التعليم الأزهري يستعيد الصدارة

تلاميذ رياض الأطفال بالأزهر (منصات التواصل)

ما يقرب من 450 ألف تلميذ وتلميذة في مصر، تقدموا للالتحاق بالتعليم في الأزهر، في العام الدراسي الجديد، هو رقم كبير غير معتاد، بخلاف من سيقومون بالتحويل من الصفين الأول والثاني الإعدادي بالتربية والتعليم إلى الأزهر، وهو أمر معتاد سنويًا، من المنتظر أن يرتفع عددهم هذا العام أيضًا، هذا التطور المهم فتح باب المناقشات واسعًا، داخل أروقة التربية والتعليم والأزهر من جهة، وداخل المنتديات الجماهيرية والأسرية من جهة أخرى، نظرًا لأهمية القضية على المستويات كلها، الوطنية والاجتماعية والتعليمية، وغيرها.

إذا استثنينا موضوع أسعار السلع وارتفاعها غير المنطقي في مصر، فلا جدال على أن موضوع التعليم يستحوذ على النسبة الأكبر من المناقشات في الأوساط كلها من وجوه عدة أهمها: الترتيب المتدني للعملية التعليمية في التصنيفات الدولية، وأيضًا لأن تعليم طفل واحد قد يكلف الأسرة نصف دخلها الشهري، والأمر الأهم هو عدم الاستقرار فيما يتعلق بنظام التعليم، من حيث نوعية المناهج وعددها، طرائق الامتحانات وثغراتها، مستوى المعلمين وعجز أعدادهم، إلى غير ذلك من كثير، نتج عنه في نهاية الأمر، انقطاع التلميذ عن المدرسة طوال العام، اعتمادًا على ما يعرف بـ”السناتر” أو الدروس الخصوصية.

بالتأكيد كانت هذه الأمور وغيرها، سببًا رئيسًا في ذلك التوجه الأسري نحو التعليم الأزهري، الأكثر استقرارًا من الوجوه كلها، والأقل تكلفة، بعد سنوات طويلة من التطوير والتحديث، كان الأزهر يعاني خلالها من قلة، وربما ندرة، عدد المتقدمين الذين كانوا يرون في مناهجه صعوبة شديدة، من حيث إمكانية تحصيل الطالب لها أو استيعابها، سواء من حيث عدد المناهج مجتمعة، أو حجم كل منهج على حدة، وهو الأمر الذي تم التعامل معه إما بضغط المنهج الواحد، كالفقه والنحو، أو ضغط بعض المواد مع بعضها البعض، كالحديث والتفسير.

الإصلاح من الداخل

وإذا وضعنا في الاعتبار أن عدد سنوات الدراسة بالأزهر الآن، أصبحت متطابقة مع عدد سنوات الدراسة بالتعليم العام، فإن ذلك في حد ذاته كان سببًا رئيسًا في حل الأزمة، ذلك أن سنوات الدراسة في السابق بالمرحلة الإعدادية الأزهرية كانت أربع سنوات، بينما المرحلة الثانوية كانت خمس سنوات، بفارق ثلاث سنوات إجمالًا عن التعليم العام، وهو ما كان يمنح التعليم العام الأفضلية، الأمر الذي جعل العزوف عن الأزهر واضحًا، حيث خلت الفصول تقريبًا في بعض المعاهد، التي يتم إنشاء معظمها بالجهود الذاتية، على خلاف مدارس التربية والتعليم.

وفي محاولة للعلاج، سمح الأزهر في منتصف سبعينيات القرن الماضي للحاصلين على الشهادة الإعدادية بدخول المرحلة الثانوية الأزهرية، دون النظر إلى المجموع، ودون الحرص على حفظ القرآن الكريم، وقد كانت التجربة فاشلة بالمقاييس كلها، لذا لم يستمر الأمر طويلًا، حتى بدأ الإصلاح من الداخل، أملًا في جذب تلاميذ مرحلتي الروضة والصف الأول الابتدائي، وهو الإصلاح الذي أتى ثماره عامًا بعد عام، مع الوضع في الاعتبار أن التعليم الأزهري لم يكن في السابق يتضمن المرحلة الابتدائية، حيث كان الالتحاق يبدأ، مما يعرف بالكتاتيب، إلى المرحلة الإعدادية مباشرة.

مع كتابة المقال، تواصلت مع الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، وعضو كبار هيئة العلماء، للوقوف على بعض التفاصيل فقال: إن عدد المتقدمين هذا العام ضعفا العدد في الأعوام السابقة، وربما لا يكفي عدد المعاهد على مستوى الجمهورية في استيعاب هذه الأعداد، إلا أن فضيلة الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر، يرفض تحديد عدد للمقبولين، لأنه يأبى من حيث المبدأ رفض أي تلميذ يأمل هو وأسرته الانضمام للتعليم في الأزهر.

الدكتور شومان أوضح أن هناك 25 دولة حول العالم فيها معاهد أزهرية، تقوم بتدريس المواد نفسها التي تدرس بالأزهر في مصر، كما أن هناك الآن مائة كلية أزهرية في مختلف محافظات مصر، وبالتالي فإن زيادة عدد الطلاب، سوف يتطلب زيادة أعداد الكليات في المستقبل، إلا أنه يرى ألا مجال للتنافس مع التعليم العام، ذلك أن المصلحة وطنية في نهاية الأمر، وهو ما يتطلب التنسيق بين محاور العملية التعليمية كلها، من خلال لجنة عليا، بما يصب في النهاية للصالح العام، إلا أن الملاحظ أن النقص الكبير في عدد المدرسين في هذه وتلك نتيجة وقف التعيينات منذ سنوات، يظل نقطة ضعف تهدد العملية التعليمية ككل.

حقل تجارب لا ينتهي

لا خلاف على أن التعليم في مصر يمر بمرحلة دقيقة للغاية، إلا أن الأسوأ على الإطلاق هو أن هذه المرحلة قد طال أمدها، بما جعل من المدارس الدولية، باهظة التكاليف، حلم أي أسرة تسعى إلى تعليم أبنائها كما يجب أن يكون، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار. كثافة الفصول في التعليم الحكومي، التي تزيد على مائة تلميذ في بعض الأحيان، ناهيك من ضعف مستوى المعلمين، وركاكة الكتاب المدرسي، بل عدم الحاجة إليه، في ظل أفضلية الكتب الخارجية، وغير ذلك من كثير، أسهم في تردي الأوضاع إلى هذا الحد.

الغريب في الأمر، هو أنه على الرغم من أن مصر قد تكون الأقدم على الإطلاق بين دول المنطقة، فيما يتعلق بإنشاء المدارس والجامعات، وجودة المدرس والمنهج والنظام في المراحل كلها، إلا أن المراقب للعملية التعليمية، سوف يجد أنها الآن بمثابة حقل تجارب، مع كل وزارة جديدة، أو وزير جديد، أو حتى محافظ جديد في بعض الأحيان، مستغلًا بعض الصلاحيات التي تمنح له في هذا الشأن، وهو ما جعل من منظومة التعليم مثارًا للتندر طوال الوقت، في وجود أنواع عديدة من التعليم والمدارس العامة والخاصة والدولية يصعب حصرها، أو طبيعة أهدافها.

تلك الأوضاع كلها منحت الأزهر أفضلية مطلقة خلال السنوات الماضية، خصوصًا إذا توقفنا أمام ما يشاع حول العبث بالمناهج في التعليم العام، لصالح قضايا سياسية معينة، أو دينية محددة، أو حتى أخلاقية عالمية، مع ما يشاع حول التشكيك في جدوى دراسة مادتي التاريخ والجغرافيا تحديدًا، بينما على الجانب الآخر أعلن شيخ الأزهر عن تدريس مادة مختصة بمدينة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، مع الحرص على حفظ القرآن الكريم خلال سنوات الدراسة، وهو الأمر الذي يتوافق مع المزاج المصري العام، وكانت النتيجة الطبيعية هي استعادة الصدارة الأزهرية، فيما يعد استفتاء عامًا حول الدين والأخلاق والتاريخ والجغرافيا في آن واحد.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان