«تامر أمين» وأقرانه.. والجهل بقيمة التاريخ والجغرافيا

تامر أمين المذيع بقناة "النهار" المصرية (منصات التواصل)

فجأة، اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي، غضبا من الإعلامي بقناة النهار المصرية تامر أمين، عند تداول مقطع فيديو له، يسخر فيه من تدريس علوم الجغرافيا، والتاريخ، والفلسفة، والمنطق، وعلم النفس، ضمن المقررات الدراسية بالمرحلة الثانوية. وزاد ساخرا، من مهنة التدريس، منتقصا من شأن “المعلم”، بقوله إن الدارس لهذه العلوم، سيكون مصيره بعد التخرج من الجامعة، هو العمل مدرِّسًا (مُعلمًا)، وكأن المُعلم سُبّة في جبين المجتمع. هذه المقررات، التي تتركز في شعبة الأدبي بالثانوية العامة تقود إلى كليات التربية والآداب، والألسن، والإعلام، وتخصصات جامعية عديدة في اللغة العربية، ولغات أجنبية أخرى، والقانون (كليات الحقوق تستقبل العلمي والأدبي).. كل هذه التخصصات مطلوبة لأي مجتمع بشري. “تامر أمين” تخرج في كلية الألسن، وعمل في النشاط السياحي، قبل أن يلتحق بالتلفزيون المصري، مُذيعا للنشرات، ثم مقدما لبرامج. وما كان له الالتحاق بالعمل بالتلفزيون، لولا أن والده الراحل أمين بسيوني (1933- 2016)، كان إعلاميًّا تنقل بين صنوف العمل الإعلامي، وتولى رئاسة الإذاعة المصرية، وبعدها مجلس أمناء الإذاعة والتلفزيون.

  تامر وأقرانه

هذا الكلام، المُستفز لا يُقبَل من “إعلامي” يُفترض إلمامه بقدر معقول من الثقافة العامة. أي أنه إما غير مُدرِك لقيمة هذه العلوم، وأهميتها، أو أنه مجرد ناقل، يردد “ما يُملى عليه” ربما من جهات حكومية نافذة.

في الحالتين، فقد أساء إلى نفسه، وإلى المهنة، والدور الواجب عليه القيام به. فإن كانت الحالة الثانية، فهذا يعني أن الانتقاص من هذه المقررات الدراسية، والعلوم.. ربما يتكرر على ألسنة “أمثاله أو أقرانه”، ممن ابتلانا الله بهم، فهم على شاشات التلفزيون تجدهم على قلب رجل واحد، يرددون نفس الكلام، بلا أي اجتهاد، كأنهم ببغاوات. رغم هذا، فـ”المُذيع” منهم يُطل على المشاهدين، كل مساء مُتقمصًا دور الخبير العالم بكل شؤون الدنيا، وعلومها. ليُلقن الجمهور، دروسا يومية، لما يجب أن يكون وما لا يكون.. ما ينبغي أن يفعلوه، أو يتجنبوه في شتى أمور حياتهم.. يتحدث الواحد منهم (المذيع)، في غرور شديد، وثقة مُبالغ فيها، مع أن ما يقدمونه ليس “إعلاما”، ولا يمُت له بصلة.

 أهل الاختصاص وقضية تدريس هذه المواد

من أدوار “الإعلام”، شاملا الصحافة المطبوعة، والرقمية، والإذاعة، والتلفزيون.. الإخبار بما يجري، من أحداث ووقائع، والتوعية، والتنوير، والتثقيف، ونشر المعرفة، وزيادتها، والرقابة على المؤسسات الفاعلة في المجتمع، ومنها المؤسسة التعليمية.

من ثم، فليس من مهامّه، نشر الجهل، بدعوة الناس إلى ترك التعليم، أو الابتعاد عن دراسة بعض العلوم، تقليلا من شأنها، وإشاعة السخرية منها، أو من العلم، بتصنيفاته وفروعه.. بل، العكس تماما هو المطلوب من وسائل الإعلام. المواد الدراسية التي تناولها تامر أمين، مُستنكرا تدريسها في المرحلة الثانوية، وساخرا من المسار الجامعي لدارسيها، تنتمي إلى حزمة واسعة وذات أهمية بالغة من العلوم الطبيعية (الجغرافيا)، والإنسانية والاجتماعية (التاريخ، وعلم النفس، والمنطق). فلماذا يُفتي المذيع أو الإعلامي (تامر أو غيره)، بغير علم أو فهم، بعدم جدوى دراسة هذه العلوم. لِمَ لا يدعو، تامر أمين في برنامجه، عددا من أهل الاختصاص أساتذة علوم الاجتماع، والنفس، والتربية، والفلسفة، والتاريخ والجغرافيا، ليطرح عليهم قضية تدريس هذه المقررات لطلابنا، أو عدمها؟ لو فعل ذلك، واستضاف مثل هؤلاء الخُبراء، لدارت مناقشات عقلانية، وموضوعية، أساسها الوعي، والعلم، والمعرفة.. بما يُمثل إضافة ثرية، ممتعة، ومفيدة له، ولجمهوره.

الجغرافيا والشمس والقمر

أما وإنه لم يفعل، فكان عليه الاستعانة بشبكة الإنترنت -ما دام جاهلا قيمة هذه المواد- ليعرفَ لماذا تهتم الدنيا كلها بالجغرافيا، وتدريسها لطلابها، فهذا “العلم” يقوم على دراسة توزع البشر، والنبات، والحيوان، على سطح الأرض. كما يهتم بنشاط السكان، وتوزيعهم، وكثافتهم، وثقافاتهم، والظواهر الطبيعية مثل المناخ، والتضاريس، وما تحت الأرض. وتتعدد فروع الجغرافيا، فمنها على سبيل المثل الجغرافيا الرياضية، التي تدرس حركة الأرض، وموقعها بالنسبة للنجوم (الشمس مثلا)، والكواكب الأخرى، مثل القمر، وغيرها. فالجغرافيا، وفروعها وتفاصيلها تكاد تلامس حياة الإنسان اليومية. فلا جدال في أن دراسة خريطة توزيع السكان، وأنشطتهم، والموارد الطبيعية النباتية، والحيوانية، وما يحويه باطنها من ثروات.. كل هذا يكون مُعينًا، ومُرشدًا، في التخطيط الجيد، استغلالا لهذه الموارد، والإفادة القصوى منها. ولعل دراسة المناخ، والتضاريس، والتنبؤ بالظواهر الجوية، من أعاصير، وسيول، ورياح، وغيرها.. مما يسهم في اتخاذ قرارات السفر، والعمل وإدارة شؤون الدول، والأفراد، كما يحول دون وقوع كوارث جوية، وبحرية، وما شابه ذلك.

التاريخ.. وسلوك الإنسان

نأتي إلى علم “المنطق”، فهو باختصار، يساعد على التفكير السليم (التفكير المنطقي)، الذي يقرأ الواقع، ويُدرك العلاقات بين مكوناته، وتوظيفها، في التوصل إلى حلول للمشكلات المطروحة، والمقارنة بين الحجج والأدلة، وعلاقة المقدمات، بالنتائج. فالمنطق يُعين الإنسان على تحسين التفكير، والتمييز بين الغث والثمين من الأفكار، وتعزيز القدرة على الاختيار، وفقا لأسس سليمة، وترتيب الأفكار، والحجج، والإقناع.. بما ينعكس تحسينا للحياة ذاتها. أما علم النفس، فهو يعني بالإنسان، من حيث سمات النمو لشخصيته عقليا، واجتماعيا، ووجدانيا، وكذا المظاهر السلوكية له منذ الميلاد وحتى الشيخوخة. هذا كله مفيد تربويًّا للأسرة في تنشئة أبنائها، وللمدرسة، وإدارة المجتمع الذي يتكون من مجموعات بشرية.

التاريخ.. والتقاليد والثقافة والجذور

أما “التاريخ”، فلا يمكن لأي أمة تريد الحياة، والتقدم، أن تتجاهل دراسته. فهو السجل الزمني للأحداث الماضية بحياة المجتمعات البشرية، ويترك أثاره وتأثيراته عليها. تكمن أهمية دراسته -بوعي ونقد- في فهم ما جرى في الماضي، والتعلم، والاعتبار من الأخطاء، لتجنبها. وكذا الوعي بتقاليد وثقافة “المجتمعات”، وجذورها، وهويتها، والمُشتركات بينها.. ومن ثم فهو يوفر فرصا للتطور، والتعايش، والتعاون، مع الدول والشعوب.

أفلا تكون دراسة الجغرافيا، والتاريخ، وعلوم النفس، والفلسفة، والمنطق.. واجبة بعد كل هذا؟

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان