ترامب وهاريس.. من أقل شرا بالنسبة لغزة؟

دونالد ترامب وكامالا هاريس (الفرنسية)

لا شك أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2024 محل ترقب عالمي، نظرًا للعواقب الواسعة النطاق على السياسة الدولية، التي ستترتب على نتائجها، التي ستحدد الساكن الجديد للبيت الأبيض، من بين المرشحين الأوفر حظًا، كامالا هاريس نائبة الرئيس بايدن، مرشحة الحزب الديمقراطي، ودونالد ترامب الرئيس السابق، مرشح الحزب الجمهوري.

من اللافت للنظر، تأثر السباق الرئاسي الأمريكي لعام 2024 بقضايا السياسة الخارجية، التي غالبًا ما يندر أن تؤثر في الانتخابات الأمريكية.

ألقت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة بظلالها الكثيفة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقد ترجح كفة مرشح على آخر، في ظل تضاؤل الفوارق بين المرشحين، حيث يصبح لكل صوت قيمته.

لقد أسهم الدعم المستمر والثابت من إدارة الرئيس بايدن لإسرائيل في إحداث فجوة بين التقدميين والمعتدلين في الحزب الديمقراطي.

ومن ناحية أخرى، أدت الحرب على غزة إلى تراجع واضح في شعبية بايدن، وخسارته أصوات العديد من التقدميين، وأصوات حاسمة بين الناخبين الشباب، والعرب والمسلمين في أمريكا، إضافة إلى العديد من الناخبين اليهود الأصغر سنًا واليساريين، وهذه هي الثغرة التي أدركها الديمقراطيون، ويحاولون ترميمها، بعد تراجع بايدن عن خوض الانتخابات، وترشح كامالا هاريس.

من أقل شرًا بالنسبة لغزة؟

بغض النظر عن استطلاعات الرأي حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإنه من السابق لأوانه تقديم توقعات مبنية على الأدلة وموثوقة حول من سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة؟

وفي ظل المنافسة الانتخابية المحمومة والاستقطاب الشديد، وانحسار المنافسة بين المرشحين هاريس وترامب، يثور السؤال حول موقفهما من الحرب على غزة، ولعل صيغة السؤال الأنسب تعبيرًا عن الواقع، هي: أي المرشحين أقل شرًا بالنسبة لغزة؟

بالنسبة لترامب، فقد خدم المصالح الإسرائيلية بشكل غير مسبوق خلال فترة رئاسته السابقة، حيث نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، واعترف بها عاصمة لإسرائيل، وقد أدى ذلك إلى انتقادات واسعة في العالم العربي والإسلامي، كما عمل ترامب على دعم إسرائيل بأسلحة متطورة، ودفع بقوة نحو التطبيع، من خلال اتفاقيات إبراهام، التي أحدثت مزيدًا من الاستقطاب في المنطقة العربية.

يحاول ترامب مراعاة الاعتبارات الانتخابية عبر موقف متوازن، حيث يغازل المعارضين لبايدن بسبب استمرار الحرب في غزة، معلنًا أنه سيعمل على وقف الحرب فورًا، وتحقيق السلام عبر القوة وفقًا لتصوره، ومن ناحية أخرى يؤكد ترامب مرارًا وتكرارًا دعمه لإسرائيل، في مغازلة للوبي اليهودي والمؤيدين لإسرائيل.

هناك من يرى أن ترامب رغم أنه الأكثر دعمًا لإسرائيل إلا أن سياساته قد تكون أكثر وضوحًا وحسمًا فيما يتعلق بالحرب في غزة، وأنه الأكثر قدرة للضغط لوقف الحرب، وذلك خلافًا لسياسة الديمقراطيين المائعة والمتناقضة.

قد يرى المتخوفون من ترامب الجمهوري أن سياسات هاريس الديمقراطية أقل شرًا، وهنا سيفاضل الناخبون الأمريكيون الرافضون للحرب على غزة بين شرين، أقلهما سيظل شرًا في الأحوال كلها.

استقبل الإعلام تصريحات هاريس بأنها “لن تلتزم الصمت إزاء معاناة الفلسطينيين” باعتبارها أكثر تعاطفًا، وتمثل تحولًا عن موقف يايدن الداعم بقوة لإسرائيل.

ويأتي خطاب هاريس المتوازن نوعًا ما في محاولة لتقليص الآثار السلبية لسياسات بايدن الداعمة لإسرائيل، التي ترتب عليها زيادة المعارضة في صفوف الناخبين الشباب واليساريين والعرب والمسلمين.

لكن الحقيقة أن خطاب هاريس لا يعدو أكثر من تغير في النبرة، وذلك لاعتبارات انتخابية، ولا يعبّر عن تحول حقيقي في السياسات اتجاه إسرائيل والحرب في غزة، ولم يُترجم إلى سياسات واضحة لوقف حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. تحاول هاريس انتهاج سياسة مسك العصا من المنتصف، عبر إبداء التعاطف مع معاناة الفلسطينيين، وفي الوقت ذاته تستمر في تقديم الدعم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا لإسرائيل، ولا يمكنها بحال من الأحوال إغضاب اللوبي المؤيد لإسرائيل.

هاريس و”الشر الأكثر فاعلية”

في مناظرة له عام 2012 مع مايكل إريك دايسون، الأستاذ في جامعة جورج تاون، حول ترشح أوباما لفترة رئاسة ثانية، وصف الصحفي الراحل “جلين فورد” الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأنه “الشر الأكثر فعالية” لاحتضانه سياسات اليمين وتحييد المعارضة الفعالة، ولأنه وسّع نطاق مسارح الحرب من خلال حروب الطائرات دون طيار، وشن هجومًا متواصلًا على القانون الدولي.

وأضاف فورد قائلًا: إن الرئيس أوباما الشر الأكثر فعالية لأنه قادر، باعتباره ديمقراطيًا، على إنجاز المزيد من أجندة اليمين أكثر مما قد يتمكن الجمهوريون من تحقيقه على الإطلاق!

يرى البعض أن هاريس الديمقراطية وإن كانت “الأقل شرًا” في الثنائية الانتخابية الأمريكية، بناء على وعود الإصلاح الاجتماعي، وتأكيدها التمثيل المتنوع، ولكنها قد تكون الشر الأكثر فاعلية، وفقًا للتعبير الذي صكه الصحفي الأمريكي الراحل “جلين فورد”.

ختامًا

بغض النظر عما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن هناك حقيقة ثابتة في السياسة الأمريكية وهي “إسرائيل”، التي يؤكد عليها كل مرشح رئاسي، ويتعهد بالحفاظ على أمنها.

ويعد من خطأ التقدير أن يتوقع أحد أن يدير أي مرشح للرئاسة الأمريكية ظهره لإسرائيل في الوقت الحالي، في ظل إحكام جماعات الضغط الإسرائيلية الهيمنة على النظام السياسي الأمريكي، ووقوع الانتخابات الأمريكية أسيرة الدعم المالي الذي يقدمه الأمريكيون المؤيدون لإسرائيل.

وسواء كان الفائز بالانتخابات الرئاسية ديمقراطيًا أو جمهوريًا، فلن يكون هناك فرق يذكر بالنسبة لغزة، اللهم إلا في لغة الخطاب، الذي يناقض الفعل على أرض الواقع. إن أحد المرشحين للرئاسة الأمريكية حتى وإن ظن البعض أن سياساته أقل شرًا بالنسبة لغزة، فهو في الأحوال كلها شر بين شرين، وهذه معضلة للناخبين الأمريكيين الرافضين للسياسات الأمريكية الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة.

 

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان