أكاذيب نتنياهو في تدمير صواريخ المقاومة
فجر ساخن شهده الشمال الفلسطيني الأحد الماضي وامتدت سخونته إلى تل أبيب والجنوب اللبناني، لم تكن سخونة السماء فقط لتحليق 120 طائرة حربية لجيش الكيان الصهيوني في اتجاه جنوب لبنان، ثم انطلاق 340 صاروخًا من الجنوب اللبناني مفسحة الطريق أمام المسيّرات التي ضربت أكثر من موقع عسكري إسرائيلي ردًا على اغتيال فؤاد شكر القيادي في “حزب الله” منذ قرابة شهرين.
لم تكن سخونة الصباح مقتصرة فقط على سماء الشمال الفلسطيني والجنوب اللبناني، بل امتدت أيضًا إلى مراكز القيادة في الكيان الصهيوني، فكان إعلان رئيس وزراء عصابة الكيان الصهيوني عن ضربة استباقية على مواقع في جنوب لبنان لمنع “حزب الله” من تنفيذ هجماته التي أشارت إليها تقارير مخابراتية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبايدن في سجن طرة!
مصرُ هبةُ الفتح الإسلاميّ
شادية صوت مصر وأيقونة السينما
ثم أعلن الكيان على لسان متحدثه العسكري ورئيس وزرائه عن تدمير 6 آلاف صاروخ لـ”حزب الله”، فيما وصفوه إحباط هجوم كاسح للحزب على تل أبيب، وبدا للعالم وكأن تل أبيب تحتفل بنجاتها من التدمير الذي كان قادمًا من جنوب لبنان على يد “حزب الله”.
تلقفت وسائل الإعلام الرواية الصهيونية لمدة ساعات في صباح الأحد الملتهب، ورغم ضخامة عدد الصواريخ التي أعلنها الكيان الصهيوني لم يدقق الإعلام هذا في ساعاته الأولى، والتصريحات خارجة من مصادر معتبرة في عرف الإعلام العالمي.
اكتفى “حزب الله” بإعلانه عن انطلاق 320 صاروخًا من الجنوب اللبناني بمصاحبة عدد من المسيّرات باتجاه أهداف عسكرية في فلسطين المحتلة امتدت لضواحي تل أبيب، كان ذلك عبر 3 بيانات أصدرها الحزب، واكتفى بإحالة التفاصيل إلى كلمة الأمين العام للحزب في السادسة عصر ذاك اليوم.
نصر الله يفند ويرد
واستمرت الحرب الإعلامية بين فضائيات كل جبهة من الجبهات لساعات عدة حتى بدأت تخرج من الإعلام الغربي والإعلام العبري إشارات إلى خلل الرواية الإسرائيلية وخاصة بعد تعليمات من نتنياهو للقيادات بعدم التصريح عن تفاصيل ما جرى فجر الأحد.
رغم المبالغة التي طالت الرواية الإسرائيلية عن الأحداث بما فيها ادعاء تدمير 6 آلاف صاروخ لـ”حزب الله” على الأرض، وهو تصريح يصعب تصديقه خاصة بعد انطلاق الصواريخ والمسيّرات إلا أن بعض القنوات العربية صارت تتلقف الرواية الصهيونية وترددها، وتناثرت تعليقات عن هزلية الرد لـ”حزب الله”، بل اتهم البعض الحزب بعمل ما يشبه المسرحية خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن البيان الثاني أعلن أن تلك الهجمات المرحلة الأولى من الرد على اغتيال القائد فؤاد شكر.
في توقيته المعلن مسبقًا خرج السيد حسن نصر الله ليعلن تفاصيل عملية الرد، ويفنّد الرواية الإسرائيلية التي كانت قد تفتت فيما قبل ظهور السيد نصر الله، فالرقم المعلن عن تدميره من الصواريخ واستهداف تل أبيب لم يكن في حسابات المقاومة الإسلامية في لبنان.
وكان خروج الأمين العام لـ”حزب الله” هادئًا واثقًا في ملامح من الصعب تكذيب ما يقوله، وأعلن نصر الله عن تحقيق المرحلة الأولى من الرد بنجاح، ولم يشأ نصر الله أن يعلن عن خسائر القواعد المستهدفة لعدم يقينه منها تاركًا ذلك لما تكشفه الأيام، وكان نصر الله والمقاومة صريحة في إعلانها خسائر بعض المواقع التي استهدفها الطيران الحربي الصهيوني قبل بدء الهجوم على المواقع في الشمال الفلسطيني والجولان وضواحي تل أبيب.
دواعي الكذب الصهيوني
لكل طرف من طرفي عملية الأحد الماضي دوافعه سواء في التصريحات الكاذبة أو التصريح بحقيقة ما حدث، ولأن الرواية الإسرائيلية كانت السابقة فقد عملت القيادة الصهيونية بالنظرية الاجتماعية التي تقول إن الانطباع الأول هو الانطباع الأخير، فكانت السابقة في الإعلان عن الهجوم سواء من جانبها أو هجوم المقاومة في لبنان.
بهذه النظرية صدر المتحدث العسكري الإسرائيلي وبعده رئيس الوزراء رواية تدمير 6 آلاف، وهو رقم ضخم جدًا من الصعب أن يكون جاهزًا للإطلاق، ورغم ذلك كانت الهجمة الثانية من جانب “حزب الله”، فكيف لقوة تعرضت لهذا القدر من التدمير والهجوم أن تقوم بضربة قوية بعدها بنصف ساعة؟
الواقع أن صمود المقاومة الفلسطينية في غزة وقدرتها حتى الآن بعد مرور 11 شهرًا من الحرب عليها، وما يسببه ذلك من انعدام الثقة في الجيش الصهيوني لدى مواطنيه كان سببًا في محاولة الكيان الصهيوني تصدير ما يمكن للداخل الصهيوني اعتباره نصرًا.
يضاف إلى ذلك الهجرة الكبيرة من المستوطنات في شمال فلسطين المحتل والنزوح نتيجة ضربات “حزب الله” والمقاومة في لبنان جعل من الصعب على قيادة الكيان المحتل الاعتراف بانتقال المقاومة في هجماتها إلى ضواحي تل أبيب.
السبب الأخير وهو تثبيت معادلة القوة الصهيونية كأقوى جيش في المنطقة بعد عجزه عن تحقيق أي من أهدافه في غزة ومع المقاومة مما يستدعى إعادة بناء ثقة المستوطنين في جيش الدفاع التي يبدو أنها في طريقها للتلاشي مع تزايد أعداد الهجرة إلى خارج الأرض المحتلة.
نتنياهو وقادة الكيان الصهيون في حاجة إلى دعم معنوي لمواطنيهم، فهم رغم كل الدعم الأمريكي والغربي ومحاصرة الدول العربية لغزة معهم، وعدم مدهم العون إلى المقاومة ما زالت المقاومة صامدة، بل تكبد العدو الصهيوني خسائر يومية حتى أنه بعد يوم واحد كان هناك صاروخ من المقاومة يخترق القبة الحديدية ولا يرى أطراف تل أبيب ويصيبها، في ظل هذه المعطيات تصبح الرواية الإسرائيلية التي حاول نتنياهو تصديرها مبكرًا مهلهلة، ويصبح الحديث الأقرب للصحة فيما حدث فجر الأحد هو ما قاله الأمين العام لـ”حزب الله”.
دواعي صدق المقاومة
كان إعلان المقاومة الإسلامية عن عملية الرد على اغتيال قائد “حزب الله” فؤاد شكر مكونًا من 3 بيانات صباحية وكلمة السيد حسن نصر الله عصر الأحد مع تصريحات عدة لوزارة الصحة اللبنانية عن شهداء ومصابين نتيجة هجمات الطيران الحربي الإسرائيلي، لم يخرج تصريح للمقاومة أو أحد قادتها قبل ظهور السيد حسن نصر الله ولا بعده مكتفية المقاومة بذلك.
تعودت المقاومة في لبنان إعلان عملياتها كلها في بيانات، وكذلك تعودت الإعلان عن خسائرها من الشهداء بشكل شبه يومي، وفي المقابل فلم تضبط القيادة الصهيونية معلنة عن قتلاها نتيجة عمليات “حزب الله” في الجنوب اللبناني إلا مؤخرًا، فقد أعلن موقع إسرائيلي عن مقتل 44، وإصابة 271 نتيجة هجمات المقاومة اللبنانية بينما كان الغالب على بيانات القيادة إصابة مستوطن، أو اثنين، وهو ما أعلنه أيضًا في العملية الأخيرة.
نظرًا لتكثيف الإعلام وتكراره الأخبار الصادرة عن القيادة الإسرائيلية فقد صارت عمليات المقاومة اللبنانية في الشمال الفلسطيني مسار تهكم لدى البعض، ومع ذلك لم يهتم “حزب الله” والمقاومة سوى بالقول إن هجماته حققت أهدافها.
ليس هناك ما يستدعي المقاومة للترويج لروايات ربما تكذب بعد ذلك، فيكون تصديق المقاومة محل شكوك، وفي النهاية هي جبهة إسناد لغزة والمقاومة الفلسطينية، ومعها جبهات أخرى تساند أهلنا في غزة، -قد يكون هذا ليس طموحنا-، ولكن الذهاب إلى حرب مفتوحة في الجنوب قد لا يكون في حسابات المقاومة في لبنان مراعاة لأوضاع لبنان وربما بالاتفاق مع الجبهات الأخرى المقاومة.
هذه الأسباب كلها تستدعي من المقاومة والحزب الحذر في التصريحات ومحاولة الدقة فيما تعلنه من بيانات وعمليات، فلا داعي لخسارة ما راكمه الحزب والمقاومة من مصداقية على مدار عقود من النضال والمقاومة.
على العكس من هذا فإن نتنياهو واليمين المتطرف في الكيان الصهيوني يبحثان عن أي نصر حتى ولو زائف يواري الهزيمة الكبيرة في غزة والخسارات التي تسببها هجمات محور المقاومة، أما الهدف الثاني الذي يسعى له نتنياهو فهو الذهاب لحرب شاملة تخرجه من مأزق غزة الصغيرة الأبية والعاصية على أقوى جيش في المنطقة وأحد أقوى جيوش العالم.