هل تنجو إيران من الفخ الإسرائيلي؟
(1) مواجهة أمريكا مكلفة
العواصف تهب على المنطقة، مسابقات القوة مستمرة لكنها تختلف عن تلك التي تابعناها في أولمبياد باريس لا أحد سيفوز بميدالية لكن الجميع سيحصد الموت والخراب وتوسيع دائرة العنف والاستنزاف.
الضربة المزدوجة التي قامت بها إسرائيل في لبنان وإيران لم تكن عشوائية، ولكنها خطوة يراد بها استفزاز حزب الله وإيران باغتيال فؤاد شكر القائد المهم في حزب الله في بيروت، واغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالدولة العميقة بين حضارتين
لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
يدرك نتنياهو جيدا أن هاتين العمليتين لا يمكن أن تمرا مرور الكرام، وأن الرد سيكون من جنس العمل، وهو رد قوي غير مسبوق كما صرح حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وعلي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني، ولكن نتنياهو يريد توسيع المعركة وجر أمريكا إلى ما هو أكبر من حرب غزة.
الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان، كان يأمل أن يبدأ عهده بتضييق الفجوة بين بلاده والمعسكر الغربي واستئناف المفاوضات حول الملف النووي الإيراني تمهيدا لرفع العقوبات عن إيران للتخفيف من معاناة الشعب الإيراني، لكن أتت الريح بما لا تشتهي السفن، إذ وضعت إسرائيل بفعلتها الدنيئة إيران في مواجهة غير مباشرة مع أمريكا التي أعلنت مرارا التزامها بالدفاع عن الكيان الصهيوني، وتخوفا من تعرض إسرائيل لضربات مؤلمة من إيران وحلفائها زادت أمريكا من وجودها العسكري في المنطقة، كما استطاعت بتأثيرها في قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أن تحصل منهم على وعد بالدفاع عن إسرائيل عند تعرضها لاعتداء من قبل إيران.
كما دعا الرئيس الأمريكي بايدن وقادة الدول الأربع في بيان لهم، إيران إلى التراجع عن تهديداتها بشن هجوم على إسرائيل، لأن ذلك سيزعزع الأمن في المنطقة!!
لقد أصبح الحديث عن المعايير المزدوجة للغرب مكررا وبلا جدوى، إذ يتحرك بقوة وسرعة للدفاع عن أمن إسرائيل المعتدية على سيادة إيران ولبنان، أما الدفاع عن حياة أهل غزة وحقهم في الوجود فهو أمر يأتي في ذيل اهتمامات هذا المعسكر المنافق، الذي اكتشف العالم كله أكاذيبه، ولكنه مازال المعسكر الأقوى عالميا من حيث القدرة الاقتصادية والعسكرية معًا. عدد كبير من الدول أدانت اغتيال إسماعيل هنية في طهران واعتبرته اعتداء على سيادة إيران، وعلى رأس هذه الدول الصين وروسيا، لكن الإدانات شيء والدعم العسكري شيء آخر، روسيا مشغولة بحربها مع أوكرانيا والصين تراقب وتتريث، تريد كسب المزيد من الوقت لتقوية جيشها استعدادا لمواجهة قادمة مع أمريكا.
(2) موقف حزب الله مختلف
حزب الله في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل منذ سنوات وهناك قواعد اشتباك متفق عليها بينهما سلفا، خرقتها إسرائيل باغتيال فؤاد شكر في العاصمة اللبنانية، ورغم تأكيد حسن نصر الله أن الرد سيكون قويا ورادعا، فإنه في النهاية سيكون له نتائج محسوبة بدقة حتى لا يتسبب الرد الإسرائيلي في أضرار جسيمة في لبنان شمالا وجنوبا. حزب الله فصيل لبناني يتحدث عن نفسه وليس مخولا له الحديث نيابة عن الجيش اللبناني أو الحكومة اللبنانية. لكن الوضع يختلف بالنسبة لإيران، الحديث عن الرد الحازم أتي من أعلى سلطة في إيران وهي سلطة المرشد الأعلى تبعها تأكيد من الرئيس الإيراني وقادة الحرس الثوري والجيش الإيراني، إذن نحن نتحدث عن الموقف الرسمي الإيراني، وإيران بلد كبير وقوة إقليمية ذات نفوذ وتأثير، وكيفية الرد ومدى جديته وقوته ستحدد صورة إيران الإقليمية وتأثير محور المقاومة، لذا فهي في مأزق حقيقي. إيران قادرة على توجيه ضربات مؤلمة في العمق الإسرائيلي، لكنها تعرف أنها بذلك تواجه أمريكا وحلفاءها الغربيين وهذه مغامرة يمكن أن تعقد المشهد وتصل به إلى نتائج غير معروفة أو محسوبة سلفا.
(3) الإيرانيون لن يهاجموا.. صدقوني
في مقابلة مع الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مالك منصة إكس أشار الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب إلى أن “الوضع في الشرق الأوسط يمكن أن يقود إلى حرب عالمية ثالثة”، وأضاف في سياق آخر: “الجميع ينتظر هجوما من إيران ضد إسرائيل، لكن الإيرانيين لن يهاجموا. صدقوني”.
هل يمكن أن نصدق ترامب الذي اعتاد الكذب ونكذب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي أكد مجددًا أن بلاده لن تخضع للضغوط والبلطجة ومن حقها الرد على المعتدين وفق المعايير الدولية.
الرد له ثمن، كلنا نعلم ذلك لكن لا أحد يستطيع أن يقدر الثمن وهل سيكون باهظا وأكبر من قدرة إيران على التحمل؟ أم أن إيران مستعدة لكل السيناريوهات المحتملة ومنها الانزلاق إلى مواجهة مباشرة مع أمريكا وحلفائها لتتوسع دائرة الحرب وتتحول إلي حرب إقليمية وربما عالمية. لكن من ناحية أخرى إذا لم ترد إيران بقوة وحسم على البلطجة الإسرائيلية وتعديها على سيادتها المرة تلو الأخرى فستخسر إيران الكثير، وسيكون لذلك تأثير سلبي على مكانتها الإقليمية وعلى محور المقاومة ومجريات الحرب في غزة وستستعيد إسرائيل بعدها قوة الردع التي فقدتها منذ اندلاع طوفان الأقصى. هناك من يحاول أن يربط بين رد إيران ومفاوضات وقف إطلاق النار المزمع البدء فيها اليوم الخميس 15 أغسطس/آب، لكن إيران ترفض الربط بينهما ولها كامل الحرية في تحديد الوقت المناسب للرد.
إسرائيل تعيش حالة من الذعر والترقب، وكما يقال وقوع البلاء خير من انتظاره، وتل أبيب لا تعرف متى ولا أين ولا كيف ستأتيها الضربة الإيرانية، ورغم تكرار الوعد الأمريكي بالدفاع عن إسرائيل ضد إيران وحلفائها في لبنان واليمن والعراق، فإن ذلك لم ينزع الخوف من قلوب الإسرائيليين حكومة وشعبا.
إيران مشهورة بصناعة السجاد اليدوي الفاخر الذي ينسج بتأنٍّ ودقة وحرفية وفنّ، هذا التراث الثقافي والمعرفي يرافقها في السياسة أيضا، ولقد تمرست على الصبر الاستراتيجي في علاقتها مع أمريكا، صحيح أنها في مأزق من صنع نتنياهو لكنها ستدبر أمرها كما دبرت أمورها رغم العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عقود.