سينما خيري بشارة.. احذر أن تكون حسن هدهد
خيري بشارة أحد أهم مخرجي جيل السبعينيات في السينما المصرية، منذ ظهوره على الساحة السينمائية مخرجا لأفلام صارت علامات في تاريخه وتاريخ السينما المصرية.
قدَّم خيري 12 فيلما سينمائيا من أهم علامات سينما الواقعية المصرية، وقد أطلق النقاد عليها الواقعية السحرية، ابتعد بشارة عن السينما في قمة عطائه السينمائي 1996 ليتحول إلى الدراما التلفزيونية بعيدا عن السينما عشقه الحقيقي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالدولة العميقة بين حضارتين
لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
رغم أنه يقترب من عامه الـ78 من عمره منها ما يقارب نصف قرن مخرجا سينمائيا فإن إنتاجه في الدراما السينمائية والتلفزيونية لا يتعدى 27 عملا، وهو عدد ضئيل بالنسبة لسنوات انتسابه إلى الإخراج السينمائي والتلفزيوني.
ابتعد خيري بشارة سنوات طويلة عن السينما الفترة الأولي امتدت 9 سنوات لم يقدّم فيها أي عمل كمخرج، ثم بدأ في عام 2003 العمل في الدراما التلفزيونية، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن لم يقدّم بشارة سوى عملين سينمائيين لم يُكتب لهما النجاح ولا التأثير.
بدايات قوية ومبشرة جدا
ثلاثة أفلام مهمة بدأ بها خيري بشارة مشوار السينمائي، تنبأت بميلاد مخرج سينمائي كبير بعد أربعة أفلام في السينما التسجيلية، حصد فيلمه التسجيلي الأول صائد الدبابات جائزة أفضل فيلم تسجيلي.
علامات بداية بشارة أفلام (العوامة 70) (الطوق والإسورة) عن قصة للكاتب يحيى الطاهر عبد الله، والفيلم الثالث لخيري (يوم مر ويوم حلو) مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة الذي أثار ضجة كبيرة عند عرضه في 1990 حيث عرض مأساة الحياة في الأحياء المصرية الفقيرة وما تعانيه الأسر التي تعيش في حارات وأماكن غير آدمية.
إشارة مرور والحلم الأمريكي
ومن الأفلام التي قدّمها خيري بشارة، وكان تجربة فريدة في سينما المكان الواحد، فيلم (إشارة مرور) آخر أفلامه قبل أن يترك السينما إلى الدراما التلفزيونية. فيلم “إشارة مرور” وهو يستعرض المشكلات والحوادث التي تحدث لمجموعة متنوعة من الأنماط البشرية حال توقف إشارة مرور وسط القاهرة لمدة طويلة.
استعرض فيها نماذج بشرية متنوعة تمثل كل الفئات المصرية منتصف التسعينيات، ودارت أحداث العمل في ميدان طلعت حرب وسط القاهرة، يذكّرنا العمل بالفيلم السينمائي (بين السماء والأرض) الذي قدّمه رائد السينما الواقعية صلاح أبو سيف منتصف الستينيات.
قدّم خيري بشارة فيلما عن الحلم الأمريكي، وهو الحلم الذي كان حلم أغلبية الشباب المصري والعربي مع مطلع التسعينيات، فقد كان حلم الوصول إلى أرض الأحلام حسب الفيلم السينمائي الذي قدّمه داود عبد السيد في نفس عام إنتاج فيلم خيري بشارة (أمريكا شيكا بيكا) 1993.
في الفيلم يستعرض بشارة حلم الوصول إلى أمريكا لتحقيق أحلام مجموعة من الشباب المصري يتعرضون لعملية نصب من أحد أصحاب شركات التسفير، فيجدون أنفسهم في رومانيا ليعانوا كثيرا.
يكتشف الجميع أن صعاب الوطن مهما كانت فهي أقل من معاناة الغربة، وأن حلول المشكلات تكون بمواجهتها، وأن الحلول داخل الوطن، الفكرة نفسها التي اكتشفتها نرجس بطلة فيلم (أرض الأحلام) لداود عبد السيد.
الرأسمالية المتوحشة وصراع الديوك
أربعة أفلام سينمائية استعرض فيها خيري بشارة علاقة الرأسمالية المتوحشة مع أفراد طبقة الفقراء، وهذه الأفلام ربما كانت السبب الرئيس في إبعاده عن السينما، وكانت معبرة عن علاقة أبناء الطبقات الرأسمالية المخملية مع أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة.
طبقة سطحية تعاني الملل الاجتماعي وتخمة الأموال التي تأتيها من كل جانب، وكلما زاد صرفها جاءت أكثر في مقابل طبقة أخرى أكثر علما أو موهبة وتعاني الفقر المدقع وعدم وجود فرص للعيش أو الظهور، قدّم تلك القضية التي يمكن أن تمد الخط على استقامته فتجدها في علاقة الدول الرأسمالية مع دول العالم الثالث أو ما تسمى الدول النامية.
في فيلمه الذي قدّمه في 1990 (كابوريا) من بطولة أحمد زكي ورغدة وحسين الإمام وسحر رامي، يقدّم خيري تلك الطبقة الرأسمالية صاحبة القصور، مزارع النعام، والخيول، والأطيان والعزب، والطائرات الخاصة، والأموال الطائلة، يعانون الملل، وتخمة الأموال، وفي أيامهم ولياليهم يبحثون عن المتعة، يقامرون بصراع الديوك يوميا، ويتحولون نتيجة الملل إلى البحث عن نماذج جديدة لكسر الملل.
يقع في طريقهم حسن هدهد، أو كابوريا، ملاكم في أحد الساحات الشعبية يتدرب من أجل الوصول إلى الدورة الأولمبية ممثلا لمصر لكنه يعاني الفقر ولا يستطيع أن يكون نفسه.
يتحول هدهد في لحظة ملل لامرأة ثرية إلى ديك بديلا لمصارعة الديوك، ويصبح الفقرة الرئيسة في كسر ملل مجتمع السادة أصحاب المال والنفوذ.
يحاول هدهد أن يستمر في لعبة الديوك المتصارعة وتقديم التسلية المطلوبة فيصبح هو جالب الديوك التي تتنوع من أصدقائه، إلى فتيات متصارعة في لعبة الديوك المسلية ليحصل على أموال ولو ضئيلة لتحقيق أحلامه، وعندما يقترب هدهد من حلمه يتآمر عليه أصحاب المال والنفوذ، ليعي حسن هدهد أن أحلامه لا يحققها إلا ذاته.
حالة تجدها في علاقات الدول الرأسمالية بالدول الفقيرة النامية، الرجل والمرأة في فيلم بشارة يمثلان القوى العظمى، مجتمعهما تجد فيه من يتحدثون الفرنسية والإنجليزية، مجرد ديكور، موجودين للاستمتاع والفرجة على صراع الديوك أو الفقراء.
حسن هدهد ورفاقه ومن يجيء بعدهم هم مجرد ديوك تتصارع من أجل متعة الكبار، وحينما يشعر الكبار أن الديوك والصغار سيصبحون خطرا عليهم يمتصون ما أعطوه لهم معونة، أو مكافأة فقرات التسلية، فيجدون طريقهم في جعلهم يتصارعون من أجل عودتهم فقراء، ولا بديل للفقراء أفرادا ودولا في هذه الحالة إلا الاعتماد على الذات ولكن عليهم أن يحذروا الوقوع في فخ الرأسمالية العالمية أو المحلية.
لا تكن حسن هدهد
حسن هدهد نموذج مستخدم، قد يكون أحد معارفك أو أصدقائك، وقد يُستخدم في فقرات الإلهاء والتسلية بعلم أو بدون علم، وقد يكون بعلم فيعرف كيف يستفيد ويكوّن ثروات كبيرة نتيجة معرفته باستخدامه وأنه جزء من لعبة الكبار في إلهاء الشعوب.
وهؤلاء تجدهم انفصلوا عن طبقتهم مثل “فتاة الجمالية” في فيلم (كابوريا) لخيري بشارة، تعرف أو يعرف كيف يستمر خادما لتلك الطبقة مهما كلفها/ كلفه ذلك من تنازل سواء الأهل أو المشاعر.
الأخطر من هؤلاء الذين يدركون بتنويرهم أنهم مستخدَمون، الآخرون الذين يُستخدَمون في لعبة الإلهاء كديوك متصارعة دون أن يدركوا بل قد تجدهم يشعرون أنهم يصارعون ويقاومون تلك الطبقات، والحقيقة أن الكبار يستغلون ويهدرون طاقاتهم في صراع الديوك اليومي للتسلية الليلية.
ثلاثة أفلام أخرى لبشارة عزفت على تلك النغمة، هي (آيس كريم في جليم) الذي لعب البطولة فيه عمرو دياب، وعمرو أو سيف فنان موهوب يستغله زيكو منتج الكاسيت في أعماله ليربح دون تحقيق حلمه وحلم فرقته فرقة شارع 9 في المعادي.
في فيلم (حرب الفراولة) أيضا رجل أعمال يشعر بالملل ولا يعرف للسعادة مصيرا، فيكون حمامة وحبيبته فردوس وسيلته لكسر الملل، وفي فيلمه (قشر البندق) يصبح جوع الفقراء وصراعهم من أجل الشبع وسيلة تسلية للأغنياء وأيضا سببا في دعايتهم لمنتجعات الرأسماليين.
هكذا يصبح شعب من الفقراء مجرد أداة دعاية وإعلان لمنتج رأسمالي ومنتجع سياحي، كل هؤلاء أصبحوا حسن هدهد، أيضا فراولة وحمامة في فيلم (حرب الفراولة)، كما سيف في )آيس كريم في جليم)، كلهم صاروا “هدهد”، فاحذر أن تكون حسن هدهد في الحياة، ديوك تسلية ومجرد فقرة في برنامج سهرة أصحاب المال والنفوذ.