نهاية الإسلام السياسي. أزمة التفكير الرغائبي
لا استسيغ مصطلح الإسلام السياسي الذي جرت به الألسن، وأفضل بدلا منه “الجماعات الإسلامية الحركية”، فليس هناك إسلام سياسي وإسلام غير سياسي، أما الجماعات الإسلامية فمنها الجماعات الحركية مثل الإخوان المسلمين بفروعها، والجماعة الإسلامية بفروعها في شبه القارة الهندية، بخلاف الجماعة الإسلامية المصرية أو الليبية أو الجزائرية، ومنها حزب التحرير، وجماعة العدل والإحسان، وعديد الجماعات الحركية في كل الأقطار الإسلامية، في مقابل جماعات إسلامية غير حركية مثل التبليغ والدعوة ذات النشأة شرق الآسيوية والتي انتشرت في العديد من الأقطار، ومثل جماعة محمود أفندي التركية ( وإن كان لها بعض النشاطات السياسية)، ومثل الطرق الصوفية في معظمها (هناك طرق صوفية يمكن تصنيفها في الإطار الحركي مثل المهدية في السودان والسنوسية في ليبيا، والدابوندية في آسيا).
الجماعات الحركية تتبنى فكرة الإسلام الشامل لكل مناحي الحياة بما فيها الشق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي تسعى لتطبيق هذا التصور الإسلامي الذي تقتنع به، وبالتالي تسعى لعضوية البرلمانات وتنافس على السلطة التنفيذية لتطبيق تصوراتها وبرامجها، وهذا ما دفع خصومها لوصفها بالإسلام السياسي، حيث يؤمن هؤلاء الخصوم بإسلام منزوع السياسة، إسلام ليس له مكان إلا في المساجد والموالد، وأمام الأضرحة، وليس له مكان في سلطات التشريع أو التنفيذ أو القضاء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
هزيمة الربيع العربي
ولطالما أصبح مصطلح الإسلام السياسي هو الأكثر شيوعا فلا بأس في استخدامه، طالما أن الهدف هو الحديث عن الظاهرة بغض النظر عن المسمى، والغريب أن من يرفضون فكرة الإسلام السياسي، بدعوى انه توظيف للدين لأغراض سياسية، يفعلون الشيء نفسه، ولكن لتثبيت حكمهم، وتبرير قمعهم، واستبدادهم، ومنع الشعوب من نيل حريتها وكرامتها.
اعتبر كثيرون، وجلهم من مناوئي التيار الإسلامي، سواء كانوا في الحكم أو المعارضة،- أن هزيمة ثورات الربيع العربي هي هزيمة للتيار الإسلامي، بل هي نهاية له، باعتباره الأكثر بروزا في تلك الثورات، والأكثر استفادة منها، حتى إن كثيرين من القوى العلمانية التي شاركت في تلك الثورات انحازوا للثورات المضادة نكاية في التيار الإسلامي، سواء في مصر أو تونس، أو سوريا، أو ليبيا الخ، وهناك باحثون مستقلون تبنوا الفكرة ذاتها، وحين فوجئوا بطوفان الأقصى الذي ينسب لإحدى قوى الإسلام السياسي، والذي منح طاقة جديدة لهذا التيار عموما، فإنهم لم يراجعوا مقولاتهم السابقة.
اكذب اكذب حتى يصدقك الناس، هذا هو جوهر نظرية وزير الإعلام النازي غوبلز، وقد طورها البعض في منطقتنا لتكون اكذب اكذب حتى تصدق نفسك وإن لم يصدقك الناس، بتعبير آخر هذا هو التفكير الرغائبي أو التفكير بالتمني، أي أن صاحبه يعبر عن أمنياته ورغباته أكثر من تعبيره عن حقائق ماثلة.
نماذج عربية وأعجمية
انطلقت هذه الفكرة بشكل أساسي عقب الانقلاب على حكم الرئيس مرسي في مصر، وهو ما تبعه مذابح بشرية (رابعة والنهضة وغيرهما) ومذابح معنوية لجماعة الإخوان، بهدف استئصال شأفتها، ورغم أن الجماعة ظلت حتى هذه اللحظة ورغم انقساماتها الرقم الصعب في المواجهة، إلا أن فكرة موت الإخوان جرى تسويقها بصورة واسعة عبر وسائل الإعلام التابعة للنظام، أو الداعمة له إقليميا ودوليا، لكن الإخوان في دول أخرى أو حتى قوى إسلامية سياسية من غير الإخوان ظلت ناشطة وصاحبة حضور في المشهد السياسي في دولها، انظر إلى المشهد السياسي في الأردن، وما يمثله الإخوان فيه..انظر إلى الانتخابات الرئاسية الجزائرية وحضور الإسلاميين فيها من موقعين مختلفين، ففصيل رشح منافسا في مواجهة الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وفصيل آخر انحاز لتحالف داعم لتبون، ولكل وجهة هو موليها..انظر إلى البرلمان الكويتي الذي لم يغب عنه الإسلاميون بشقيهم السلفي والإخواني حتى حله..أنظر إلى البرلمان العراقي وما يضمه من تمثيل لقوى إسلامية حركية متنوعة شيعية وسنية، والأهم من كل ما سبق ماذا يقولون عن المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس والجهاد)؟ أليست هاتان الحركتان جزء من مشروع الإسلام السياسي؟!
وإذا تركنا المنطقة العربية، إلى غيرها من بلاد العجم، فماذا يقول هؤلاء المرددون لكذبة نهاية الإسلام السياسي عن حكومة العدالة والتنمية في تركيا (وهم يصنفونها ضمن هذا الإسلام السياسي) ؟، وماذا يقولون عن صعود حركة طالبان وعودتها للحكم؟ وماذا يقولون عن مشاركة الإسلاميين في الحكم أو البرلمان في ماليزيا واندونيسيا؟، وماذا يقولون عن حضور الجماعة الإسلامية في الثورة البنغالية؟ واحتمالات عودتهم للبرلمان في الانتخابات المقبلة بعد أن كانوا حركة محظورة، مكاتبها مغلقة، وممتلكاتها مجمدة؟!.
الإسلام السياسي متجذر في منطقتنا، فهو نبت طبيعي من تربتها، وهو ليس غريبا عليها، أو مستوردا من خارجها، القوى أو التيارات المبنية على أفكار وعقائد لا يمكن محوها، ينطبق هذا على التيارات الدينية وغير الدينية، قد يضعف بعضها نتيجة ضربات مركزة، قد يغير ملامحه، أو يراجع أفكاره ليواكب عصره، وليجابه التحديات التي يتعرض لها، قد تنتهي إحدى جماعاته بعد أن تستنفد أدوارها، أو عندما تعجز عن تجديد وتطوير نفسها، لكن التيار في عمومه سيظل قائما، يصعد حينا ويخبو حينا، وهذه سنة الحياة.