هل فشلت بعثة مصر الأولمبية؟
لم يفاجئني خروج كل ألعاب البعثة المصرية في أولمبياد فرنسا 2024 بثلاث ميداليات فقط في أضخم وأقدم تجمع ألعاب رياضية في العالم، والتي شاركت فيها مصر منذ بداياتها في 33 دورة أولمبية منذ أول مشاركتة لها في 1912، أكثر من مائة عام والفرق المصرية تشارك في معظم ألعاب الأولمبياد العالمية والتي تقام كل أربع سنوات.
لم أتابع منافسات الدروة الأولمبية الأخيرة أو أهتم بها؛ فمن الذي يستطيع أن ينفصل عما يحدث في غزة وفلسطين ليشاهد منافسات رياضية في مختلف الألعاب لابد أن يكون شخصا ذا طاقة قوية لدرجة الانفصال عن الدم ليشاهد مباريات أو منافسات رياضية، وأنا لست كذلك.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفي المبارزة ومصارعة الذراع.. سفير فرنسا بالقاهرة يتحدى أبطال مصر بالأولمبياد (شاهد)
بسبب حجاب والدته.. هجمات عنصرية ضد صاحب الميدالية الفضية لتركيا في أولمبياد باريس
إيمان خليف تحظى باستقبال الأبطال في بلدتها بعد فوزها بذهبية أولمبياد باريس (فيديو)
رغم متابعات قليلة لبعض الأخبار من هنا وهنا عن طريق نشر بعض الأصدقاء لنتائج أو أحداث، لا شك أنني سعدت بنتائج منتخب المغرب العربي في تصفيات كرة القدم وحصوله على المركز الثالث، ورغم أن المنافسة الأخيرة كانت مع منتخب مصر الذي حصد المركز الرابع إلا أنني لم أشعر بأي غضاضة أو حزن.
أسعدني كما أسعد جمهورنا العربي حصول الجزائرية إيمان خليف على ذهبية بطولة الملاكمة رغم تعرضها لتنمر عنصري من الفرنسيين، والواقع أن الأولمبياد في نسختها الأخيرة كان فيها فصول من العنصرية، والتواجد السياسي وهي علامة موجودة في البطولات الرياضية العالمية منذ بداية القرن الحالي.
شهدنا تحيزا لبعثة الكيان الصهيوني المشاركة في المنافسات، وشجعنا الأبطال العرب الذين أعلنوا عدم اعترافهم بالكيان وبالتالي المشاركين منه والانسحاب من أمامهم لتأكيد عدم اعترافنا بوجود هذا الكيان المجرم في منافسات رياضية.
لا يمكن مصافحة الأيادي النازفة بدم إخواننا تحت أي شعار رياضي، وأحزننا مشاركة بعض اللاعبين العرب أو المسلمين مع لاعبين قتلة من هذا الكيان المحتل القاتل، ولكن المؤكد أن الألعاب الرياضية صارت جزءا من سياسات عالمية للاعتراف بالكيان الصهيوني وإدخاله كجزء طبيعي في العالم ومعظم الهيئات الرياضية في العالم والمتحكمة في البطولات العالمية تنحاز بشكل كبير لهذا الكيان المصطنع.
نتائج مصر لا جديد
هل فاجأنا الخروج المصري من الأولمبياد بثلاث ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية فقط في المنافسات؟ الواقع أن أصحاب النوايا الحسنة فقط هم من يفاجأون أو يحزنون لما حدث بعثة كاملة عددها 164 لاعبا ولاعبة، الواقع أن الألعاب الفردية في كل المنافسات الأولمبية على مدار تاريخها هي التي حصدت لمصر كل ميدالياتها الأولمبية البالغة 38 ميدالية قبل هذه الدورة، والتي حققتها في 11 دورة فقط من إجمالي المشاركات.
بعض المصريين انتابهم الفرح ببعض نتائج فريق كرة القدم في الأدوار الأولى، ولكن جاءت الهزيمة من فريق المغرب المبهر ليؤكد أن الاجتهاد لا يضمن الفوز أمام التنظيم والتخطيط المستمر، وهناك فروقات كبيرة بين اللعب بالحماس الظاهري كحالة الفريق المصري، واللعب بالتخطيط والتنظيم كحالة الفريق المغربي الذي يكمل شبابه نتائج الكبار الذين أمتعونا في كأس العالم الأخيرة في قطر.
