اغتيل إسماعيل هنية.. لكن حماس لن تموت

(1) كل فلسطيني مشروع شهيد
الأم الفلسطينية ليست كغيرها من نساء العالمين، منذ لحظة ولادتها لرضيعها تعرف أنه ابن موت ما دام الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين مستمرًا، فلا أمل في حياة آمنة لأي فلسطيني، والطفل الفلسطيني مصدر رعب لجيش الاحتلال، لأن كل جندي في هذا الجيش يدرك يقينًا أن الطفل الفلسطيني يرضع لبن أمه مخلوطًا بروح المقاومة وينتظر حتى يشتد عوده ليصبح مقاومًا ومقاتلًا.
رغم مرور عقود على احتلال العدو الصهيوني لفلسطين لم تتمكن حكومات العدو المتتالية من فهم العقلية الفلسطينية، ولا تقدير حجم قدرة الفلسطيني على التحمل والصبر على فقدان كل ما هو غالٍ ونفيس. الفقدان والغياب جزء من تراث الفلسطيني المعرفي والعاطفي وكيف لا؟ وقد عاش منذ النكبة عام 1948 محنة الفقدان، حين فقدت مئات الأسر الفلسطينية بيوتها ونزحت إلى أماكن أخرى، لكن كلًا من هذه الأسر احتفظت بمفتاح دارها ليذكرها بحقها الذي سرقه الصهيوني، وليظل حلم العودة كامنًا في النفوس ينتظر إشارة لينطلق كالطوفان.
(2) نبوءة القعيد الذي أحيا أمة
إسماعيل هنية حلقة في سلسلة حلقات الاغتيال التي تقوم بها إسرائيل في حق قادة “حماس” منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” حيث اغتالت إسرائيل عددًا من قادة الحركة، فلقد اغتالت مروان عيسى نائب قائد كتائب القسام، وأيمن نوفل عضو المجلس العسكري لكتائب القسام، وصالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لـ”حماس”، وسمير فندى مسؤول عمليات “حماس” في جنوب لبنان، وعزام الأقرع أحد مؤسسي كتائب القسام، وأحمد بحر وجميلة الشنطي أعضاء المكتب السياسي لـ”حماس”، وأيمن صيام أحد القادة العسكريين لكتائب القسام، وأسامة المزيني وهو قيادي في الحركة، وأحمد الغندور عضو المجلس العسكري لكتائب القسام، وفائق المبحوح القيادي في الحركة. هذه الاغتيالات كلها لم تؤثر في أداء كتائب القسام في غزة واستمراها في الحرب غير المتكافئة مع جيش الاحتلال.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمن يُشعل النيران في الشرق الأوسط؟ قراءة في مصادر الصراع
علمانية الطوائف السورية
طلقات حاخام: القومية نزعة شريرة والصهيونية “أخلاقية”
ولقد بدأت إسرائيل مسلسل اغتيالات قادة “حماس” باغتيال مؤسس الحركة المرحوم الشيخ أحمد ياسين القعيد المريض الذي اغتالته في 22 مارس عام 2004 بهجوم صاروخي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية على السيارة التي كانت تقله بعد أدائه لصلاة الفجر، ولقد سبق اغتياله تصريح من زئيف بويم نائب وزير الأمن الإسرائيلي حينذاك بأن الشيح يستحق الموت، وتم إدراجه ضمن قائمة المستهدفين بالقتل، فالشيخ أحمد ياسين رغم إعاقته وصحته المعتلة كان قادرًا على بعث روح المقاومة والجهاد في نفوس الفلسطينيين جميعًا. مقتل الشيخ أحمد ياسين ترك فراغًا كبيرًا لم يملأه أحد من بعده، إلا أن ذلك لم يؤثر في استمرار حركة “حماس”، التي ازدادت تنظيمًا وقوة عسكرية مع الوقت، وما زال الشيخ أحمد ياسين ملهمًا لأجيال من الشباب الفلسطيني الرافض للاحتلال المقاوم لفكرة الاستسلام للأمر الواقع، وتنبأ الشيخ أحمد ياسين بزوال إسرائيل لأنها قامت على الظلم واغتصاب الحقوق، وأي كيان يقوم على ذلك مصيره الزوال، وحدد موعدًا لذلك عام 2027، وبسؤاله لماذا هذا التاريخ تحديدًا؟ أجاب: “القرآن حدثنا أن هناك تغييرًا في الأجيال كل أربعين سنة، الأربعون الأولى كانت النكبة، والثانية انتفاضة ومواجهة وقتال، والأربعون الثالثة ستكون نهاية إسرائيل، والجيل القادم هو جيل التحرير، الصهاينة يزهون بقوتهم ونحن خائفون من ضعفنا، ولكن إرادة الله غالبة”. صدق الشيخ أحمد ياسين في تحليله، وها نحن نشاهد جيل التحرير الذي يقاتل ببسالة منقطعة النظير وهو لا يخشى الموت، لأن الموت ليس النهاية ويقينه بالله وعدالة قضيته دافعان له في الاستمرار في الحرب من أجل تحرير فلسطين من أيدي الصهاينة.
(3) إسرائيل المأزومة وتوسيع الحرب
لم تستطع حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة أن تصنع نصرًا في غزة، ولم يحقق نتنياهو أهداف الحرب التي أعلنها، ولديه معارضة داخلية قوية وإدانة دولية متزايدة، ولذا لجأ إلى أسلوب الاغتيالات لقادة المقاومة ليعطي الشارع الإسرائيلي، المتلهف على إحراز نصر، انطباعًا بقدرة إسرائيل غير المحدودة على ردع أعدائها، والاغتيال أحد أدوات إسرائيل التي تظهر بها قدرتها على الردع والوصول إلى قيادات المقاومة أينما كانوا، والزهو بتفوقها الاستخباري والتقني في اقتفاء أثر تلك الشخصيات وتحديد أماكنهم بدقة وإصابتهم في مقتل، وفي ذلك تستعين بالولايات المتحدة الأمريكية التي تشاركها حربها على غزة ومسلسل الاغتيالات، وخلال 24 ساعة استهدفت إسرائيل قيادة في “حزب الله” و”حماس”، وأسفرت عمليات إسرائيل الخسيسة عن مقتل السيد فؤاد شكر -رحمه الله- مسؤول العمليات في “حزب الله” الذي استهدفته بصواريخ ضربت أحد المباني السكنية بالضاحية الجنوبية في بيروت، واغتالت السيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في طهران، وهي بذلك ترسل رسالة إلى كل من “حماس” و”حزب الله” وإيران الداعمة لمحور المقاومة في المنطقة: نحن قادرون على الوصول إليكم وتصفيتكم أينما كنتم ولن تحميكم إيران أو حرسها الثوري.
الاغتيالات بالتأكيد لها تأثير سلبي في حركات المقاومة وهي جزء من الحرب النفسية التي تشتها إسرائيل عليهم لتربك حركتهم وخططهم إلى حين، لكنها لا تحقق انتصارات ميدانية في ساحة القتال والاشتباك، ولن تمر هذه الاغتيالات مرور الكرام، فهي تحدث في زمن الحرب، والمنطقة كلها ملتهبة، وإسرائيل تزيد الحرائق اشتعالًا، والله وحده يعلم إلى أين تتجه المنطقة بعد هذه الحماقة الإسرائيلية المراد بها الانتقام وليس إحراز نصر؟
وأنا بصفتي مواطنة مصرية عربية أعرب عن حزني وألمي الشديدين لاستشهاد السيد إسماعيل هنية -رحمه الله- وأدخله فسيح جناته، وأتقدم بخالص العزاء لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في فقيدها الغالي، وأقول: من كان يقاتل من أجل إسماعيل هنية فإسماعيل هنية قد مات، ومن كان يقاتل من أجل فلسطين، فهي حية لن تموت بفضل أبنائها وعزمهم وصبرهم على المحن.. والله معكم.