حفرة نتنياهو.. ولماذا تأخر الرد الإيراني؟!
لا تخفي الغطرسة التي يظهرها نتنياهو حالة الخوف والرعب التي يعيشها المستوطنون في الكيان الصهيوني، فمنذ أكثر من 10 أشهر انتهى الأمن واختفت حالة الرفاهية ورغد العيش التي يعيشها الإسرائيليون، ولا أمل في استعادة ما كانوا عليه قبل طوفان الأقصى، فالحياة في الملاجئ تحت الأرض أصبحت من ضرورات الحياة اليومية، حيث يدب الهلع مع انطلاق صافرات الإنذار في الشمال والجنوب والوسط وحتى في العاصمة تل أبيب.
في ترجمة دقيقة للشعور العام في الكيان يأتي ما نشرته مؤخرا الصحافة الإسرائيلية عن “حفرة يوم القيامة” المشيدة تحت تلال القدس والمحصنة ضد الزلازل والقنابل النووية، التي بناها الشاباك لتكون المخبأ الذي يحتمي به نتنياهو ومعاونوه، وتتصل الحفرة بممر تحت الأرض بحفرة الكرياه في تل أبيب، التي يدير منها نتنياهو وحكومته العدوان على غزة، وبها يلتقي الوزراء وقادة الجيش والأجهزة الأمنية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالثورة السورية من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
المعارضة السورية تسترد الدولة وتقطع الطريق على التقسيم
من تحرير سوريا.. إلى بيع عبد الناصر!
ربط الحفرة بـ”يوم القيامة” متعمد لإرهاب الآخرين، فمصطلح “يوم القيامة” يلصق دائما باستخدام تجهيزات وأسلحة الدمار الشامل، وكأن مجموعة من الدول التي تمتلك القنابل النووية وتمنع غيرها هي التي تحدد مستقبل البشرية ومتى يكون يوم القيامة، ويغيب عن هؤلاء الحمقى أن فكرة التفوق العسكري المطلق للكيان الصهيوني المدعوم من الدول الغربية قد انتهت، فحتى لو ألقوا قنابلهم القذرة على عشرات المدن فروح المقاومة لم تعد تقبل الاستسلام.
أمامنا معجزة حية في غزة، فبرغم استخدام ما يزيد على 80 ألف طن من القنابل المتطورة التي يقدرها بعض العسكريين بما يساوي قنبلتين نوويتين ما زال الفلسطينيون صامدين يرفضون الاقتلاع من أرضهم، وما زالت حماس وفصائل المقاومة تواصل التصدي ببسالة لجيش الاحتلال الذي تسانده جيوش الغرب مجتمعة بالمال والسلاح والجنود، وهم في كامل قوتهم وكأنهم في بداية الحرب.
تأخر الرد الإيراني والثأر لاغتيال إسماعيل هنية
كان المقصود من النشر الإعلامي عن مخبأ نتنياهو المحصن والحفرة المشيدة بأعمدة الفولاذ هو محاولة لطمأنة الإسرائيليين، وإظهار الاستعداد والجاهزية أمام الرد الإيراني المتوقع، فالحفرة مجهزة بجميع وسائل القيادة والسيطرة، لكن تصوير الاستعدادات بهذا الشكل أثار الفزع أكثر فأكثر، وتسبب في إرهاب المستوطنين، فإذا كان رئيس الوزراء يبحث عن مكان بكل هذا التحصين ليختبئ فيه فماذا عن باقي الإسرائيليين الذين يطالهم التهديد من شمال الكيان حتى جنوبه.
تعمد الإيرانيون ومعهم حزب الله بالاتفاق مع الفلسطينيين تأخير الرد للضغط على الأمريكيين والإسرائيليين لقبول وقف إطلاق النار، وأبدوا استعدادهم لإلغاء الرد إذا توقف العدوان على غزة، لكن يبدو أن نتنياهو مصر على السير في طريق الحرب وتوسيعها؛ ولذلك استمر الإيرانيون في التهديد بالرد، ونشر الإعلام الإيراني توقيتات محددة للهجوم للتلاعب بأعصاب الإسرائيليين، وأذاع حزب الله فيديو مدينة الصواريخ الضخمة “عماد 4” المحفورة في جبال لبنان للردع والتخويف.
حاولت الدبلوماسية الأمريكية والأوروبية امتصاص الغضب الإيراني لتأجيل الرد وشراء الوقت، وبعثوا برسائل لتهدئة إيران؛ إما بترويج أخبار كاذبة عن اقتراب الوصول إلى إنهاء الصفقة وحل النقاط الخلافية للوصول إلى وقف الحرب، وإما بالتهديد بالرد على الهجوم الإيراني، والتلميح بضرب المنشآت النووية وهو المطلب الإسرائيلي الذي يحلم به نتنياهو، لكن مع ثبوت التلاعب الأمريكي وأن إدارة بايدن تابعة لنتنياهو وليس العكس؛ لم يعد أمام إيران غير الانتقام دفاعا عن سيادتها ولردع العدو الذي لا يريد أن يتوقف عن عملياته في داخل إيران.
الحسابات صعبة بسبب غموض النتائج
من الواضح ان نتنياهو لن يتوقف عن السعي لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وكان واضحا هذا التوجه منذ قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، فهو يريد استفزاز الإيرانيين للرد ليقوم هو بالرد على الرد وإنجاز المهمة، لكن لم يكن بايدن والحلفاء الأوروبيون مستعدين لضرب إيران في هذا الوقت، واقتصر الجهد الأمريكي على حشد الجيوش الغربية للتصدي لهجوم المسيّرات والصواريخ، والضغط على الإسرائيليين ليكون الرد بسيطا لاحتواء المواجهة.
منذ الرد الإيراني في إبريل/نيسان لم يتوقف الإسرائيليون عن تقديم المبررات للضغط على الأمريكيين والأوروبيين لإقناعهم بالموافقة والمشاركة في ضرب إيران، فقدموا معلومات مضللة من خلال تقرير لهيئة الطاقة الذرية يتهم إيران بإدارة منشآت سرية لتخصيب اليورانيوم، تبعها تقديم الدول الأوروبية الثلاث ألمانيا وفرنسا وبريطانيا لقرار يدين إيران أمام مجلس المحافظين بهيئة الطاقة الذرية حظي بالأغلبية واعتراض الصين وروسيا.
يخشى الأمريكيون من اتساع الحرب والانتقام الإيراني، فالأوراق التي تمتلكها طهران كثيرة ومؤثرة، فالمفاجآت في التسليح متوقعة، وستكون موجعة، وقد تكون بداية الخروج العسكري الأمريكي الغربي من القواعد العسكرية في منطقة الخليج التي تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية، وإذا اشتعلت الحرب الشاملة فسيضرب الشلل التجارة الدولية في مضيقي هرمز وباب المندب والمحيط الهندي، وسيتوقف ضخ معظم النفط من منطقة الخليج، وهو ما ستترتب عليه انعكاسات ضخمة يصعب حصرها.
هدفهم قصف المشروع النووي
بعد الرد الإيراني السابق دارت عجلة الإدانة والتخويف من المشروع النووي، والزعم بأن الإيرانيين يقتربون من تصنيع القنبلة، والتهيئة للحشد الدولي، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين الإيرانيين إلى التهديد بصناعة السلاح النووي إذا تجرأ الكيان الصهيوني وهاجم المنشآت النووية، ففي شهر مايو/أيار قال رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية في إيران كمال خرازي: “إذا كان وجود إيران مهددا، فسيتعين علينا تغيير عقيدتنا النووية”، وقبله أكد رئيس البرنامج النووي الإيراني السابق علي أكبر صالحي “أن النظام يمتلك أساسًا كافة المكونات التي يحتاجها لتصنيع سلاح نووي”، ونقل الإعلام الإيراني تصريحات لقائد حرس حماية وأمن المراكز النووية العميد أحمد حق قال فيها: “إذا أراد الكيان الصهيوني استخدام التهديد بمهاجمة المراكز النووية فإن من المرجح مراجعة العقيدة والسياسات النووية والعدول عن الاعتبارات المعلنة في السابق”.
وفقا للتقديرات الأمريكية فإن الإيرانيين رفعوا نسبة تخصيب اليورانيوم، ويديرون منشآت سرية بعيدا عن عيون مفتشي هيئة الطاقة الذرية، ولديهم القدرة -إذا أرادوا- على تصنيع سلاح نووي واحد خلال أسبوع، وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي بلينكن وآخرون في مؤتمر أسبن للأمن في كولورادو بأن إيران تستطيع تصنيع بضع قنابل في أسابيع قليلة، وإذا كان الأمريكيون يبالغون -وهو الاحتمال الأقرب- لشيطنة المشروع النووي لحشد الدعم الغربي لقصفه، فإن الإيرانيين لا يغيب عنهم حجم التربص بمشروعهم والنية للقضاء عليه.
يعلم الإيرانيون أن العدو إن لم يرتدع فسيواصل غطرسته، وسيوجه لهم المزيد من الضربات، وفي ظل ما نراه من دعم وتأييد أمريكي وأوروبي مطلق سيتجرأ الاحتلال الإسرائيلي على ضرب مشروعهم النووي حتى وإن لم يردوا ويثأروا للبطل الفلسطيني إسماعيل هنية، وبالتأكيد استعد الإيرانيون لكل الاحتمالات، ولن ينتظروا حتى تقصف منشآتهم، وقد يُفاجَأ الإسرائيليون والأمريكيون بأن الإيرانيين أُجبروا بدون إعلان على ما كانوا يترددون في الإقدام عليه، وينقلب السحر على الساحر.