائن الإسرائيليين، وبعد اشتباك مع القوات الإسرائيلية تم تفجير المبنى وقتل 19 رهينة وإصابة 15 آخرين، مع استشهاد الفدائيين الثلاثة.

في عملية فدائية أخرى (عملية سافوي) والتي قامت بها حركة فتح في العمق الإسرائيلي متجاوزة التحصينات الكبيرة يوم 6 مارس أذار 1975، حيث وصلت فرقة كوماندوز فلسطينية من 8 أشخاص عبر البحر وصولا إلى فندق سافوي في تل أبيب، قرب هيئة الأركان الإسرائيلية، وقتلت خلالها مائة إسرائيلي بين عسكريين ومدنيين.

وفي عملية بيسان التي وقعت في 19نوفمبر 1974وصل ثلاثة فدائيين من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى مدينة بييسان، واقتحموا مبنى يقطنه ضباط من الاستخبارات الإسرائيلية مع عائلاتهم في مدينة بيسان، واحتجزت من فيه رهائن، مطالبين بإطلاق سراح أسرى من السجون الإسرائيلية، وبعد مواجهة مسلحة انتهت العملية بمقتل ٣ من ضباط الاحتلال وإصابة ١٩ آخرين، واستشهاد الفدائيين الثلاثة.

العمليات الاستشهادية

عملية كمال عدوان، والتي تعرف إسرائيليا باسم مجزرة الطريق الساحلي، هي عملية اختطاف قام بها فدائيون من حركة فتح بقيادة المناضلة دلال المغربي في 11 مارس 1978 حيث انطلق المقاتلون في سفينة من لبنان تحمل زورقين مطاطيين. واستقلوهما وصولا إلى ساحل حيفا، واستغرق إبحار المجموعة أكثر من 48 ساعة، وبعد هبوطهم على الساحل أوقفوا سيارة صحفية أمريكية تصادف مرورها، ثم أوقفوا حافلتين، احتجزوا جميع الركاب كرهائن، ثم انطلقوا باتجاه تل أبيب، وتمكنوا من تجاوز الحواجز العسكرية بعد اشتباكات مع قوات الاحتلال، وعند الاقتراب من تل أبيب تمكن الجيش الإسرائيلي من تفجير إطارات الحافلة، وأسفرت الاشتباكات بين الطرفين عن مقتل 37 إسرائيليا وتسعة فلسطينيين وإصابة آخرين.

حين دخلت حركة حماس ساحة المقاومة حددت مجال عملها بالداخل الفلسطيني فقط، رافضة تنفيذ عمليات خارج أرض فلسطين تجنبا للدخول في صدامات مع حكومات أخرى، لكنها تميزت ومن قبلها حركة الجهاد الإسلامي بالعمليات الاستشهادية التي قتلت عشرات بل مئات الإسرائيليين، قبل أن تدخل في مواجهات مباشرة مع قوات الاحتلال

ما سبق يكشف ان قوى المقاومة لديها يد طولي، وقد استخدمتها من قبل لاغتيال شخصيات إسرائيلية، أو اختطافهم بغية مبادلتهم بأسرى فلسطينيين، ومع تباهي العدو بما نفذه من اغتيالات مؤخرا، فقد يدفع ذلك المقاومة الفلسطينية للعودة إلى هذا السلاح مجددا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان