نحو مرحلة جديدة من انتفاضة طلاب جامعات الغرب
تستعد الجامعات الأمريكية والأوروبية لعام دراسي جديد. ينسحب الصيف بعطلاته مع انقضاء شهر أغسطس/آب، ليتهيأ المسرح لما يبدو كأنه مرحلة جديدة من النضال الطلابي العالمي من أجل فلسطين، وفي مقدمة المطالب العاجلة إنهاء حرب الإبادة على غزة.
وثمة متغيران يلوحان في الأفق بمثابة السياق الأعم لاستئناف انتفاضة الطلاب بجامعات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، ومثيلاتها الأوروبية، هما:
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبايدن في سجن طرة!
مصرُ هبةُ الفتح الإسلاميّ
شادية صوت مصر وأيقونة السينما
الأول، الانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وما يعتمل داخل الحزب الديمقراطي من صراع بين المعارضين لدعم تل أبيب، وعلى نحو خاص “حركة الأصوات غير الملتزمة”، وبين سياسية الإدارة الأمريكية ومعها مصالح الشركات ورجال الأعمال الممولين لحرب الإبادة وللحملات الانتخابية لكلا الحزبين “الديمقراطي” و”الجمهوري”.
والثاني، ما بدأت تشهده القارة الأوروبية من تحدٍّ لموجة صعود اليمين الفاشي العنصري منذ سنوات، وهو ما تشير إليه نتائج الانتخابات البرلمانية في فرنسا وبريطانيا، وإن كان من السابق لأوانه القول بأن هذه الموجة الفاشية العنصرية في سبيلها إلى انكسار حاسم.
أنباء الأيام الأخيرة
قبل أيام معدودة، توجت النضالات الجامعية من أجل فلسطين تحالفاتها على أصعدة محلية بالمدن والكليات والجامعات بأحداث لافتة، يتصدرها:
– الإعلان في 21 أغسطس/آب، من نيويورك، عما وصف بأنه “أكبر شبكة عالمية للحركات من أجل فلسطين” (جي إس بي إن)، تنسق معا وفق أهداف مشتركة. وتضم مجموعات طلابية بالجامعات الأمريكية والأوروبية، وكذا بدول إفريقية وآسيوية.
– وقبل ذلك في 16 أغسطس/آب، كانت 15 منظمة طلابية من مختلف أنحاء المملكة المتحدة (بريطانيا) تعلن تحالفها تحت مظلة “اتحاد الطلاب من أجل فلسطين حرة” (إس إف إل بي).
وكلا الإطارين التنظيمين الجديدين الجامعين رسم الخطوط العريضة لأهدافه ووسائل عمله في هذه المرحلة الجديدة، في “مانفيستو” بيان معلن.
وهما يلتقيان حول أهداف: المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات التعليمية والبحثية الإسرائيلية والمتعاونين معها، ووقف وسحب الاستثمارات المتبادلة، بما في ذلك أبحاث تكنولوجيا السلاح، وتأييد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي المقاومة، وبالأخص المقاومة المسلحة.
كما يمكن من قراءة بياني الائتلافين الكبيرين إدراك مدى الوعي، أبعد من أسوار الجامعة، بمعركة تصحيح وإعادة بناء الثقافة السياسية الإنسانية في الغرب حول القضية الفلسطينية، وتعزيز تأثير المجموعات الداعمة لفلسطين في محيطها المجتمعي.
بين الوسائل المدرجة في بياني التأسيس، يلفت النظر تبادل الخبرات الحركية والقانونية، والدفاع عن حق الطلاب في الاحتجاج وتطويره، وهو ما يمكن فهمه على ضوء حملات القمع والتشهير، بما في ذلك الاعتقالات بالآلاف، والاقتحامات البوليسية لأحرام الجامعات (جمع حرم)، وفض الاعتصامات وهدم المخيمات بالقوة، واستخدام الإدارة في ترهيب الطلاب وعقابهم. ومن بين الأهداف أيضا الاستفادة من تجارب الحملات الطلابية السابقة الناجحة وغير الناجحة، وتنسيق الاحتجاجات على صعيد عالمي.
كما تلفت النظر في هذين البيانين، وامتدادا للممارسات النضالية في العام الجامعي السابق، هذه القدرة على الربط بين التصدي الجماعي لتزايد أعباء ونفقات الدراسة على الطلاب غير الأغنياء مع تسليع التعليم وبين التضامن مع الشعب الفلسطيني.
وبالنسبة لمظلة التحالفات الطلابية البريطانية الجديدة هناك إضافة مميزة تتعلق بالعمل من أجل عودة الفلسطينين إلى أراضيهم وديارهم. وهو ما يعد تتويجا لنضالات مركزها لندن منذ عقود لإحياء حق العودة.
نجاحات ليست كاملة
كانت ذروة هذه الانتفاضة الطلابية بالجامعات الأمريكية والأوروبية خلال إبريل/نيسان ومايو/أيار 2024. ومن رحم أنشطتها التي خرجت إلى أحرام العديد من الجامعات ومحيطها، ولدت شبكات تحالف أقل اتساعا مما ولدت منذ أيام على أعتاب العام الدراسي الجديد.
وعلى الرغم من انحسار هذه الانتفاضة جراء القمع الشديد والعطلة الصيفية، فإنها حققت نجاحات ولو محدودة. فمثلا لدينا سحب جامعة “سونسي” البريطانية استثماراتها وتعاملاتها ببنك “باركليز”، الذي ما زال ينعم بالوجود والامتيازات والانتعاش في العديد من الدول العربية. واتخذت جامعتا “كامبريدج” البريطانية و”إيفرجرين” الأمريكية قرارات باعتماد “الاستثمار المسؤول” وفي انتظار التنفيذ، وذلك بالتراجع عن الاستثمارات المتبادلة بينها وبين مؤسسات إسرائيلية، أو متورطة في دعم آلة حرب الإبادة. كما أجبرت الاحتجاجات مسؤولين جامعيين معادين للحريات الجامعية وللحقوق الفلسطينية على الاستقالة، مثل نعمت “مينوش” شفيق رئيسة جامعة كولومبيا الأمريكية.
أما النجاح الأهم، في اعتقادي، فيتعلق بمعركة الوعي بحقائق فلسطين والصهيونية، وإظهار السردية الفلسطينية وإنصافها في مجتمعات سقطت طويلا ضحية الزيف والتضليل، والنتائج الإيجابية واضحة هنا بوسائل التواصل الاجتماعي والفضاءات العامة.
وفي الصميم من معركة الوعي الإدراك المتزايد لكون فلسطين وإزالة الصهيونية قضية كونية تتخطى حدود الأديان والقوميات، ولا تخص العرب والمسلمين والشرقيين وحدهم، ووفق العنوان الشهير:” فلسطين ستحررنا جميعا”.
ولذا أصبح “المخيم الفلسطيني”، بكل رمزيته ومعاناته، حاضرا في أحرام كبريات الجامعات الغربية. وابتدع الطلاب المنتفضون ما يشبه التعليم البديل لإعادة بناء الوعي، مثل “الجامعة الشعبية من أجل غزة”.
جذور وتقاطعات وتفاعلات
بحلول الربيع الماضي طالعت مقالات ودراسات موثقة بمواقع صحفية وبحثية أمريكية، وبعضها من وجهة نظر معادية للانتفاضة الطلابية مع فلسطين، وتتهمها بإثارة الفوضى والدفع لانهيار نظام تعليمي جامعي متقدم.
مع هذا، فثمة اتفاق بين المؤيدين والمعارضين للانتفاضة الطلابية على أنها امتداد لنضالات أجيال سبقت من طلاب جامعات الولايات المتحدة، ضد الحرب، في فيتنام الستينيات والسبعينيات خصوصا. وفي هذا السياق، يلفت النظر استدعاء صورة أرشيفية للمفكر التقدمي نعوم شومسكي شابا جامعيا قبل نحو نصف قرن، رافعا لافتة تنادي بإنهاء أبحاث صناعة أسلحة الحرب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم أي تي).
ولفهم ما جرى قبل هذا الصيف ولاستشراف ما هو آت، يجدر مطالعة “ورقة سياسات” لباحث الاجتماع والأنثروبولوجيا خريج الجامعات الغربية العريقة المولود في الناصرة بفلسطين المحتلة أمير مرشي، المنشورة “بمؤسسة الدراسات الفلسطينية” ببيروت في 15 يوليو/تموز 2024، بعنوان “الانتفاضة الطلابية في الولايات المتحدة”.
تتبع مرشي الحركات الطلابية الأمريكية وتنظيماتها المتضامنة مع الشعب الفلسطيني منذ 2001، وبخاصة تحالف “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، الذي استطاع منذ انطلاقه 2010 تشكيل “لجنة تسيير” تنسق ديمقراطيا بين مئات من فروعه بالكليات والجامعات.
بورقة السياسات هذه محاولة جادة للإجابة عن أسئلة: كيف نمت وتطورت وتفاعلت الحركات الطلابية من أجل فلسطين مع محيطها الاجتماعي حول الجامعات بالمدن الأمريكية؟ وكيف كسرت طوق العزلة لتلتحق بجولات النضال هناك حول قضايا الحقوق المدنية وضد الرأسمالية المتوحشة؟ وعند محطات عديدة على المستوى القومي الأمريكي، مع “احتلوا وول ستريت” 2011 و”حياة السود تهم” 2020. وأيضا كيف راكمت قبل ربيع 2024 خبرات في العمل والتنظيم، وزادت علاقاتها وشعبيتها وتحالفاتها؟
كما تفحص ورقة مرشي كيف تعمقت “راديكالية” الحركة الطلابية الأمريكية مع فلسطين لتنادي بإزالة الصهيونية، وبتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وشرعية المقاومة المسلحة؟ بما في ذلك 7 أكتوبر وكل هجمات “حماس” و”الشعبية” وغيرهما.
والمؤسف أن الجامعات بالدول العربية، وبخاصة التي عرفت نضالات طلابية عريقة كالمصرية والتونسية، تمر بحالة جزر شديد. وهذا جراء التضييق على الحريات، ومعاداة الشباب وقمعه، مع تصور سلطوي متسلط بالقدرة على مصادرة المستقبل ومنع التغيير وتكرار الانتفاضات والثورات.