بعد كارثة الصين.. هل ينهار سد النهضة الإثيوبي؟!
تعرضت 11 مقاطعة صينية لأسوأ موجة من الفيضانات العاتية، طالت أكثر من 1000 مدينة صناعية وزراعية يسكنها نحو 100 مليون نسمة، بوسط وجنوب وشرق البلاد.
رغم وجود الصين بقائمة الدول الفقيرة بمصادر المياه فإن فيضاناتها مخيفة تسقط بلا سابق إنذار، إذ تفتح السماء أبوابها فجأة فتلقي بأطنان المياه يصل منسوبها لأكثر مترين فتغرق الأرض وما عليها في لحظات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحلم شباب إفريقيا على طريقة “القط الصيني”!
«بهاء طاهر».. أن تنتمي إلى الحرية
الجازي وعبقرية الموت والرأي العام: التغيير قادم!!
يستمر المطر-عادة- بهذه المناطق لأيام، وعندما تصادفه رياح موسمية عاتية مثل إعصار “غامي” الذي مر مؤخرا بجنوب الصين وتايوان والفلبين، الذي أحدث تدميرا أشد قسوة من “تسونامي”، يقتل العشرات ويشرد ملايين السكان.
عند زيارتك لمقاطعات شنغهاي، ووهان، وهوبي، على امتداد نهر اليانغتسي الطويل، قد تجد نفسك محاصرا بمياه المطر الغزير أغلب العام، بينما تصدمك بيجين العاصمة الجافة معظم الشهور، بكتل ثلجية أول نوفمبر، تكسو الشوارع بطبقات من الجليد السميك تحيط بسكانها بعاصفة كالزمهرير، درجة حرارتها دون الــ 20 مئوية، تستمر حتى فبراير من العام التالي.
تواجه الصين مخاطر المناخ بعد أن أصبحت أكبر مصدر عالمي للانبعاثات الضارة بالبيئة، وتعرض البلاد لمخاطر مرتبطة بالمياه تسبب فيضانات كارثية غير مسبوقة، وتزيد أثناء الصيف (20٪ أعلى من المعدل الطبيعي). تقدر وسائل الإعلام الرسمية خسائرها بنحو 18 مليار دولار سنويا.
يبقي التلوث البيئي البلاد على شفا كارثة مائية، إما لتوقف هطول الأمطار لسنوات، أو تعود لتشكل فيضانات مدمرة، بما يؤثر بقدرتها على إنتاج الحبوب والطاقة النظيفة، لشعب تعداده 1.4 مليار نسمة، تثير أزماته اضطرابا بأسواق الغذاء والطاقة في العالم.
توقعت مؤسسة الصين لإدارة مخاطر المياه CWR عام 2022، أن ترتفع نسبة السكان المعرضين لمخاطر الفيضانات الكارثية من سنة لأخرى، مع تأثر ما بين 27 مليون إلى 35 مليون شخص إضافي سنويا بحول منتصف القرن الحالي.
سد الصين العظيم
عرفت الصين المجاعات على مر العصور جراء نقص المياه، وكثرة الفيضانات المدمرة، بما جعل مشروع تخزين المياه له أولوية كبرى خلال العهدين الإمبراطوري ثم الجمهوري الذي يقوده الحزب الشيوعي حاليا. تسرف السلطات ببناء السدود، بكافة أحجامها، فأصبح لديها 94 ألف سد، يتحكم في 10٪ من سعة تخزين المياه في العالم بأسره.
يوقن الحزب الشيوعي بأن بقاءه في السلطة رهن بعدم العودة لعصر المجاعات التي تفتك بملايين البشر، وأن قدرته على إبهار المواطنين بالإنجازات الكبرى، كأكبر كمبيوتر وأكثر “الروبوتات، وأعلى المباني وأضخم السدود، تجعلهم مؤمنين بقيادته، وتتركهم يتصرفون بموارد الدولة، بلا حساب.
تأتي مشروعات المياه والسدود بقمة أولويات السلطة، ومع تعرض 75٪ من السدود للتقادم الزمني والانهيار، اندفع الحزب الشيوعي لبناء سلسلة ضخمة من السدود، من أعظمها “سد المضايق الثلاثة”، الواقع بمناطق التقاء روافد نهر اليانغتسي، بمقاطعة” خبي”.
بدأت هيئة سد المضايق الثلاثة عملها عام 1994 بإقامة هيكل السد الإسمنتي العملاق الذي يضم عشرات البوابات بعرض 2.3 كيلو متر، وبتكلفة 31 مليار دولار، وانتهت منه عام 2009. تبدأ روافد النهر من ارتفاع 4500 متر بجبال الهيمالايا التي تمثل القطب الثلجي الثالث للكرة الأرضية، المتعرضة لظاهرة الاحتباس الحراري، فترفع من معدل ذوبان الثلج سنويا، بما يزيد كميات المياه إلى البحيرة والنهر والفيضانات.
أجلت السلطات 1.4 مليون إنسان من أرض عمروها لقرون، بعد أن غطت المياه مساكنهم، فأصبحت خزان مياه هائلا يمتد على مسافة 650 كيلو مترا، بارتفاع متوقع بنحو 180 مترا.
وصل منسوب المياه خلف السد خلال فصل الشتاء خفيف المطر بالأعوام الأخيرة، إلى نحو 175 مترا، تنخفض صيفا إلى 145 مترا، مع هطول أمطار غزيرة، على امتداد مجرى اليانغتسي.
يحتوي السد على 34 مولدا لإنتاج الكهرباء، بقدرة 22.5 غيغا وات ساعة، بما يضعه بقائمة أكبر مشروع للسدود ومحطات الطاقة المائية على مستوى العالم.
آذان من طين!
ظل السد مثيرا للجدل منذ الشروع ببنائه، وكان السؤال المطروح دائما: هل سد المضايق الثلاثة في خطر وعرضة للانهيار؟!
سدت السلطات آذانها عن المخاوف التي أثارها علماء الصين والأجانب بشأن مخاطر فنية تتعلق به، حول بناء هيكل خرساني هائل بمنطقة زلزالية، تتعرض لفيضانات قوية، تهدد المقيمين على مسافة 3 كيلو مترات، من مجري اليانغتسي ومياه سريعة تراكم الطمي أمامه، تسبب انزلاقات طينية جراء تسرب مياه البحيرة إلى باطن الجبال المحيطة بالسد.
وطنت السلطات نحو 38 مليون نسمة بالمناطق المرتفعة على جانبي ممر النهر والسد والخزان، بينما المنطقة تشهد فيضانات هائلة، تسقط بقوة 60 ألف متر مكعب في الثانية، تهدد جسم السد وبواباته، غير القادرة على تصريف أكثر من 38 ألف متر مياه بالثانية.
مشهد من يوم القيامة!
على مدار الأسبوعين الماضيين، وقع ما حذر منه العلماء، ومنهم وانغ وي ليو أحد المهندسين الذين خططوا لإنشاء سد المضايق الثلاثة، والمقيم حاليا بألمانيا. اعترض العلماء على بناء السد العملاق، بمنطقة زلزالية كثيفة الأمطار، باستخدام متفجرات، لإزالة المناطق الجبلية، حول السد والخزان، بدلا من التجريف الهادئ، حتى لا يتعرض هيكله الخرساني للتفتت والضعف. طلب العلماء أن يقسم المشروع إلى عدة سدود متتالية على مجرى اليانغتسي، خشية أن يسبب كارثة تغرق مقاطعات كثيفة السكان، تنتج نصف زراعات البلاد، فور تعرضه لهزة زلزالية عنيفة أو ضربة نووية.
يتجاهل الإعلام الدولي حجم الكارثة الإنسانية. يظهر التلفزيون الحكومي بطولات رجال الإنقاذ، ويخفي مأساة ملايين المتضررين بينما ترصد كاميرات وهواتف المواطنين بعضا من مشاهد يوم القيامة، وتنشر على الإنترنت تحطما لسد كبير بالقرب من سد المضايق، تبتلع مياهه المواطنين وسيارات الإنقاذ، وغرق آلاف المنازل بمئات القرى والمدن.
شاهدنا أفلاما لأراض تمور وجبال تخر وتتفتق وجسور وطرق حديثة تتمدد ثم تشقق فيتساقط الناس والسيارات كالدمى بين الأودية السحيقةـ التي امتلأت بالمياه المتدفقة بشدة من بوابات السد والفيضانات العاتية.
الملفت، أن السد العظيم الذي تروج له الصين كنموذج عالمي يحتذي به، تظهر صور التقطها خبراء بتعرضه للالتواء من شدة ضغط المياه على هيكله الخرساني، رغم تشغيل معظم بوابات تصريف الفيضان، بما جعلهم يؤكدون أن مسألة انهياره أصبحت مجرد وقت!.
القضية الأهم، أن هذا النموذج، هو عينه الذي نفذته الشركات الصينية المشاركة في بناء سد “النهضة” بإثيوبيا، بمنطقة يؤكد خبراء مصريون ودوليون، وقوعها على فالق زلزالي، وبأرض غير آمنة، غزيرة الأمطار، وهي نفس العيوب التي رصدها العلماء بموقع سد المضايق الثلاثة، بما يبشر بكارثة ستكون خارج السيطرة، قد تغرق الخرطوم الواقعة أسفل السد الأثيوبي بنحو 350 مترا، أو تظل تحت التهديد الدائم، من فضيان مياه جارف تزيد كتلته عن 70 مليار متر مكعب.