الرياضة منظومة جزئية من منظومة مصرية عامة، ولا يمكن فصل منظومة الرياضة عن منظومات أخرى اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، وإعلامية، السائد فيها مجتمعة هو التلميع والفهلوة، وفي مواجهة عالم لا يخطو إلا بالعلم والتكنولوجيا لا يمكن لحالة (كأن) أن تستمر.
حتى وزير الشباب والرياضة في مصر كان اختياره عشوائيا، أعرفه منذ أن كان في العلاقات العامة في نادي الزمالك المصري نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وما تخيلت يوما أن يكون وزيرا للرياضة المصرية، وفي التعديل الأخير كان من المرشحين للخروج من الوزارة حسب متابعين للحالة المصرية ولكن أشرف صبحي استمر استمرارا لعشوائية الاختيار.
معظم الألعاب التي شاركت في اولمبياد فرنسا تشعر أن اختياراتها عشوائية، لا أدري كيف مرت من التصفيات الإفريقية، وكيف صعد إلى البطولة هذا الكم من اللاعبين الذين تساهلوا وحصدوا مهانة وتشويه سمعة مصر الرياضية، وفي ظل هذا لابد أن تستنتج أن العشوائية صارت منهجا مصريا لابد من إعادة النظر فيه كلية، فلا يمكن لدولة أن تستمر هكذا.
المنظومة والتخطيط
أتذكر في عام 1987 وكنت أعمل صحفيا رياضيا في جريدة مصرية اسمها صوت العرب كان أول حوار صحفي مع المدير الفني الأشهر في مصر أيامها محمود الجوهري، وهو أول مدرب لمنتخب مصر تهتف له ملايين المصريين في الشوارع بعد الصعود لكأس العالم في إيطاليا 1990 بعد الفوز على الجزائر بهدف لاعب الأهلي والمنتخب المصري حسام حسن، ذهبت إلى محمود الجوهري وكان قد فسخ عقده مع الأهلي بعد خلاف كبير مع صالح سليم رئيس النادي الأهلي، وسليم أحد أهم الرياضيين المصريين في تاريخ الكرة المصرية.
طلبت اللقاء مع محمود الجوهري عبر تليفون منزله لم يكن التليفون المحمول قد تم اختراعه، وذهبت إليه وهو في حالة استغراب، قلت له أثق أنك تملك الحل للكرة المصرية، وعندها أفرد الرجل أمامي خريطة كبيرة تتضمن عناصر المنظومة الرياضية المصرية كلها، وبدأ يشرح دور كل عنصر من عناصرها، ورسم أمامي على تلك الخريطة خطته للرياضة المصرية كاملة، وقال بهذا نستطيع الوصول لكأس العالم.
يومها كان عنوان حواري معه هذا الرجل سيحمل المنتخب المصري إلى كأس العالم، لم تكن النتائج المصرية في تلك البطولة على مستوى جيد، ولكن كانت أساسا يمكن البناء عليه، ورغم أن الجوهري عاد مرة أخرى للمنتخب في عام 1998 وحقق بطولة الأمم الإفريقية إلا ان نهج الجوهري اختلف فيما بعد.
اهتمت مصر في السنوات العشر الأولى بمنتخب كرة القدم وأهملت الدولة باقي الألعاب، وكان منتخب كرة اليد يحقق نتائج مهمة في بطولات العالم ولكن الدولة لم تكن تهتم إلا بمنتخب المعلم حسن شحاته الذي حقق ثلاث بطولات إفريقية في جيل مصر الذهبي بقيادة اللاعب المصري الأيقونة محمد أبو تريكة.
ختاما النتائج المصرية في دورة الألعاب الأولمبية فرنسا 24 وحصول الأبطال المصريين أحمد الجندي على ذهبية الرماية، وسارة سمير على فضية رفع الأثقال ومحمد السيد على برونزية السيف هي اجتهادات فردية استكمالا لمسيرة أبطال الألعاب الفردية محمد رشوان، كرم جابر، وغيرهما، أما الألعاب الجماعية فهي نتاج تخطيط منظومة كاملة لا تنفصل ولا تتم بشكل شخصي وهذا سر إخفاق الألعاب الجماعية المصرية في الدورة الأولمبية، وحتى يتعلم مسؤولو الرياضة في مصر أفكار التخطيط والتنظيم وحشد الطاقات، ستظل النتائج هكذا.