المذاق إخباري والمحتوى استخباري
صدق من قال: “أسوأ ما في الحرب أننا نستخدم أفضل ما لدينا من أجل ممارسة أكثر الأفعال بشاعة”، وربما لا توجد بشاعة أسوأ من تعبئة الإعلام واستخدامه سلاحًا للتضليل وقلب الحقائق والإيهام وبث الفرقة وتحريف المعلومات لتحقيق أهداف العدو عبر تشويش المنظور والتشكيك وبث روح الهزيمة.
ولقد كشفت الحرب الأخيرة في الأراضي المحتلة ضمن ما كشفت الغطاء عن مئات من الحقائق، على رأسها حقيقة استفحال أمر الإعلام المعادي الموجه، واشتداد شوكة شبكات الأخبار الناطقة بالعربية التي تعمل لصالح الكيان الصهيوني والحلف الداعم له.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبايدن في سجن طرة!
مصرُ هبةُ الفتح الإسلاميّ
شادية صوت مصر وأيقونة السينما
لقد أضحت المنطقة العربية مسرحًا للعديد من شبكات الأخبار الناطقة بالعربية، المملوكة ظاهريًّا لجهات وأنظمة عربية، ولكنها تخدم في سياستها التحريرية وأهدافها الأجندة السياسية والأمنية للكيان الصهيوني.
والمدهش في تلك الشبكات الإخبارية والمنصات الإعلامية والقنوات التلفزيونية المدعومة بمنصات وإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها تخلت مؤخرًا عن فكرة الحذر، واستخدام الحيلة، واعتماد طرق الخلط والدس والتدليس، فقد أصبحت تقدم أخبارها المضللة، وأحداثها المفبركة، وآراءها الصادمة المخالفة للرأي العام العربي، بكل جرأة ووقاحة، وتنتقي من الضيوف والمتخصصين والخبراء ما يخدم نفس الأهداف.
توسيع الهوة وبث الفرقة
على الرغم من أن تلك الشبكات الإعلامية لم تكن وليدة الحرب الدائرة، فإن سياستها التحريرية بشكل عام تقف على الجانب الآخر من الإسلام والعروبة والقيم الأساسية لشعوب المنطقة، كما تعمل على توسيع هوة الخلافات بين الدول العربية، وتوسيع الهوة أيضا بين الدول العربية والدولة التركية، وذلك بنشر أخبار الخلافات السياسية والتركيز على حوادث العنصرية، بل وفبركة بعض الأخبار ونشرها بشكل عدائي ومكثف، ومن سياستها أيضا توسيع هوة الخلافات بين الدول العربية وإيران، مع النشر بكثافة للأخبار السلبية والفيديوهات غير المؤكدة التي تشير إلى وجود استبداد وسوء معاملة للمرأة داخل الأرضي الإيرانية.
كما تعمد تلك الشبكات إلى تلفيق أخبار شبه يومية عن حركات المقاومة مع تشويه رموزها، وذلك بالحديث عن خلافات بين القادة، وتصفية بعضهم، والحديث المرسل عن ثروات وأصول بمليارات الدولارات، وهو أمر سرعان ما يتبين كذبه وتلفيقه.
لكن القائمين على الأمر لا يلتفتون إلى دهشة الجماهير من حجم أخبارهم الملفقة فهم منشغلون بفبركة وتسريب أخبار جديدة تخدم أجندة الكيان الصهيوني؛ ولذلك يحرصون على دعم رواياتهم المتهافتة عبر استضافة رجال أمن سابقين وحاليين من دول عربية حليفة للكيان، لهم نفس وجهة النظر المساندة لإسرائيل.
طرق التضليل
مع بدء الحرب حشدت تلك الشبكات كل طاقاتها لتقديم الأخبار التي تخدم الكيان مع انطلاق عملية 7 أكتوبر والعبور إلى غلاف غزة، ثم دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة، ومع ظهور التفوق العسكري الميداني للمقاومة، عمدت تلك الشبكات إلى طريقة حجب الأخبار وتجاهلها ورفض التناول لأي معارك ميدانية أو إذاعة لقطات المعارك المصورة التي تنشرها المقاومة، واعتماد فيديوهات هيئة البث الإسرائيلية وبياناتها باعتبارها المصدر الوحيد لأخبار المعارك، وهو حجب لأخبار الحرب الحقيقية؛ إذ إن ما تبثه الهيئة يصدر تحت سلطة الرقيب العسكري.
ومن طرق التضليل الإعلامي لأهداف استخبارية معادية تسريب معلومات مفبركة تنسب لمصادر خاصة؛ كأخبار الاغتيالات والخلافات الحادة بين القيادات وكشف الخنادق وأسر القادة الميدانيين، وتحرير الرهائن على غير الحقيقة، وعادة ما تستخدم تلك الأكاذيب للحرب النفسية، وإضعاف الروح المعنوية لحركات المقاومة وحاضنتها الشعبية.
ترديد الأكاذيب الشهيرة
ربما تحدث البعض عن ازدواجية الإعلام الغربي في تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة، ولكن غفل الكثيرون عن الحديث عن ازدواجية الإعلام العربي نفسه في تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة، ومن قبلها بدء عملية طوفان الأقصى التي بدأت في السابع من أكتوبر من العام الماضي.
حيث لم تختلف لغة الخطاب ولا أسلوب الطرح والمعالجة بين الإعلام العربي المعادي للمقاومة والإعلام الغربي أو حتى الإسرائيلي، بداية من توصيف عملية طوفان الأقصى وإدانة هجوم حماس باعتباره إرهابًا وليس خطوة مشروعة في طريق المقاومة والتحرير، ونهاية برسم صورة للاحتلال الإسرائيلي وكأنه في وضع الضحية التي تعرضت لموجة من الكراهية والعنف غير المبرر اتجاه اليهود، وهو ما ترتب عليه إجراءات عنيفة كان من الضروري اتخاذها، خاصة بعد قتل وخطف الضحايا المدنيين من النساء والأطفال والجدات.
ولقد رددت وسائل الإعلام المسماة بالعربية تلك كل الأكاذيب الشهيرة التي رددها الإعلام الغربي نقلًا عن الإعلام الإسرائيلي، ومنها:
أكذوبة حرق طفل إسرائيلي التي نشرتها صفحة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مدعمة بصورة مفبركة لجثة طفل إسرائيلي محروق نتيجة هجوم حماس على المواطنين الإسرائيليين، وهي نفس الصورة التي تم عرضها على وزير الخارجية الأمريكي بلينكن.
ولكن تم الكشف بعدها أن هذه الصور مزيفة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ومن تلك الأكاذيب التي رددتها تلك الشبكات أكذوبة قتل 250 شخصًا في حفل موسيقي مع ربط ذلك بمقطع فيديو لمدنيين يهربون زعمت أنهم كانوا في حفل هجمت عليه حماس وقتلت أكثر من 250 شخصًا من المشاركين فيه. ولكن تم الكشف بعدها عن أن مقاطع الهروب هذه في مكان مختلف تمامًا عن مكان الحفل، ثم تم الكشف عن فضيحة توضح ملابسات قتل المدنيين بالحفل على يد الجيش الإسرائيلي عبر قصفهم بالطيران.
نصيب الأسد
ويتمتع قادة حماس وقادة كتائب عز الدين القسام بنصيب الأسد من الأكاذيب والشائعات والأخبار المفبركة التي تنشرها تلك الشبكات ليل نهار، فحسب قولهم تم اغتيال القائد القسامي محمد الضيف وسبب اغتياله هو ساعي بريد من حركة حماس، وهو ما نفته حركة حماس عبر أسامة حمدان، وحسب قولهم أيضا يجد قادة حماس بالخارج صعوبة في التواصل مع السنوار، كما روجوا أيضا لوجود خلافات حادة لاختيار رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وهو ما أدى إلى إرجاء الأمر لشهور، ولكن سرعان ما سقطت الرواية المفبركة بعد اختيار السنوار بالإجماع بعد عدة أيام.