محور المقاومة.. الأشباح تمرح في الصفوف
قد ينجح جاسوس واحد في هزيمة جيش بكامله، لذا فتطهير الصفوف مقدم على تنظيمها، وكما يقول سعد الله ونوس: “كم مرة هزمتنا الخيانة دون قتال”. وفي واقعنا العربي المعاصر تهزمنا الخيانة دون قتال، وأثناء القتال، وحتى قبل أن نقاتل بنصف ساعة.
ولعل ما حدث من توجيه إسرائيل لضربة استباقية إجهاضية قبل نصف ساعة من العملية العسكرية لحزب الله يكشف لكل من يدرك أن هناك اختراقًا، وهذا أمر وارد الحدوث وطبيعي، ولكن المستنكر هو إنكار الأمر وتجاهله خاصة مع استفحاله، ولا يخفى على أحد أن العملية العسكرية نفسها كانت للرد على اغتيال القائد الثاني في حزب الله فؤاد شكر وهو الذي تم استهدافه عبر الجواسيس أيضا، وهو نفس ما حدث في يناير/كانون الثاني الماضي عندما تم استهداف صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحماس مع 6 من رفاقه، والأمر نفسه يتكرر في لبنان بشكل أصبح شبه يومي مع قيادات الصف الثاني والثالث في حزب الله وحماس بل وفتح، تطاردهم الصواريخ في بيوتهم وسياراتهم وفي طرقهم؛ لذا فالأمر يستوجب اليقظة والتدخل السريع.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالدولة العميقة بين حضارتين
لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
جيش من الجواسيس
وقد يندهش البعض من كثرة الحوادث في الأراضي اللبنانية التي تشير إلى كثرة الجواسيس، ولكن لا دهشة فعادة ما يسعى المحتل خصوصًا في البيئة المقاومة إلى الاستعانة بجيش من الجواسيس، ولك أن تعرف مثلًا أن عدد الخونة أثناء ثورة التحرير الجزائرية بين عامي 1954 و1962 بلغ 136 ألفًا، إذ إنه بعد استقلال الجزائر عام 1962 غادر إلى فرنسا نحو ستين ألفا من “الحركي” وعائلاتهم مع الجيش الاستعماري، بينما بقي -حسب تقديرات غير رسمية- ما بين 55 و75 ألفا منهم في الجزائر، حيث تعرضوا لأعمال انتقامية.
والغريب أن ما حدث في لبنان تكرر وبشكل أكبر وأكثر ترهلًا في إيران مركز “محور المقاومة”، حيث تم اغتيال إسماعيل هنية الرجل الأول في حركة حماس بكل بساطة وهو ضيف على الحكومة، والغريب أن ذلك تم بعد أكثر من شهرين من وفاة الرئيس الإيراني ومرافقيه في حادث طائرة مريب، وفي الإطار نفسه تتكرّر عمليات الاغتيال التي تتم بيسر داخل الأراضي الإيرانية لعلماء ذرة بعضهم كان تحت الحراسة.
معاقبة الخونة
ربما لا يتفشى سُعار الجواسيس في غزة كما يحدث الآن في باقي دول محور المقاومة، والسبب انتباه حركة حماس منذ بدايتها إلى حجم خطورة الخونة، وهو ما كان من الممكن أن يؤدي إلى القضاء على الحركة، ولقد كان السنوار منذ شبابه مقتنعًا ومؤمنًا بمقولة الشيخ عبد الله عزام: “إذا أردت تحرير وطن ضع في مسدسك عشر رصاصات تسع للخونة وواحدة للعدو، فلولا خونة الداخل ما تجرأ عليك عدو الخارج”؛ ولذا فقد أنشأ السنوار بعد موافقة الشيخ أحمد ياسين الجهاز الأمني للحركة عام 1988، وأصبح الجهاز هو المسؤول عن ملاحقة المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل ومعاقبتهم عند ثبوت الأدلة بما لا يدع مجالًا للشك.
ولأهمية وخطورة ما فعل السنوار على الكيان الإسرائيلي حكمت عليه إسرائيل عام 1989م من خلال المحكمة العسكرية في غزة، بأربعة أحكام بالسجن مدى الحياة و25 عاما أخرى، بعد إدانته بقتل وتعذيب أربعة فلسطينيين اعتبرهم متعاونين، وقد قضى السنوار منها 22 عامًا بالسجن حتى تم إطلاق سراحه بين 1027 أسيرا فلسطينيا في عملية تبادل أسرى عام 2011 مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
استعادة اللياقة
ربما يكون من المكاسب التي حققتها عملية طوفان الأقصى وما تبعها من دخول حزب الله كجبهة إسناد في الحرب، أن الأمر قد سمح لقوات حزب الله بأن تستعيد لياقتها الحربية والاستخبارية بعد مرور ما يقرب من عقدين من الزمان على آخر حرب لتلك القوات.
وربما سيتضح قصدي في الفرق بين حزب الله بالأمس واليوم مع استعراض ما جاء في الكتاب المهم “حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل”، وهو الكتاب الصادر عن مركز الأسلحة المشتركة للجيش الأمريكي الذي تمت فيه الاستعانة بمجموعة من العسكريين وضباط المخابرات في الجيش الإسرائيلي.
يؤكد الضابط الأمريكي مات م. ماثيوز مؤلف الكتاب تمرس حزب الله استخباريًّا آنذاك قائلًا: “يبدو أنه خلال الفترة من 2000 إلى 2006 م تمرس حزب الله في مجال استخبارات الإشارات المضادة، وهي كفاءة كان لها مردود كبير في حروبه المستقبلية ضد إسرائيل، كما حقق حزب الله نجاحات باهرة في مجال العنصر البشري في الاستخبارات، فقد تمكن بالاشتراك مع ضباط الاستخبارات اللبنانية، من تضليل عملاء إسرائيل في الجنوب اللبناني، ومن تفكيك شبكة تجسس إسرائيلية مهمة. يقول ضابط المخابرات كروك وبيري: “في بعض الحالات البالغة الأهمية، تمكن عناصر الاستخبارات الكبار في حزب الله من القيام بالتغذية المعاكسة وأرسلوا إلى إسرائيل معلومات مضللة، تتعلق بأهم المواقع العسكرية للحزب، وكانت النتيجة أن ملفات تحديد الأهداف الإسرائيلية كانت تتعرف على مواقع رئيسية لم يكن لها في واقع الأمر أي وجود، كما يبدو أن حزب الله قد نجح في زرع عملائه شمال إسرائيل”.