لماذا لا نكتب عن حزب الله؟!
هذا ليس سؤالًا للاستئذان في الكتابة عن حزب الله، ولا لتبرير الامتناع عن الكتابة، وإنما لضرورة تناول الحزب اللبناني ودوره الإسنادي المهم لغزة والمقاومة الفلسطينية منذ أن بدأ طوفان الأقصى وحتى اليوم.
لم يتخلف الحزب عن تأكيد دوره المقاوم، ولم يدفن رأسه في الرمال، ولم يَجْبُن، ولم يتعلل بأي حجة للتهرب من الإخلاص لمبدأ المقاومة الذي تأسس عليه، وناضل في سبيله، وقدم تضحيات كبيرة لتحرير المناطق التي احتلتها إسرائيل في لبنان ودعم المقاومة في فلسطين.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
في 2006 كنت واحدًا من شعب عربي من المحيط إلى الخليج يتضامن ويؤيد الحزب في المعركة البطولية التي يخوضها ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان.
لم يكن الشعب العربي وحده الذي يقف في خندق حزب الله وهو يلقن إسرائيل دروسًا في القتال والبسالة، بل كان المسلمون والأحرار في العالم ثابتين في نفس الخندق.
ورغم أن القدرات العسكرية تميل بشكل كبير لصالح إسرائيل، لكن حزب الله تصدى لها وأحرجها وكسرها برجاله وبالعرب والمسلمين والأحرار المساندين له، وردها خاسئة من حيث جاءت.
أما الأنظمة العربية فهى متسقة دومًا مع نفسها في التخاذل والانهزامية، فقد التزمت الصمت حينئذ وكأن العدوان ليس على بلد شقيق وعضو بالجامعة العربية، بل إن أنظمة وجهت اللوم إلى الحزب واتهمته بالتسبب في الحرب، تمامًا كما يقول لسان حال أنظمة طوال عشرة أشهر إن حماس تسرعت في هجمتها المزلزلة على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي.
هذا هو دأب المنهزم نفسيًّا دون معركة يخوضها في كل زمان ومكان، والمنهزم يظهر بشكل واضح خلال هذه المرحلة الأسوأ في تاريخ العرب حيث الاستسلام المهين للضعف، وللأمريكي والإسرائيلي.
والنصر لن يكون يومًا من نصيب القاعدين والمتخاذلين والجبناء والمتثاقلين إلى الأرض، وهزيمة مُشّرفة خير من الفرار من المعركة دون حرب.
إسرائيل لم تنتصر
هل يعتقد أحد أن إسرائيل بجرائمها الوحشية وحرب الإبادة في غزة قد انتصرت؟ نقر بأن لها التفوق والقدرة على التدمير الواسع والقتل الأوسع، لكنها بعد 10 أشهر من عدوان غير مسبوق في قوة وكثافة النيران المستخدمة فيه، التي لم يحدث مثلها خلال الحربين العالميتين، لم تحقق النصر الذي تريده، ولهذا تواصل الإبادة في غزة.
لو كانت انتصرت لتوقفت، وليس بالضرورة حدوث التكافؤ التام في المعارك، رغم ضرورة ذلك، إنما هناك القاعدة الربانية التي تقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}، والتطبيق العملي هنا، كم من مقاومة فيتنامية أذلت قوى عظمى أمريكية، وكم من عناصر طالبانية هزمت جحافل أمريكية، وفعلها الصوماليون البسطاء، وفعلها الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي وقبله هزموا البريطانيين، رغم جبروت هاتين الإمبراطوريتين.
والانتفاضة الأولى والثانية في فلسطين دفعت المحتل إلى التوقيع على اتفاق أوسلو، وقيام سلطة فلسطينية، وآمال بإنشاء الدولة المستقلة، وفي 2005 فر المحتل من غزة، وإذا كان التطرف الصهيوني بدد كل ذلك، فإن الاحتلال سيزول حتمًا وستقوم الدولة يومًا ما.
ومقاومة حزب الله في لبنان، وحركة أمل، والقوى الوطنية اللبنانية والفلسطينية، أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان بعد احتلال دام ما يقرب من عقدين من الزمان.
هل كانت القبائل العربية تتوقع أن تهزم جيش الإمبراطورية الفارسية في معركة ذي قار التي يُخّلدها التاريخ ويكتشف العرب من خلالها أنهم قوة لا يُستهان بها؟ وبعد سنوات يصير العرب مع نبي الإسلام قوة عظمى تصل جيوشهم إلى مناطق وأراض شاسعة ويؤسسون إمبراطوريات لم يعرف التاريخ البشري مثيلًا لها في القوة والأخلاق والقيم والعدالة.
الحق والبغي
في المعركة الدائرة بين قوى الحق الفلسطيني، وقوى البغي الصهيوني، تسجل المقاومة، والشعب الفلسطيني في كل مكان على أرضه وخارجها، ملاحم للتاريخ، تواجه عدوًّا متجبرًا متغطرسًا، ليس الصهيوني وحده، إنما الأمريكي والأوروبي وكل المتصهينين في العالم؛ حكومات وطوائف شعبية ولوبيات وشركات ومراكز ثقل مادي ومالي وتجاري وصناعي.
لم تصمد جيوش تُنفق عليها مليارات لأيام أو أسابيع في حروب وصمدت المقاومة في فلسطين شهورًا وسنوات وعقودًا؛ وفي الملحمة الراهنة فإن المقاومة بدعم شعبها صابرة متجلدة مضحية رغم الخسائر وهي منتصرة بهذا الصمود الأسطوري وبكسر العدو الذي لو تُرك بدون مقاومة وتم التسليم له فإنه سيبتلع الدول العربية واحدة بعد الأخرى ليؤسس إسرائيل الكبرى التي يتخيلها.
ومع المقاومة الفلسطينية تتعاضد مقاومة حزب الله التي أثبتت جديتها ومصداقيتها وإخلاصها في إسناد الفلسطيني وإرهاق الإسرائيلي وتشتيته وبقاء الجبهة الشمالية مفتوحة معه.
قدم حزب الله تضحيات في هذه المعركة وكان يمكنه ألا يشارك فيها ولن يلومه أحد، فهي بعيدة عن أرضه، ولكن هذا موقف يُحسب له بغض النظر عن مواقف سابقة أعقبت حرب 2006 حيث سلك الحزب نهجًا تصادميًّا في الداخل اللبناني، وفي الخارج دعم نظام الأسد ضد ثورة الشعب السوري؛ مما جلب له انتقادات شديدة، وتآكلت شعبيته، لكنه مع غزة بدأ يستعيدها.
معادلات الردع
الأحد 25 أغسطس/آب الجاري يوجه الحزب ردًّا قويًّا لإسرائيل على اغتيالها قائده العسكري الكبير فؤاد شكر في بيروت، وه ردّ يربك الصهيوني، ويعيد ضبط معادلات الردع، ويجعله يفكر كثيرًا قبل أن يوسع جبهة لبنان، والحزب يثبت مجددًا القدرة على المواجهة والصمود وإيلام العدو، والفيلم التسجيلي عن القدرات العسكرية الجديدة والمتطورة تحت الأرض الذي عرضه مؤخرًا كان مفاجأة كبيرة، والرسالة وصلت إلى إسرائيل، والمؤكد أنها تتحسب لها جيدًا.
وإذا كانت الجغرافيا لا تساعد الحوثيين على دعم المقاومة الفلسطينية باستمرار فإنهم يوجهون ضربات مؤلمة تُحسب لهم أيضًا.
في المجمل، خنعت الأنظمة الحاكمة، واسترجلت المقاومة الشعبية بقدراتها البسيطة المحدودة، وهي تواجه وحدها قوى عاتية متغطرسة، وهي عنوان الشرف الوحيد للعرب اليوم.