حوار عقوبته الإعدام.. هل حضرتك إخواني؟

رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس (رويترز)

في معرض رده يتماهى رجل الأعمال المصري “نجيب ساويرس” مع التوجهات الرسمية وتلك السائدة في الإعلام المصري عندما يسأل أحد مجادليه بلهجة استنكارية “هل أنت إخواني؟”.

لا يعتبر السؤال الذي أتى على خلفية تناقض في الرأي بحثًا طبيعيًا عن المعرفة، كما أنه لم يرد في سياق تحقيق جنائي أو استجواب لأي سبب، غير أنه سؤال لا يتصور صاحبه الإجابة ولا ينشغل بها أصلا، لكنه يقدم عريضة اتهام جاهزة وشائعة هذه الأيام لعديد من الكتاب والصحفيين في مصر وهو الانتماء لجماعة محظورة (الإخوان المسلمون) بصرف النظر عن ماهية المتهم الذي يمكن أن يكون مسيحيًا أو علمانيًا أو في خصومة مع كل أشكال التدين أصلًا، أو له باع طويل في رفض أفكار وتوجهات الجماعة التي تأسست عام 1928 على يد حسن البنا لأسباب دينية دعوية لكنها انزلقت لساحات السياسة رويدًا رويدًا، وشاركت في السلطة وتصارعت مع الأنظمة وكانت محل جدل واشتباك دائم بعد أن توغلت في معظم البلاد العربية.

الحوار المصري

السؤال الذي دشنه الملياردير الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي في نهاية تعليق له على انتقاد كاتب وصحفي مصري هو سليم عزوز لطبيب وكاتب مصري مثير للجدل هو خالد منتصر يكشف عن طريقة مصرية خالصة في الحوار وجدت طريقها للأفواه والعقول قبل أكثر من عشرة أعوام بعد انتهاء حكم جماعة “الإخوان المسلمين” على خلفية احتجاجات شعبية مدعومة من الجيش سنة 2013 بعد عام واحد في السلطة قضته الجماعة التي حظرها القانون لاحقًا.

الأثر القانوني

التهمة الجاهزة ليست من قبيل الجدل الفكري الذي يحتمل الأخذ والرد والتقديم والتأخير وربما الكر والفر ولكن الدفع بها هو محاولة بائسة لإنهاء الحوار بضربة قاضية تستدعي معها آثارًا قانونية يدركها تمامًا من يستخدمها ويعلم تبعاتها وفقًا لقانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 وتعديلاته الذي يُعاقِب بالسجن المشدد كل من انضم إلى جماعة إرهابية أو شارك فيها بأية صورة مع علمه بأغراضها، ولا تقل مدة العقوبة عن عشر سنوات إذا تلقى الجاني تدريبات عسكرية أو أمنية أو تقنية لدى جماعة إرهابية لتحقيق أغراضها، أو كان الجاني من أفراد القوات المسلحة أو الشرطة.

وتتدرج العقوبات لتصل إلى الإعدام إذ يُعاقب بالسجن المؤبد كل من أكره شخصًا أو حمله على الانضمام إلى جماعة إرهابية، أو منعه من الانفصال عنها، وتكون العقوبة الإعدام إذا ترتب على الإكراه أو الحمل أو المنع وفاته.

أين المادة؟

عند توجيه تهمة الترويج لأغراض جماعة محظورة أو لأعمال إرهابية لأي مواطن فإن القانون يشترط أن تكون هناك مادة مكتوبة أو مطبوعة أو مسجلة، ولا يمكن توجيه الاتهام دون تبيان ماهية المادة التي تحتوي على الترويج، أو ماهية الأفعال التي يتم الترويج لها.

وفي حالة توجيه تهمة الترويج لكاتب أو صحفي أو إعلامي فهذا معناه أن مجال عمله وما ينشره أو يذيعه هو نفسه صحيفة اتهامه التي لا يمكن مداراتها أو مواراتها أو طيها وجعلها نسيًا منسيًا بأي وسيلة في ظل تكنولوجيا التحول الرقمي وتطور طرق البحث عن أي محتوى منشور على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت).

لم يبذل المهندس نجيب ساويرس الذي يملك ويشارك في عدة منصات إعلامية أي جهد في تتبع أدلة اتهام كاتب لم يعرف في أي مرحلة بانتماء أو تماس مع أفكار جماعة الإخوان وفضل إلقاء التهمة دون حيثيات في استدعاء سهل لتراث طرق مكافحة الشيوعية في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية والتي عرفت بالمكارثية.

جذور المصطلح

في عام 1950 قفز سناتور جمهوري إلى الأضواء فجأة داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها على خلفية التنافس بين بلاده والاتحاد السوفيتي في عصر “الحرب الباردة” حيث سادت في المجتمع الدولي حالة من الاستقطاب بين القوتين العظميين.

وفي أجواء ملبدة بمخاوف الأمن القومي الأمريكي أعلن السيناتور “جوزيف مكارثي” في خطاب له أن لديه قائمة بأسماء أعضاء الحزب الشيوعي الذين يعملون في أجهزة الدولة ويشكلون تنظيمًا جاسوسيًا لصالح السوفييت، ولم تشمل اتهامات “مكارثي” الشيوعيين فقط، ولكنها توسعت بعد ذلك لتشمل كل من تجرأ على الاختلاف معه حتى في موضوعات أخرى لا تمت للشيوعية بصلة، وأصبح هناك تيار منسوب له يطلق عليه المكارثية يوجه اتهامات للكتاب والصحفيين والمفكرين وصناع الدراما والسينما ومختلف الفئات ويتهمهم بالشيوعية.

وقد تحول نشاط أجهزة الأمن الأمريكية لجمع المعلومات عن توجهات وآراء المسؤولين والشخصيات العامة أكثر من التحقيق في الجرائم الجنائية، وبعد سنوات من الاتهامات في كل الاتجاهات اعتبر الكونغرس تلك الحملة شططًا لا يستند إلى أساس، لكن مصطلح المكارثية أصبح عالمي الاستخدام، إذ يشير بوضوح لكل اتهام يوجه للمخالفين في الرأي دون دليل أو إثبات.

استدعاء التراث

يرعى المهندس نجيب ساويرس الذي يملك أحد أكبر شركات المقاولات في العالم العربي والشرق الأوسط أنشطة ثقافية ومهرجانات فنية، لكن يبدو أنه يرعى أيضا وبإخلاص تراث المكارثية الذي ودعته الولايات المتحدة الأمريكية قبل سبعة عقود على الأقل.

لم يدرك رجل الأعمال الذي كانت له تجربة قصيرة في العمل السياسي أن بعض التهم لم يعد يحترمها العقل الجمعي العربي، ولم يدرك الرجل الذي شكا من تدخلات أمنية لإجهاض تجربة حزبية أسسها قبل سنوات أن كثرة استخدام التهم الجاهزة دون ضابط من دليل أو قرينة أو الإتكاء على أساس قد تسبب في ابتذال المصطلح لدرجة تسقط كل الأقنعة التي يمكن التواري خلفها لحظة استخدامه.

لا يملك أي كاتب حصانة من النقد أو مصلا ضد الاشتباك، لكن لا أحد أيضا يملك صكوكا للوطنية أو البراءة من تهمة الإرهاب أو الانتماء لجماعة محظورة خاصة أن الحوار بالأقلام حيث الدليل والحجة والإقناع يختلف عن الحوار بالأقدام حيث الركل والرفس والإطاحة والاتهامات، ولم يعد مقبولا ادعاء الثقافة، وفهم دروس التاريخ مع الحرص على تراث المكارثية البالي خاصة أن بعض التهم بمثابة بلاغات أو وشايات لدى الأجهزة الأمنية أو كليهما معا لا تؤدي إلى مضايقات ولكنها قد تقود للإعدام.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان