«توسيع إسرائيل».. ماذا يقصد ترامب؟!

ترامب في مؤتمر انتخابي بولاية بنسلفانيا (رويترز)

وقف دونالد ترامب أمام حشد من مناصريه ضمن جولاته الانتخابية الأخيرة، قائلاً إن إسرائيل “بقعة صغيرة على الخريطة في الشرق الأوسط الكبير” وإن هذا الأمر لطالما جعله يفكر في كيفية توسيع هذه البقعة.

هذه التصريحات لم تكن مجرد مزايدة انتخابية، بل هي تعبير عن رؤية سياسية متجذرة تتجاوز حدود تصريحاته المثيرة للجدل لتلامس جوهر السياسات الغربية تجاه المنطقة.

قد يقول قائل إن هذه التصريحات التي ذهب بها ترامب بعيداً في أحلامه ليست سوى محاولة لاستقطاب اللوبي الصهيوني لكسب معركة الانتخابات الرئاسية، لكن المتعمق فيها يكتشف أنها نهج استعماري مستمر، يسعى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتماشى مع المصالح الإسرائيلية والغربية، فعندما ننظر إلى هذه التصريحات في سياق التاريخ، نجدها تتقارب بشكل لافت مع وعد بلفور لعام 1917، الذي منح بريطانيا بموجبه دعمًا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب السكان الأصليين.

كلا التصريحين، لبلفور وترامب، رغم الفارق الزمني بينهما، يشتركان في فكرة توسيع إسرائيل بما يطلق عليه ” إسرائيل الكبرى” على حساب حقوق شعوب المنطقة.

ربما تجيب تصريحات ترامب وتطلعاته في حال فوزه على سؤال يردده العرب والفلسطينيون هذه الأيام بكثرة، ماذا لو عاد ترامب إلى البيت الأبيض؟ سيناريو مقلق يثير الكثير من الاحتمالات المظلمة، فخلال جولاته الانتخابية، صعد دونالد ترامب من لهجته تجاه حركة حماس، مجسدًا موقفه المتشدد في سلسلة من التصريحات النارية، من وصفه للحركة بالإرهابية، إلى دعوته الصريحة لسحقها بشكل نهائي.

لم يتوقف خطاب ترامب عند هذا الحد؛ فقد تعهد بقمع أي احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين على الأراضي الأمريكية، مهددًا بطرد الطلاب المتظاهرين وترحيل كل من يتعاطف مع حماس من الأجانب المقيمين. هذه التصريحات تعكس صورة مرشح لا يكتفي بالكلام، بل يعد بإجراءات حاسمة قد تعيد تشكيل مشهد الصراع بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني بشكل مأساوي إذا ما عاد إلى البيت الأبيض.

   تعزيز التطبيع وتوسيع المستوطنات

 

لعل الملف الخارجي الأبرز الذي سيعمل ترامب على استكماله في حال فوزه، المضي قدما بقطار التطبيع الذي توقف- مؤقتا- بعد حرب إسرائيل على غزة، ومن المحتم أنه سيعمل جاهداً على دفع المزيد من الدول العربية والإسلامية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

الأمر المؤكد أيضاً أن ترامب سيسعى إلى تنفيذ ما يسمى ب “صفقة القرن” التي اقترحها خلال ولايته الأولى، هذه الصفقة التي كان من المفترض أن تشكل حلاً للنزاع بين شعب اغتصبت حقوقه وكيان محتل، تميزت بانحياز واضح لصالح إسرائيل وأدت إلى تطبيع العلاقات بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، مما ترك آثارًا سلبية كبيرة على حقوق وتطلعات الفلسطينيين.

ومن المرجح أن يعمل ترامب على تسريع وتيرة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مما يشكل تهديداً كبيراً على مستقبل الدولة الفلسطينية، كما أن تجربة ترامب السابقة تشير إلى احتمالية تقليص أو حتى وقف المساعدات المالية والإنسانية المقدمة للفلسطينيين من خلال منظمة ” الأونروا”.

   عودة إلى السياسات الصارمة

فوز ترامب سيعني عودة إلى السياسات الصارمة بحق الفلسطينيين وتجاهل حقوقهم التي انتهجها خلال ولايته الأولى، وسيكون هذا الفوز بمثابة ضربة قاسية للفلسطينيين في محاولاتهم لانتزاع حقوقهم وسيكون عليهم مواجهة تحديات أكبر على المستويين الداخلي والدولي في ظل إدارة تمضي قدماً في تنفيذ “صفقة القرن” بشروطها المجحفة.

وفي حال فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية، فإن العلاقة بين إدارته وحركة حماس ستشهد تصعيداً واضحاً، مع تداعيات خطيرة على الوضع في غزة وعلى الصراع بشكل عام، فخلال ولايته الأولى، شدد ترامب على موقفه من حماس باعتبارها منظمة إرهابية، ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه، بل ويتصاعد، وربما قد نرى إدارة ترامب تفرض عقوبات جديدة على الجهات أو الدول التي تدعم حماس، وربما تزيد من جهودها لمنع وصول التمويل إلى الحركة.

ترامب سيمنح تل أبيب “ضوءًا أخضر” لمزيد من العمليات العسكرية لسحق حماس في غزة، فخلال فترة رئاسته الأولى، لم يكن ترامب متردداً في دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، وبالطبع فإن إسرائيل قد تستغل هذه الفرصة لتكثيف ضرباتها على قطاع غزة تحت ذريعة القضاء على التهديدات الأمنية، ما يزيد من معاناة السكان ويفاقم الأزمة الإنسانية.

 

    احتمالات المواجهة المفتوحة

لكن ماذا عن إيران، الحليف الرئيسي لحماس؟  وماذا ينتظرها في حال فوز ترامب؟

هنا يمكن أن نستخلص الإجابة من خلال استعراض فترة رئاسة ترامب الأولى وتعامله مع إيران، فخلال تلك الفترة شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران توترات حادة، خاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية القاسية على طهران. هذه الخطوات وضعت المنطقة على حافة مواجهة عسكرية، كما رأينا في حادثة اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، في يناير 2020، لذا فإن إعادة انتخاب ترامب قد تعني استمرار هذا النهج التصعيدي، وربما دفع باتجاه مواجهة مباشرة.

هذه السياسات قد تؤدي أيضاً إلى تباعد بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية الحليفة لها، التي تسعى إلى الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران وتجنب أي تصعيد عسكري في المنطقة، هذا التباعد قد يؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، حيث قد تجد الدول الأوروبية نفسها في موقف معارض لواشنطن، ما يعقد الأمور على صعيد التعاون الدولي لحل النزاعات في المنطقة.

في نهاية المطاف، فوز ترامب سيعني استمراراً للسياسات الصارمة التي تجاهلت بشكل كبير حقوق الفلسطينيين وأدت إلى تعميق الأزمات في المنطقة، وهذا الفوز سيضع الشرق الأوسط أمام تحديات جديدة، حيث ستكون احتمالات التصعيد مع إيران وخطط توسيع حدود إسرائيل على رأس قائمة المخاوف.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان