العدوان الإسرائيلي على غزة وأزمة الإعلام في العالم العربي!

جنازة مجاهد داود في الضفة الغربية المحتلة (رويترز)

أزمة الإعلام في العالم العربي تتزايد حدتها؛ هل يمكن أن تصدق أن هناك وسائل إعلامية عربية تتحيز إلى العدوان الإسرائيلي، وتركز على نقل البيانات التي يعلنها قادة العدو ليبرروا بها المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب فلسطين، ولم تمتلك الجرأة أن تكشف الحقائق عن هذه المذابح، وأهمها مذبحة الساجدين؛ حيث قتلت إسرائيل مئة من الفلسطينيين وهم يصلون الفجر!!

خطورة تقييد حرية الإعلام!

تغطية كثير من وسائل الإعلام العربية للعدوان الإسرائيلي على غزة توضح أن الأمة العربية تمر بحالة ضعف إعلامي، وأن هذا الضعف يشكل أساسا لأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية، فالوسائل التابعة للسلطات انفصلت تماما عن الجماهير العربية، ولم تعد تعبر عن مشكلاتها وآلامها.. وكان من الطبيعي أن تهجر الجماهير هذه الوسائل لتبحث عن المعرفة في فضاء واسع يفتحه الإعلام الجديد، بالرغم من أن هناك الكثير من المعلومات الزائفة والمضللة.

الموضوعية الزائفة تخفي التحيز

الغريب أن بعض هذه الوسائل تدعي أنها موضوعية لتخفي تحيزها ضد المقاومة الفلسطينية، ولتبرر المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بادعاء وجود إرهابيين بين المصلين الذين انهالت الصواريخ الإسرائيلية على رؤوسهم.

الموضوعية الزائفة وفّرت لجيش الاحتلال الإسرائيلي الفرصة لمخاطبة الشعوب العربية، وترويج دعايته، ونشر أكاذيبه، والعمل لتضليل الجماهير.

هذه ليست موضوعية، ولكنها عملية تزييف لوعي الجماهير، وانتهاك لحقها في معرفة الحقيقة، فعند نشر ادعاء الجيش الإسرائيلي، يجب نشر رد المقاومة، والبحث عن الحقيقة، وتوضيح معنى الإرهاب الذي يقصده الجيش الإسرائيلي، فهل صلاة الفجر تعتبر إرهابا.

ولقد عملت وسائل الإعلام الغربية على ربط الإسلام بالإرهاب، فتحول مفهوم الإرهاب إلى سبب في تشكيل حالة الظلم العام التي يواجهها المسلمون في كل أنحاء العالم، وبالتأكيد فإن ذلك العمل لا يتصل بالموضوعية، ولكنه وسيلة للتزييف والتضليل والدعاية.. وهكذا أصبح مفهوم الموضوعية وسيلة لإخفاء التحيز لإسرائيل وللغرب، وللسلطات المستبدة.

الموضوعية والخوف من إعلان الحقيقة

حذرت منذ سنوات طويلة من خطورة خوف الباحثين في الجامعات من إعلان الحقائق التي توصلوا إليها، وعدم قدرتهم على التعبير عن آرائهم خوفا من الاتهام بعدم الموضوعية، فأصبحت الكثير من الأبحاث العلمية لا قيمة لها؛ لأن الباحثين افتقدوا الجرأة والشجاعة.. وحاولت بناء مدرسة علمية عربية تشجع الباحثين على البحث عن الحقائق والتعبير عن آرائهم بشجاعة ووضوح، والتحرر من فكرة الموضوعية التي أصبحت تقيد العقول، وتمنعها من الانطلاق، وإنتاج الأفكار الجديدة، وأنا لا أرى أن هناك موضوعية في النقل من المراجع دون نقد، أو إخفاء الآراء خلف الكثير من الجداول والإحصائيات من دون وجود أية فكرة جديدة.

للأسف هذه الظاهرة أصبحت واضحة في تغطية وسائل الإعلام العربية للأحداث، حيث أصبحت الموضوعية لافتة تخفي خلفها الخوف والجبن والعجز عن البحث عن الحقائق ونشرها، ونقل بيانات الجيش الإسرائيلي، ودعايته ضد المقاومة.

  تقييد السلطات العربية لحرية الإعلام والإسلام السياسي

ادعاء الموضوعية لم يكن العامل الوحيد في قيام وسائل إعلامية عربية بنشر الدعاية الإسرائيلية، وتبرير المذابح التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، فهذه الوسائل خاضعة لسيطرة السلطات العربية التي ترى أن عدوها الرئيس هو الإسلام السياسي.

ويمكننا أن نفهم كيف سقطت الحواجز بين الإعلام والدعاية، فالسلطات استخدمت وسائل الإعلام لتضليل الجماهير والتلاعب باتجاهاتها، لكن العدوان الإسرائيلي على غزة أوضح أن تقييد حرية الإعلام شكل كارثة للشعوب العربية؛ فالسلطات دفعت وسائل الإعلام إلى التحيز لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتبرير المذابح التي يرتكبها، والهجوم على المقاومة الفلسطينية باعتبارها تنتمي إلى الإسلام السياسي طبقا للمفهوم الغربي الذي تم ترويجه.

لذلك كانت حرية الإعلام أهم خسائر الجماهير العربية، فعندما فقدت هذه الحرية أصبحت معرّضة لطوفان من التجهيل والتضليل وتزييف الوعي حتى لا تستطيع الدفاع عن حقوقها.

لا حياة بدون حرية!

العدوان الإسرائيلي على غزة كشف لنا الكثير من الحقائق من أهمها أنه لا حياة بدون حرية، وأن الجماهير لا يمكن أن تبني مستقبلها بدون وسائل إعلامية حرة، وبدون إعلاميين أحرار يمتلكون الشجاعة للتعبير عن اتجاهات جماهيرهم.

أوضح العدوان الإسرائيلي على غزة أن وسائل الإعلام المقيدة لا تستطيع القيام بوظائفها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة وإدارة المناقشة الحرة، لذلك كان من الطبيعي أن يتناقص توزيع الصحف، وينصرف الناس عن قنوات التلفزيون، فيتزايد الضعف الإعلامي.

من حق الناس أن تعرف الحقائق، فالمعرفة قوة، وهي أساس الابتكار وإنتاج الأفكار الجديدة وبناء المستقبل، وسوف يأتي اليوم الذي تتعامل فيه الجماهير مع الإعلاميين طبقا لشجاعتهم في نشر المعلومات الصحيحة، وكشف الحقائق، والوفاء بحقها في المعرفة.. ولن يجدي يومها ادعاء الموضوعية والحياد، فالجماهير تعرف الحقيقة وترى كيف يقوم جيش الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب مذابح تشكل صدمة للضمير الإنساني، واعتداء على الحضارة.

لكن السؤال الذي أطرحه على كل الإعلاميين العرب: هل يمكن أن نترك مهنتنا تنهار، وإلى متى نخضع للقيود التي فرضتها السلطات على حريتنا؟

نريد إجابة مبدعة تمكننا من الدفاع عن وظيفتنا في الوفاء بحق جماهيرنا في المعرفة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان