هل تفعلها تركيا فتحد من حجم الضربة الإيرانية المنتظرة لإسرائيل؟!

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (غيتي)

أعلن السفير الأمريكي جيف فليك لدى تركيا عقب انتهاء خدمته أن بلاده طلبت من أنقرة التدخل لدى إيران والضغط عليها لحثها على خفض التوتر في منطقة الشرق الأوسط، بعد أن فشلت المحاولات التي بذلت من جانب عدد من الدول الأوروبية في هذا الإطار.

الطلب الأمريكي جاء وسط استعدادات عسكرية تجري على قدم وساق بالتزامن مع عدد من المناورات القتالية، وعمليات شحن إعلامية غير مسبوقة، وتحركات دبلوماسية باءت جميعها بالفشل حتى الآن على الأقل، وتحليلات سياسية وعسكرية على الفضائيات ومواقع التواصل، الدولية منها والعربية والإسرائيلية، حول طبيعة وحجم الرد الإيراني المنتظر على عملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.

تركيا من جانبها تدرك تماما أن إيران لن تتراجع مطلقا عن الرد على عملية اغتيال هنية، التي مثلت انتهاكا صارخا لسيادتها، وتهديدا خطيرا لأمنها القومي، وتشويها لصورتها على الصعيدين الداخلي والخارجي في ظل تزايد حجم التعديات الإسرائيلية الوحشية على دول المنطقة يوما بعد يوم بدعم كامل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.

فحرب الإبادة الجماعية التي تمارسها على غزة مستمرة، مع رفضها المطلق لدعوى وقف إطلاق النار، وعجز المجتمع الدولي عن معاقبتها على جرائمها ضد النساء والأطفال الفلسطينيين، وضربها لليمن، واستهدافها القنصلية الإيرانية في دمشق، وتماديها في عمليات اغتيال العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية، إذ تم اغتيال صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت قبل أشهر، وبعدها عملية اغتيال القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، التي تزامنت مع اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

وساطة شبه مستحيلة

أسباب متباينة تضع إيران في موقف صعب يلزمها بضرورة الرد وعدم التراجع عن موقفها المتشدد الذي أعلنته فور اغتيال هنية، حفاظا على صورتها داخليا، ومكانتها إقليميا، وتأكيدا على التزامها المعلن بدعم ومساندة القضية الفلسطينية حتى زوال دولة إسرائيل.

نفس هذه الأسباب تجعل من محاولة الوساطة بين أطراف النزاع عملية شبه مستحيلة، لكن أنقرة -على ما يبدو- لديها معلومات مؤكدة تشير إلى أن شكل هذا الرد وحجمه لا يزال محل نقاش في الدائرة الضيقة لصنع القرار في طهران، التي يمثلها مثلث المرشد العام للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، ورئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، وقائد الحرس الثوري.

عدم التوافق المؤقت هذا -حتى الآن- منح القيادة السياسية التركية نوعا من الأمل في إمكانية إقناع إيران باختيار أكثر سيناريوهات الرد حنكة ومحدودية بما يحقق لها أهدافها، ويضمن في الوقت ذاته عدم خروج الأمور عن السيطرة، وتحوُّل المواجهة الإيرانية الإسرائيلية إلى حرب شاملة مفتوحة في المنطقة تنذر باندلاع حرب عالمية ثالثة.

مخاوف من اندلاع حرب شاملة

وهو أمر تخشى تركيا والعديد من دول العالم وقوعه، لما له من انعكاسات سلبية على الأوضاع الداخلية لدول المنطقة، فروسيا على سبيل المثال رغم دعمها لإيران ومساندتها في الدفاع عن سيادتها، وتنديدها بعملية اغتيال هنية، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -وفقا لوكالة أنباء رويترز- طلب من آية الله علي خامنئي أن يكون الرد الإيراني على مقتل هنية “محدودا”، مع تجنب استهداف المدنيين الإسرائيليين حتى لا تقع إيران في براثن فخ نتنياهو الذي يحاول جاهدا إشعال حرب إقليمية شاملة وجر الأمريكيين إلى أتونها.

دخول واشنطن على خط المواجهة العسكرية رسميا يعني اضطرار موسكو إلى التدخل ومساندة حليفتها؛ مما يعني استنزاف مخزونها العسكري، وهو ما لا تريده في ظل التطورات التي تشهدها ساحة حربها مع أوكرانيا.

