دلالات زيارات المسؤولين لشيخ الأزهر.. هل هي بداية مصالحة؟

وزير الخارجية في زيارة لشيخ الأزهر

منذ مدة بدا للكل أن مؤسسة الأزهر تحاول الاستقلال عن سلطة النظام الحاكم، والقيام بمهمتها الدينية والروحية داخليًا وخارجيًا، وقد ظهر ذلك جليًا وحاضرًا بقوة في وقوف مؤسسة الأزهر وشيخها في موضوع تجديد الخطاب الديني، ومسألة الطلاق الشفهي، وغيرهما من الأمور الدينية التي أرادت السلطة فرضها.

وربما اصطدم رأي شيخ الأزهر والمؤسسة مع بعض أركان الدولة في مناسبات عديدة، ومن منّا لا ينسى موقف الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في مناظرته مع الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة السابق، في مسألة تجديد الخطاب الديني، حيث استطاع شيخ الأزهر الوقوف في وجه “الخشت”، وتلقينه درسًا قويًا له، ما أعاد للأزهر قوته وهيبته، لا سيما وأنه بدا أن رئيس جامعة القاهرة مكلف بمهمة رسمية.

عزاء الدكتور حسن الشافعي

ومما يؤكد الاستقلالية التي يسعى إليها شيخ الأزهر قيامه منذ أيام بردّ الجميل والوفاء للصداقة مع شيخه الدكتور حسن الشافعي، عضو هيئة كبار العلماء، حيث صلّى صلاة الجنازة على زوجة الشافعي، وقدّم واجب العزاء له من خلاله، ومن خلال منصات الأزهر الرسمية، رغم أن موقف الشافعي يعدّ غير مرضي عنه من السلطة بعد انتقاده لها، وموقفه من “مذبحة رابعة”، ما جعل النظام يستبعده من منصب مستشار شيخ الأزهر أولًا، ثم من رئاسة مجمع اللغة العربية ثانيًا -رغم فوزه في الانتخابات التي أُجريت-، ولكن شيخ الأزهر تعامل بما يليق مع مُصاب الدكتور حسن الشافعي، وهو يؤكد استقلال الشيخ والمؤسسة.

لقد عانى الأزهر منذ سنوات من المتشددين وبعض السلفيين الذين حاولوا سحب البساط من تحته، والنيل منه، كما عانى من الإعلام المحسوب على السلطة بعدما أصبح الأزهر وشيخه في مرمى نيرانهم على قنواتهم، ومواقعهم الإلكترونية، وفي صحفهم، في محاولة فاشلة للنيل من الشيخ والمشيخة، للتقليل من شأنهما معًا، وإهدار قيمتهما في نظر الناس.

ولكن شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وقف أمامهم بثبات وصبر يحسد عليه، وهو يواجه هذه السهام التي تنال من المنصب والمؤسسة الأزهرية، وهو يعمل في صمت، لكي يعيد للمؤسسة قوتها واستقلالها.

زيارات شيخ الأزهر لدول آسيا

وجاءت الزيارات الأخيرة التي قام بها شيخ الأزهر لدول شرق آسيا ماليزيا، وتايلاند، وإندونيسيا، لتردّ عليهم جميعًا، حيث تم استقباله استقبال الملوك والرؤساء في الدول الثلاث، واستُقبل في القصور الملكية والرئاسية، والجامعات والمعاهد، والجمعيات، في استقبال رسمي وشعبي حاشد أيضًا.

وكان مردود هذه الزيارات قويًا، حيث كانت بمنزلة الردّ على المنتقدين للأزهر وشيخه من الداخل، ليؤكد لهم أن الأزهر قوة مصر الناعمة، وأن مؤسسة الأزهر هي السفير الروحي والديني المحبوب الذي تحترمه كل الشعوب الإسلامية كافة، ممثلة في الشيخ أحمد الطيب والمؤسسة التي يمثلها.

وكانت ردود الأفعال على هذه الزيارات وما مثلتها ردًا على الإعلاميين الذين ينتقدون الأزهر وشيخه ليل نهار من خلال نوافذهم الإعلامية، رغم أن مؤسسة الأزهر (حسب المادة السابعة من الدستور المصري الحالي) تنص على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية، والشؤون الإسلامية، ويتولّى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويُحصِّن القانونُ منصبَ شيخ الأزهر من العَزل”.

وكانت الرسالة التي أعقبت عودة شيخ الأزهر واضحة تمامًا للمسؤولين في مصر بعد أن استوعبوا قوة المؤسسة، وأهميتها عالميًا، فكان لا بد من مدّ الجسور مع الشيخ والمؤسسة، سواء للإعراب عن تقديرهم للدكتور أحمد الطيب، أو عن أهمية المشيخة بالنسبة لمصر.

فذهب المسؤولون لزيارة شيخ الأزهر، وتهنئته على هذه الزيارات الخارجية الموفقة، ونجاح الأزهر في أن يجدد القوة الناعمة لمصر من خلال الشيخ والمشيخة، وهو رد اعتبار لشيخ الأزهر بعد أن كان يتم مهاجمته من قِبل الإعلام المحسوب على الدولة، ومن ناحية أخرى، فتح مسار جديد مع المؤسسة، وبيان قيمتها، وأهميتها، مع محاولة الاستفادة منها بدلًا من الهجوم عليها، والتقليل من شأنها.

وقد زار شيخ الأزهر وزير الخارجية، السفير بدر عبد العاطي، كما زاره أيضًا الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف الحالي، والدكتور شوقي علام، المفتي السابق، وكذلك وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، وقد حذّره شيخ الأزهر من خطورة بعض الأنظمة التعليمية.

رد الاعتبار للشيخ والأزهر

ومن الغريب زيارة وزير الأوقاف السابق، محمد مختار جمعة، بعد تعيين الدكتور الأزهري خلفًا له من خلال ترشيح شيخ الأزهر، وكذلك المفتي السابق محمد شوقي علام، حيث كانت العلاقات بينهما ليست على ما يرام، بسبب قيام مختار جمعة وشوقي علام بتبنّيهما خطابًا مختلفًا عن شيخ الأزهر والمؤسسة، ومحاولة اختطاف دور الأزهر وشيخه، وربما تُعدّ هذه الزيارة ردّ اعتبار للمؤسسة، واعتذارًا ضمنيًا لشيخ الأزهر.

هذه الزيارات كلها من الوزراء والمسؤولين تؤكد أن ثمة مسارات قوية تتخذها الدولة، لمدّ جسور التواصل مع مؤسسة الأزهر وشيخها، والاعتراف بأهمية المؤسسة الدينية والروحية للدولة، بما تمثله من قوة ناعمة لا يُستهان بها، وهو ما يعدّ رد اعتبار للشيخ والمشيخة.

شيخ الأزهر (يمين) أثناء صلاة الجنازة على زوجة الشيخ حسن الشافعي (يسار)
المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان