لا تقل «هجرة غير شرعية».. انتفاضة إفريقية ضد المصطلح!
على بعد ثلاثة كيلومترات من جزيرة “غوري” التي تقع قبالة ساحل “دكار” وفي وسط العاصمة السنغالية التقى نحو خمسين صحفيًا من أنحاء القارة السمراء في اجتماع نظمته جهات عدة دولية وقارية لبحث كيفية بناء خطاب إيجابي حول هجرة اليد العاملة في إفريقيا، ولتكوين شبكة من الصحفيين تتولى تحسين معايير تغطية موضوعات هجرة اليد العاملة في القارة القديمة.
رمزية اختيار السنغال لهذا الاجتماع أنها تملك سجلًا قاتمًا لا يمكن تجاهله بموقعها المطل على المحيط الأطلسي، فقد كانت موطنًا لتجارة العبيد ومحطة مهمة لهجرة اليد العاملة طوعًا أو تهجيرها كرهًا، من إفريقيا لأوروبا وأمريكا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالدولة العميقة بين حضارتين
لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
وقد شكلت جزيرة “غوري” بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر أكبر مركز لتجارة العبيد في الساحل الإفريقي الغربي، وقد خضعت للاحتلال البرتغالي والهولندي والإنجليزي ثم الفرنسي، وفي عام 1978 تم اختيارها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي من قبل الـ”يونسكو”.
الدور المزدوج
تلعب العمالة التي تنتقل من بلد لآخر دورًا مزدوجًا، فمن ناحية تسهم في تحقيق التنمية وسد العجز في مختلف التخصصات في البلد المستقبل، كما تسهم تحويلات العاملين لأوطانهم في تحقيق رواج لعائلاتهم وفي زيادة الدخل القومي وتوفير العملة الصعبة مما ينعكس على مشروعات التنمية في البلد المرسل للعمالة.
وتنشأ مشكلات معروفة مع تدفق العمالة الوافدة من تلاقي ثقافات ولغات مختلفة مع عدم معرفة أو إلمام بقوانين العمل والإقامة، مما يستلزم تعاونًا دوليًا أكبر لبحث مشكلات هجرة الأيدي العاملة والعمل على حلها لصالح البلدان المصدرة والمستوردة للعمالة.
في شهر مايو/أيار الماضي استضافت العاصمة القطرية اجتماع وزراء العمل من 25 دولة إفريقية مع دول الخليج العربي إضافة للبنان والأردن، حيث تم إطلاق “حوار الدوحة” حول تنقل القوى العاملة من دول إفريقيا التي تقدم 12% من إجمالي العمال الوافدين لدول الخليج العربي والأردن ولبنان، مما استدعى زيادة التنسيق والحوار بين الجانبين لحفظ حقوق القوى العاملة الوافدة وكرامتهم.
ومثل الاجتماع فرصة فريدة لمناقشة التحديات التي تعوق تنقل القوى العاملة الوافدة من الدول الإفريقية للخليج والأردن ولبنان وتحسين حوكمتها، وزيادة إسهاماتها في تحقيق التنمية المستدامة، وأسهم إطلاق “حوار الدوحة”، في توفير فرص للدول المشاركة لتبادل الخبرات والتباحث حول مشكلات العمالة المهاجرة.
صدر عن الاجتماعات “إعلان الدوحة” الذي أوصى بتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، لبناء شـراكات هدفها تحسين شـروط العمل اللائق، وضمان مراعاة الاحتياجات الخاصة بالنساء الوافدات، وتعزيز المعرفة حول متطلبات سوق العمل والمهارات المطلوبة مستقبلًا خاصة مع تسارع التطور التكنولوجي والتغير المناخي، ومواجهة التحديات الحالية والمستقبلية التي تواجه بلدان المنشأ والمقصد، والتصدي للممارسات غير القانونية، واحترام حقوق الإنسان، وحسن إدارة تنقل القوى العاملة الوافدة.
اتفق وزراء العمل المشاركون في الاجتماع على إطلاق “حوار الدوحة” كمنصة تشاورية دائمة تجتمع كل سنتين، كما أشاروا لأهمية مشاركة وسائل الإعلام في النقاش العام حول موضوعات الهجرة.
الطريق إلى “دكار”
التقط الاتحاد الإفريقي والمنظمة الدولية للهجرة واتحاد الصحفيين الأفارقة طرف خيط من “إعلان الدوحة”، وعبر برنامج قاري مخصص للهجرة (JLMP) تمت دعوة الصحفيين الأفارقة لمناقشة كيفية تناول الصحافة الإفريقية لموضوعات الهجرة، وكيف تسهم في تقديم الحقائق والصورة الإيجابية للعمالة ودورها في التنمية المشتركة، وتم اختيار السنغال مقرًا للاجتماع كرمز للدول المصدرة للعمالة.
بحماس بالغ يشدد عمر فاروق عثمان رئيس اتحاد الصحفيين الأفارقة (FAJ) على الدور الاجتماعي والاقتصادي للهجرة في المشهد الإفريقي، لكنه يعترف بتعقيداته وتداخلاته وضرورة التغطية الإعلامية المتوازنة.
ويرفض فاروق وهو صومالي الجنسية استخدام مصطلح “الهجرة غير الشرعية” الذي فرضته وكالات الأنباء العالمية، ويجادل بأن الهجرة حق ولا يمكن أن يوصف الحق بأنه غير شرعي أو غير قانوني، ويرى أن استخدام مصطلح “الهجرة غير النظامية” مهني وأخلاقي أيضًا، لكنه يلفت النظر إلى أن تدفقات الهجرة غير النظامية التي تحظى في كثير من الأحيان باهتمام وسائل الإعلام لا تمثل سوى الجزء الصغير من واقع الهجرة الإفريقية، كما أنها ترسم صورة سلبية وخاطئة عن إفريقيا.
السردية الغربية
ينتقد رئيس اتحاد الصحفيين الأفارقة السردية الغربية السائدة عن الهجرة والعمالة الإفريقية في وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية التي ترسخ صورًا نمطية عن جحافل الأفارقة التي تغزو أوروبا وأمريكا دون إنصاف لدورهم في اقتصادات البلدان التي تستضيفهم، ونجاحاتهم في مجالات عدة أبرزها الرياضة.
“أحد التحديات الكبيرة التي نواجهها هو قيام عدد غير قليل من وسائل الإعلام الإفريقية بنشر محتوى تحريري مصدره وسائل الإعلام الغربية والذي غالبًا ما يقدم صورة سلبية عن قارة إفريقيا”، كما يقول الدكتور سابيلو مبوكازي رئيس قسم العمل والهجرة بالاتحاد الإفريقي الذي يرى ضرورة عكس هذا الوضع، وأن تعتمد وسائل الإعلام الغربية على المصادر الإفريقية أو تستعين بها على أقل تقدير لتقديم صورة أكثر توازنًا ودقة عن إفريقيا.
السردية الإفريقية
هناك حاجة ملحة لتنظيم المعايير الأخلاقية ودعمها في استخدام المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي بعد أن أصبحت أرضًا خصبة للمعلومات المضللة، كما أدت “صحافة المواطن” إلى طوفان من المحتوى غير المدقق وفق الدكتور سابيلو الذي يتفهم العقبات التي يواجهها الصحفيون في الوصول لمصادر المعلومات حول برامج التنمية في إفريقيا ومدى احتياجهم للمعلومات التي يحتاجون إليها لتقديم السردية الإفريقية.
ويرى وزير الاتصالات السنغالي اليون سال أن وسائل الإعلام تقدم أخبارًا مثيرة عن الهجرة تدفع العديد من الحالمين والمتطلعين لترك منازلهم، ومواجهة الخطر في الصحراء والبحر سعيًا وراء الحصول على حياة أفضل، وبعضهم يفقد حياته أو يقع أسيرًا للخاطفين ومن يصل منهم لوجهته قد يجد نفسه فريسة لخيبة الأمل وعدم الاندماج أو عدم التوظيف أو كليهما.
يطالب الوزير السنغالي وسائل الإعلام بإلقاء الضوء على الأمثلة الملهمة الناجحة، ويضرب مثلًا باندماج المهاجرين إلى السنغال من غينيا ومالي وكوت ديفوار والمغرب، ويلمح لضرورة توعية المهاجرين بالقوانين والتشريعات المنظمة للهجرة ووسائل الاندماج في المجتمعات التي يهاجرون إليها.
المساعدة الإعلامية
تتمتع إفريقيا حاليًا بأسرع معدل نمو للشباب، وهناك أكثر من 400 مليون تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عامًا وكثيرًا ما يؤدي بحثهم عن مصدر رزق إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية، ويمكن لوسائل الإعلام أن تساعدهم على اتخاذ خيارات مستنيرة.
ووفقًا لتقرير الهجرة الإفريقية فإن نحو 85.5% من السكان العاملين في إفريقيا بما في ذلك العمال المهاجرون يعملون في القطاع غير الرسمي، مما يخلق الحاجة إلى رواية القصص من وجهة نظر إنسانية لالتقاط تجارب المهاجرين بدقة ووفقًا للالتزام بمدونة السلوك الأخلاقي ومراعاة الفروق بين الجنسين.
الدول الإفريقية بدأت تنتبه لأهمية الهجرة في تحقيق التنمية، لكنها أدركت الحاجة لأن يتبنى الإعلام الرواية من وجهة نظر إفريقية بديلًا عن الرواية الغربية التي تشوه الصورة عن عمد أو بغيره، وقد بدأت الجهود في الدوحة ولن تنتهي في دكار، وأغلب الظن أن السردية الإفريقية حول قضايا الهجرة تحتاج إلى وقت حتى تجد مكانًا لها في الإعلام الغربي.