وهنا تجب الإشارة إلى أن من مصلحة روسيا ضمان استمرار حرب الاستنزاف التي تقوم بها دول الممانعة والمقاومة تحت إشراف طهران، فهي سبيل ممتاز لاستنزاف قدرات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين عسكريا وسياسيا بما يخدم خطط الرئيس الروسي وحلفائه، ويضعف إسرائيل.

مغامرة غير محسوبة العواقب

أما أنقرة فالمسألة لديها لها أبعاد مختلفة، إذ إن اندلاع حرب إقليمية من شأنه زيادة الفجوة بينها وبين نظرائها الأوروبيين أعضاء حلف الناتو، خاصة أنها منذ مدة ليست بالقليلة اختارت أن تسلك طرقا سياسية ودبلوماسية مخالفة لما يتبعونه من سياسات، وما يتخذونه من مواقف وإجراءات، ولعل أبرز الأمثلة على هذا التوجه هو رفضها التام الانضمام إلى العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على كل من روسيا وإيران، وتعزيز علاقاتها بكل من الصين وكوريا الشمالية، وتفضيلها المحافظة على علاقات متوازنة بمحيطها الإقليمي، وإزالة أية توترات معه، إلى جانب دعمها لحركة حماس وتصعيد هجومها على إسرائيل.

استقلالية تسعى أنقرة بكل ما أوتيت من قوة لتثبيت أقدامها فيها، والحفاظ عليها، فلا مصلحة ترجى لها من وراء اندلاع حرب إقليمية تُفسد عليها استراتيجيتها تلك، وتُنذر بخسارة علاقاتها المتوازنة بدول المنطقة، إلى جانب إمكانية فقدانها لحلم أن تكون أحد أهم مراكز الطاقة عالميا، الذي تدعمها فيه موسكو بقوة.

فاتورة تكلفة الدخول في غمار حرب لا يعلم مداها إلا الله في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وتذمر شعبي واضح تبدو مغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة للقيادة السياسية التركية، حتى وإن تم اللعب على وتر المشاعر الوطنية، واستنفار الهمم للدفاع عن الوطن، واستحضار حرب الاستقلال التي سبق أن خاضتها تركيا بقيادة مصطفى كمال أتاتورك ضد القوات الأجنبية المحتلة.

ركائز الوساطة التركية

ولهذا ترى أنقرة أن مصلحتها تلبية الطلب الأمريكي، والقيام بوساطة دبلوماسية تحد نتيجة لها من حجم الضربة الإيرانية بهدف منع تفاقم الأمور وتحولها إلى ما لا تحمد عقباه، وفي هذا الإطار ترتكز الوساطة التركية على عدة محاور، أهمها أن موقفها حاليا من إسرائيل يقترب في الكثير من مفرداته من موقف طهران؛ مما يمنحها القدرة على إقناع طهران بوجهة نظرها.

ويعينها على ذلك أنها حملت القيادة السياسية التركية دولة الاحتلال المسؤولية كاملة عن التوتر الذي تشهده المنطقة، متهمة رئيس وزرائها بالسعي لإطالة أمد الحرب من أجل الاستمرار في السلطة، وباتخاذ خطوات استفزازية لإشعال نار حرب شاملة وتفجير صراع إقليمي بها.

ومع أن جميع الشواهد تؤكد ضلوع دولة الاحتلال في عملية اغتيال هنية فإن عدم الاعتراف رسميًّا بهذا يعني أن القيام بعمل عسكري موسع ضدها سيكون انتهاكا للقانون الدولي، وسيضع إيران موضع اتهام في ظل الروايات التي يتم تداولها إعلاميًّا حول أن عملية الاغتيال تمت بأيادٍ إيرانية استهدفته عن قرب.

صحيح أنه لم يتم القبض على أحد حتى الآن، وأن التحقيقات الإيرانية لا تزال مستمرة؛ لذا يصعب وضع تصور لماهية الرد وحجمه، لكن في ظل الروايات المتداولة يمكن توصيف الأمر على أنه عملية استخبارية قام بها بعض الجواسيس المتعاملين مع الموساد، وهو ما لا يستدعي شنّ حرب، وإنما القيام بعملية استهداف مقابلة.

في حال نجاح الدبلوماسية التركية في إقناع طهران بالقيام بعملية عسكرية محدودة فإن ذلك سيضاف حتما إلى رصيد نجاحاتها السابقة سواء فيما يخص الحرب الروسية الأوكرانية، أو في ملف تصدير الحبوب الأوكرانية، وأخيرا، وليس آخرا في الحدّ من حجم الضربة الإيرانية التي تم توجيهها إلى إسرائيل في إبريل/نيسان الماضي، ردًّا على استهداف قنصليتها في دمشق.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان