عذرا غزة.. فقد ألفنا مشاهد القتل
ما زالت غزة تقاتل وحدها، تتحمل عبء الأمة التي خارت نخوتها وتحطم كبرياؤها وأصبحت ركامًا وحطام أمة، ما زالت مشاهد القتل والحرق تطالعنا صبح مساء ولا نتحرك عاجزين عن الفعل.
تمادى بنا الهوان فصرنا عاجزين عن الكلام والصراخ تنديدًا أو تضامنًا مع ما يحدث بالجوار وبالقرب منا على حدودنا، وتناسينا روابط العروبة والإسلام والدماء التي تسري بيننا وبين القتلى والشهداء في غزة وفلسطين.
دماؤنا التي صارت ماء وروابطنا التي تقطعت ألفت أطفالًا دون أذرع وأقدام، وتناثرت أجسادهم من شدة قنابل الولايات المتحدة الأمريكية حليفة أمة العرب والمسلمين التي تقدمها يوميًا هدايا للجيش الصهيوني الذي يعبث في فلسطين كلها، وفي المقدمة من أراضيها غزة والضفة الغربية.
أحياء ومناطق كاملة ما زال جيش الكيان الصهيوني المحتل يبيدها عن بكرة أبيها، يقتل النساء والأطفال والرجال، والعالم عاجز عن إيقاف هذا الجيش البربري.
يستهدف إعلاميي القنوات الفضائية العربية ومراسلي القنوات الأجنبية حتى لا يصبح للقتل صوت، يريدون أن يتم خرسًا وفي هدوء وصمت، وحسنًا فعل بعض الصحفيين في وقفة احتجاجية بمعرض الكتاب العربي في إسطنبول حينما خلعوا عن أجسادهم سترات الصحفيين وخوذاتهم عندما أعلن أحد الصحفيين القادم من غزة أنها أصبحت لا تعني شيئًا، وأن الصهاينة -تتار العصر- لا يفرقون بين من يرتدي سترة الصحافة والمدنيين من أهلنا في غزة.
عذرًا غزة لم يألف فقط الحكام والساسة والقادة مشاهد قتلكم، بل صارت الألفة بين أبناء الشعوب في أنحاء العالم كله، وتضاءلت التظاهرات ضد القتل والتشريد والتجويع، والنسف الذي تتعرضون له، وغابت صوركم وأخبار قتلاكم حتى عن وسائل التواصل، ولم يعد في أرض العرب والمسلمين من يتذكركم إلا القليل.
عشرة شهور ونصف الشهر تقاتلون وحدكم، تقتلون وحدكم، تجوعون وحدكم، وتبحثون عن شربة ماء وحدكم، ولا تترجون من العالم إلا أن يكون صوتًا لكم ينشر صورًا لمذابحكم، ليذكر العالم ببربرية الكيان الصهيوني.
لا تطلبون دعمًا رغم أنكم تحتاجون الدعم وبشدة، تعطون الأعذار لمن يتخلف عن مساعدتكم، وأنتم وهم يعرفون أنكم تدافعون عنهم تتصدون لجيش وجيوش لن تتوقف عند غزة وفلسطين، وستتمدد إلى دول أخرى تظن أنها بالاستسلام بعيدة عن قنابل الصهاينة والأمريكان.
عذرًا موسى أبو مرزوق
من أيام صرّح موسى أبو مرزوق أحد قادة حركة المقاومة الإسلامية أن “مصر تستطيع وقف الحرب على غزة في يوم واحد إن أرادت وأن مصر لا يمكن اعتبارها وسيطًا بيننا وبين الكيان الصهيوني”.
صدقت سيدي نحن لسنا وسطاء مع العدو نحن أصحاب القضية، نحن منكم سيدي وأنتم منا، لا نتخلى عنكم وأنتم حائط صدنا الأول ضد هذا الكيان الذي يربى أبناءه أن مصر جزءًا من دولته المزعومة.
عذرًا سيدي القائد الذي يعرف أننا أمة وحدة ودولة واحدة ولا ننفصل.
عذرًا أخي الذي يحمل سلاحه وروحه لنبقى نحن، لم يعد فينا سليمان خاطر، ومحمود نور الدين وخالد عبد الناصر، لم يعد فينا أيمن حسن ومحمد صلاح ليخترق الجدار الفاصل ويشارككم القتال وقتل الصهاينة.
عذرًا أخي القائد، عذرًا أطفال غزة، عذرًا نساء غزة الصابرات الصامدات النموذج الأمثل للمرأة العربية والمسلمة، عذرًا شباب غزة الذين يتغنون بالقليل الذي يأتي من مصر، ويناشدون أهلها مد يد المشاركة، عذرًا لكل من يعيش على أرض فلسطين وغزة فقد صرنا مجرد أناس يهيمون في خلاء صحراوي كبير، ولم يعد لدينا قدرة على رفع أعلام فلسطين في نوافذ منازلنا.
لن نكون يهود التيه
نعم يا سيدي القائد موسى أبو مرزوق هي لحظة صمت وصبر فقط يا أخي، يا كل أخواتي في فلسطين، وفي صبركم وفي مقاومتكم، وفي صمودكم درس لمصر وشعبها، نستلهم منكم النصر، وتمدوننا بمدد إيماني كبير، وعندما تأتي خطفة الزمن سيكون لشعب مصر قراره الذي تتطلعون إليه، بل نتشوق نحن إليه، لن يصبح المصريون يهود التيه أبدًا.
نعم سيدرك المصريون أنهم لا يستطيعون نسيان إخوانهم في غزة وفلسطين، وأن بعضهم من بعض، إنكم يا إخواني تكتبون تاريخ أمة عربية وإسلامية جديدًا، سيكون أهل فلسطين رأس حربة هذه الأمة، سيلحق بكم من أبناء مصر رجال لا تعرفونهم، بل لا نعرفهم نحن، أنتم يا أبناء أمتنا في فلسطين ستقيمون دولة العدل والإيمان والعقيدة التي نحلم بها، نرى هذا في أطفالكم ونسائكم، شبابكم، وشيوخكم، وفي الشهداء منكم، وسيدرككم المصريون والعرب والمسلمون، كلهم، ولعل نصر الله قريب.