عاجل لثوار بنغلاديش: التحالف مع الجنرالات به سم قاتل!

أسر شهداء ومصابين في الثورة ببنغلاديش ينضمون إلى مظاهرات تطالب بالعدالة (رويترز)

“من يصنع نصف ثورة يحفر قبره بيده”.. المقولة للمفكر ماو تسي تونغ، صدح بها في وجه من دعاه إلى وقف مسيرته الطويلة التي قادها عام 1934 وأسفرت عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ويدرك صدقها جيدا من عاصروا ثورات الربيع العربي المغدورة.

واليوم تتجه الأنظار صوب انتفاضة بنغلاديش، التي أطاحت بحاكمة مستبدة حكمت بالحديد والنار طيلة 15 عاما، فهل يستكمل ثوار بنغلاديش ثورتهم أم يسمحون للجنرالات بسرقتها؟!

نصف ثورة.. نصف انقلاب

كان من الواضح، وبحلول الخامس من أغسطس/آب الجاري، أن الثورة تتجه إلى تحقيق نصر حاسم، بعد أن استجابت الجماهير، بشكل لم يسبق له مثيل، لنداء حركة “طلاب ضد التمييز” بالدخول في عصيان مدني وإضراب عام.

ولم تستطع قوات الشرطة والجيش منع الجماهير من اقتحام مبنى التلفزيون، وشوهد عمال قطاع الملابس، الذين يُنتجون نحو 85% من إجمالي صادرات البلاد، وهم يغادرون المصانع وينضمون إلى الثورة.

وكان مشهد الملايين المحتشدة، وخروج الموظفين من المؤسسات، معبّرا عن إمكانات هائلة للتجذير، وهنا بالضبط قرر الجنرالات وكبار رجال الأعمال والحلفاء الدوليون التخلي عن رأس النظام.

وأفادت وسائل إعلام بأن محادثات جرت بين رئيس الأركان وزعماء حزب حسينة، لبحث كيفية الحفاظ على النظام، مع تنصيب وجوه جديدة من الأحزاب الأخرى، وربما شخصيات أخرى غير ممثلة من “المجتمع المدني”، لم يفعلوا شيئا لتحقيق هذا النصر، لكنهم يريدون جني ثماره.

شرعية ثورية أم دستورية؟

صرَّح منسقو حركة (طلاب ضد التمييز) “نحن لا نريد حكومة عسكرية، نريد حكومة شعبية”، وهذا صحيح! لقد أشاروا بحق إلى أن الجنرال واقر الزمان هو صهر الشيخة حسينة، موضحين أنه “لا يمكن أن نتوقع منه أن ينصف الشهداء”، وهذا صحيح مرة أخرى!

لكنهم لم يستثمروا اللحظة الثورية، ليشكلوا حكومة من قلب الميدان، ولم يواصلوا الانتفاض للإطاحة بالجنرالات، الذين شاركوا في مذابح خلفت نحو 600 محتج، حسب تقديرات أممية.

وبدلا من ذلك، أكدت الحركة في بيان أنها ستكون الشريك الرئيسي للحكومة، وستعمل على تحقيق أحلام الطلاب، إثر موافقة الجيش على تسمية مرشحها صاحب نوبل محمد يونس رئيسا للوزراء، إلى جانب استوزار اثنين من منسقي الطلاب.

المفاجأة أن رئيس حكومة “الثورة”، وهو خبير اقتصادي ليبرالي بنى شهرته باعتباره مصرفي الفقراء، كان حريصا على إعلان استمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي، الذي أدت سياساته إلى تخفيض قيمة العملة، وارتفاع تكلفة الواردات، وغلاء الأسعار.

ولم يكتف بذلك، بل ولدفع “عجلة الإنتاج”، وطمأنة المستثمرين والمشترين الدوليين، أنشأ يونس فرقة عمل جديدة لحماية المنشآت الصناعية، ونشرت الجيش لحراسة المصانع، بدلا من رفع مرتبات عمال خاضوا نضالات واسعة لتحسين أوضاعهم.

فخ “الانتخابات أولا”

يحاول قائد الجيش قيادة “انتقال منظم”، للتأكد من عدم وقوع السلطة في أيدي الطلاب الثوريين، ولا يوجد في هذا السياق أفضل من تمسكه بإجراء انتخابات خلال 90 يوما، وفقا لدستور “العصر البائد”.

وفي هذا السياق، تعهد يونس -حسب مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية- بأنه سيبذل كل ما في وسعه لضمان “تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في الأشهر المقبلة”، مضيفا أن أولويته ستكون استعادة “القانون والنظام”.

ولم يفت قائد الجيش فتح قنوات الاتصال مع القوى السياسية الرئيسية، وهما الحزب الوطني بقيادة خالدة ضياء، المتوقع فوزها بأغلبية كبيرة، إلى جانب حليفتها الجماعة الإسلامية (الإخوان المسلمون) التي تعرَّض قادتها بدورهم لتنكيل واسع من قِبل حسينة، قبل أن تحظرها يوم 29 من يوليو/تموز.

وكان الحزبان قد أعلنا مع قوى أخرى تأييدهم لمطالب الطلاب، لكن الحركة الطلابية المنسقة والمنضوية تحت لواء “طلاب ضد التمييز” كان لها الكلمة الأولى في الاحتجاجات الشعبية دون منازع.

وبعد هروب حسينة عقد الجنرال اجتماعا عاجلا مع زعماء الأحزاب السياسية الرئيسي، نوه فيه إلى مرور البلاد بمرحلة ثورية، وطلب منهم الهدوء، واتفق على تشكيل حكومة مؤقتة تدير البلاد، كذلك اتفق مع الرئيس البنغالي محمد شهاب الدين على إطلاق سراح معتقلين من بينهم قادة بالجماعة الإسلامية ورئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء.

ويبدو قادة المعارضة منسجمين مع خطة الجنرال حتى الآن، تداعبهم -فيما يبدو- أحلام السيطرة على البرلمان. وفي هذا السياق، دعا رئيس حزب بنغلاديش الوطني بالإنابة طارق الرحمن إلى إجراء انتخابات “في أقرب وقت ممكن”.

بدوره، أكد زعيم الجماعة الإسلامية شفيق الرحمن “استعداد الجماعة للتعاون الكامل مع الإدارة الجديدة”، ولحماية الأقليات بما في ذلك الهندوس، داعيا إلى إجراء انتخابات في أقرب وقت، وطالب المغتربين بالعودة لإرسال التحويلات المالية التي توقفت خلال الاحتجاجات.

روشتة “الانتخابات أولا” قبل تطهير المؤسسات وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والقوات الأمنية وتحسين أوضاع الطبقات الشعبية، ليست جديدة، فقد جربتها الثورة المصرية، وكانت النتيجة فوز الإسلاميين في الانتخابات ثم الانقلاب عليهم.

المسار الثوري!

ولكن الحالة الثورية ما زالت متقدة، ومطالب القصاص والتطهير والعدالة تملأ الميادين، وبالفعل استقال العديد من نواب رؤساء الجامعات ومديري المدارس، كما تمت الإطاحة برئيس المحكمة العليا، وأعداد واسعة من قادة المؤسسات الأمنية.

وبعد إعلان ضباط حركة المرور إضرابهم، بادر الطلاب إلى تنظيم حركة السير، شاغلين “فراغات الدولة”، وعلّق أحد المحتجين لشبكة (سي إن إن) “حسينة رحلت، لكن الطريق إلى العدالة لا يزال طويلا”.

وقال ناهد إسلام، القائد الطلابي ووزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على فيسبوك “لن نخون دماء الشهداء، وسننشئ دولة ديمقراطية جديدة”، مضيفا “مطالبنا ليس إجراء انتخابات فقط، ولكن إجراء إصلاحات في كل مرافق الدولة”.

ما العمل؟

لقد حققت الحركة الطلابية، بدعم شعبي واسع، مطلبها بإزاحة حسينة، لكن النظام الذي يمتد جذوره عبر قمة الجيش، والمؤسسة السياسية برمتها، والشركات الكبرى، لم يسقط بعد.

والتغيير المنشود لن تحدثه الأمنيات الطيبة، بل يحتاج إلى حزب ذي بوصلة ثورية يستطيع استكمال الثورة، عبر نسج التحالفات والجبهات اللازمة، وهو ما يبدو غائبا حتى الآن عن المشهد.

وفي هذا السياق، كشف نور نبي -أحد منسقي حركة الطلاب- لـ”دكا تريبيون” أن “الجهود تُبذل لتشكيل حزب سياسي، مع أولئك الذين شاركوا بشكل مباشر في الكفاح الثوري”.

وحتى يحدث ذلك، تحتاج حركة الطلاب إلى تطوير حركتها بخلق هياكل ديمقراطية، وانتخاب منسقيها، وتنظيم الجماهير في لجان بأماكن العمل والأحياء، وأن ترفض بوضوح سياسات الليبرالية المتوحشة التي أفقرت الجماهير، وأدّت إلى “امتلاك شريحة 10% الأعلى من السكان أكثر من 38% من ثروة البلاد، في حين تسيطر شريحة 40% الأدنى من السكان على 14% فقط”.

وحسب أحد قادة الاحتجاجات، الذي يترأس وزارة الشباب والرياضة، آصف محمود “إننا نحمل مسؤولية كبيرة. لم نفكر، ولم يكن لدينا طموح، أن نتولى مثل هذه المسؤولية في هذا العمر. نعم، هناك ضغط، ولكن هناك ثقة أيضا”.

نعم، هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق ثوار بنغلاديش وقواها السياسية، ليس فقط أمام جماهيرها الجوعى للعدل والحرية، ولكن أيضا أمام ثوار العالم وجماهيره التي تتوق بدورها إلى الانتفاض. فيا أحرار بنغلاديش، التحالف مع الجنرالات فيه سم قاتل، نأمل ألا تتجرعوه.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان