إسرائيل الدولة المارقة واستراتيجية الجنون!
مع استمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة، ارتفعت مشكلة كبح جماح إسرائيل إلى مستوى حرج وغير مسبوق على الإطلاق، خاصة مع الدعم المستمر من الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، غير عابئين بالانتهاكات الإسرائيلية التي تجاوزت كل الحدود.
ورغم الأثمان الباهظة داخليا وخارجيا، والانعكاسات الخطيرة التي تلقي بظلالها إقليميا ودوليا، تواصل إسرائيل بقيادة نتنياهو التصعيد في حربها ضد غزة، وتهديد إيران واستفزازها، ومهاجمة لبنان، واليمن، وإحراج الدول العربية المطبعة معها، ورفع سقف التوترات الإقليمية، في تجاهل واضح لأبسط مبادئ العلاقات الدولية، ويشجعها على ذلك دعم أمريكي أوروبي، وصمت وتخاذل عربي وإسلامي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالدولة العميقة بين حضارتين
لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
وبالنظر إلى السياسات والممارسات الإسرائيلية، خاصة بعد طوفان الأقصى، يمكن اعتبار إسرائيل “دولة مارقة منبوذة”، و”دولة مجنونة” في مجال العلاقات الدولية.
إسرائيل دولة مارقة!
مع استمرار انتهاك إسرائيل كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، تُطرح أسئلة عديدة حول دولة الاحتلال، في مقدمتها: هل ينطبق عليها وصف دولة مارقة ومنبوذة أم لا؟
يكاد يجمع منظّرو العلاقات الدولية على أن الدولة المارقة أو الخارجة عن القانون، هي تلك الدولة التي لا يمكنها التفاعل بإيجابية مع محيطها الإقليمي والدولي، ولا تتورع عن مباشرة ومتواصلة انتهاك القوانين والمواثيق والأعراف الدولية؛ مما يجعلها تمثل خطرا حقيقيا على السلم والأمن الدوليين.
وفقا للعديد من المعايير، تعد إسرائيل نموذجا مثاليا للدولة المارقة، بالنظر إلى ممارساتها وانتهاكاتها المنتظمة والمتواصلة للقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان، إضافة إلى تفاعلاتها السلبية مع محيطها الإقليمي.
هناك انتهاكات إسرائيلية واضحة وموثقة، بعض منها يتمثل في الاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية، وممارسة العنصرية، والتوسع في بناء المستوطنات، وفرض الحصار على غزة، ومنع الغذاء والماء والدواء، وسائر مقومات الحياة عن أهلها.
يضاف إلى ما سبق، المجازر التي تُرتكب يوميا بحق الفلسطينيين، واعتقال الآلاف منهم وتعذيبهم. هذه الممارسات وغيرها تُعد انتهاكا صارخا للقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية والقرارات الأممية.
وإذا أردنا أن نطرح سؤلا حول الانتهاكات التي لم تمارسها إسرائيل؛ فإن الإجابة هي أنه لم يكن هناك انتهاك ممكن للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية إلا أقدمت عليه إسرائيل وأصرّت على ممارسته. وهذا يعني أن إسرائيل دولة مارقة بكل المقاييس.
هل إسرائيل دولة منبوذة؟
منذ حربها الإبادية على غزة، سلكت إسرائيل طريقا سريعا نحو وضعية الدولة المنبوذة عالميًّا، ومرجع ذلك ليس فقط بسبب الوحشية والانتهاكات والإبادة الجماعية التي شاهدها العالم على الهواء مباشرة، واستُشهد على إثرها عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، أغلبهم من الأطفال والنساء، ولكن أيضًا نتيجة القرارات غير المسبوقة من المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية بسب الجرائم ضد الإنسانية.
وفي ظل نظام دولي مهيمن عليه غربيا، فإنه رغم انتهاكاتها، تتمتع إسرائيل بدعم مستمر من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، أحد وجوهه يتمثل في غل يد المؤسسات الدولية عن اتخاذ أي إجراءات ضد إسرائيل لوقف انتهاكاتها، ويُعد حق النقض الذي تشهره أمريكا في وجه أي قرارات أممية ضد إسرائيل مثالا فجًّا لمنع تصنيف إسرائيل باعتبارها دولة “منبوذة” على الساحة الدولية.
على صعيد الرأي العام العربي والإسلامي، ورغم تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل، فإنها تظل غير مقبولة لدى شعوب المنطقة، ويُنظر إليها باعتبارها عدوًّا، ودولة منبوذة.
وعلى جانب الرأي العام العالمي، والتضامن الدولي، فقد تعرضت إسرائيل لخسارة إستراتيجية بسبب حربها على غزة.
وقد توسعت إسقاطات الحرب، ليضاف إلى جانب المأزق العسكري والسياسي الاستراتيجي الإسرائيلي، مأزق خسارة التضامن والدعم العالمي، خاصة الشعبي. وقد بدا واضحا أن إسرائيل أصبحت دولة منبوذة على الصعيد الأكاديمي والفني والثقافي والسينمائي، وبقدر مّا على الصعيد الاقتصادي.
كان من أبرز مظاهر سير إسرائيل نحو طريق الدولة المنبوذة، تلك المظاهرات التي اجتاحت الجامعات الأمريكية، والعديد من الدول الأوروبية، ضد حرب الإبادة على غزة، والمطالبة بمقاطعة إسرائيل، وهذا تحول مؤثر للغاية.
إسرائيل واستراتيجية الجنون المطلق!
هل إسرائيل دولة تسعى للسلام؟ سؤال تجيب عنه الممارسات المجنونة على أرض الواقع، حيث لا تعرف إسرائيل خطوطا حمراء، وتتجاوز في انتهاكاتها كل تصور.
ومع كل تقدم في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، أو اقتراب التوصل إلى هدنة، تُصعد إسرائيل من هجماتها، وترتكب المزيد من المجازر والاغتيالات.
لا شك أن التصرفات الإسرائيلية تثير أسئلة، منها: هل إسرائيل كيان مجنون، تقوده حكومة مجانين بقيادة نتنياهو؟ لماذا لا تلتفت إسرائيل إلى الاشمئزاز العالمي من تصرفاتها، ولا تُلقي بالا لتوسع غضب الرأي العام العالمي من ممارساتها؟
يردد كثيرون أن التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة والمنطقة سببه رغبة نتنياهو في استمرار الحرب؛ لأن ذلك يضمن له الحفاظ على سلطته أطول فترة ممكنة. هذا تفسير سطحي بعيد عن فهم حقيقة الممارسات الإسرائيلية، التي تنطلق من استراتيجية مدروسة بعناية ودقة؛ وهي استراتيجية “الرجل المجنون”، أو “الجنون المطلق”، وهي مفهوم استراتيجي ارتبط في الأصل بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، الذي جسد نظرية مكيافيلي في “التصرف بجنون”.
في كتاب فن الحرب، تقدم استراتيجيات “صن تزو” تلخيصا للتصرفات الإسرائيلية، حيث يقول: “عندما لا يرغب الخصوم في قتالك، فإن ذلك لاعتقادهم تعارض ذلك مع مصالحهم، أو لأنك قد خدعتهم ليظنوا كذلك”.
هذا ما تمارسه إسرائيل بالفعل منذ عقود، لترويض شعوب المنطقة وإشعارها بالعجز عن المواجهة، ويواصله نتنياهو وحكومته بدم بارد من خلال استراتيجية الجنون المطلق، التي تعتمد على خلخلة الاستقرار والتصرف بطريقة غير متوقعة؛ مما يجعل الخصوم يخافون من اتخاذ خطوات جريئة ضد من يعتمد هذا النهج.
من ناحية أخرى، يوفر دعم الحلفاء الدوليين لإسرائيل، وخاصة أمريكا، غطاء إضافيا لانتهاج استراتيجيات متهورة، وتظل هي في مأمن من التداعيات، اعتمادا على أن أي تصعيد ضدها عواقبه ستكون غير متوقعة على الصعيد الدولي.
ختاما
إن إسرائيل بتصرفاتها الحالية تُعد دولة مارقة ومنبوذة، واستراتيجية الجنون المطلق التي تتبعها عواقبها في نهاية المطاف وخيمة، وإذا لم يتم التحكم فيها وكبح جماحها فستقود المنطقة إلى حرب واسعة، وستكون سببا في زعزعة الاستقرار العالمي.