ضربة تعيد “الكيان” إلى هزيمته
من العراق كانت الولايات المتحدة الأمريكية تخوض حربًا شرسة ضد نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003 لترسي نظامًا إقليميًّا جديدًا، أسقطت نظام الحكم هناك فحققت هدفها بشكل كامل، هنا يمكن أن نفهم طبيعة الكثير من الحروب في العالم، أرادت الولايات المتحدة أن تتخلص من قوة خصومها، وخصوم الكيان الإسرائيلي المحتل، وتضمن ولاء المحيط العربي بشكل كامل.
كانت الحرب عسكرية لكن أهدافها سياسية واستراتيجية بالأساس، تعيد التوازن المطلوب على مقاس أمريكا وربيبتها إسرائيل، وتضمن لها الأمن لسنوات طويلة مقبلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
في الحروب ليس الهدف عسكريًّا دائمًا، ولا المطلوب منها هو تحطيم القوة العسكرية للخصم، بل إن الهدف الأكبر والأهم دائمًا هو فرض توازنات سياسية جديدة، وتحجيم العدو وإعادته إلى وضعه الطبيعي أو أقل.
من هنا يمكن فهم الضربات العسكرية المنتظرة من قِبل إيران وحزب الله اللبناني ضد الكيان الإرهابي المحتل الذي تجاوز باغتياله الشهيد إسماعيل هنية بعد أن قصف وقتل الشهيد فؤاد شكر كل الحدود، وباتت الحرب وسيلة لرسم توازنات جديدة في منطقة تمادى فيها جيش الكيان المحتل وقيادات الحكومة المتطرفة في الغطرسة بدرجة لم تعد تحتمل القبول ولا التساهل.
الهدف الرئيس من الضربة العسكرية
ليس علينا أن نفرط في الأمل بدرجة لا تسمح بها التوازنات الدولية ولا الواقع العربي الإسلامي، ولا علينا أن نخفض من سقف أحلامنا وأمانينا لنرتكن إلى الاستسلام والهزيمة.
كل المطلوب من أي ضربة توجهها إيران أو يقوم بها حزب الله ضد الكيان المحتل هو تأكيد هزيمته الاستراتيجية عبر فكرة واحدة: أن الردع الإسرائيلي سقط وانتهى، وأن أمن الكيان الصهيوني بات مستباحًا كما لم يحدث من قبل.
ضربة عسكرية ليس مهمًّا أن تكون مزلزلة، لكن الأهم أن تكون رسالتها السياسية مزلزلة!
ضربة عسكرية تعيد رسم خريطة المنطقة بحسابات اللحظة، وتردع الكيان الذي طغى وتجبر وانفلت من كل قيد، وتُظهر قوى المقاومة في المنطقة رقمًا فاعلًا ومؤثرًا في معادلة المستقبل.
ضربة عسكرية هدفها إنهاء الواقع القديم الذي يؤكد أن يد “إسرائيل” يمكنها أن تطول أي مكان في الشرق الأوسط، وهي الرسالة التي حاول قادة الكيان المحتل ترسيخها بعد عمليات الاغتيالات الأخيرة، ورددها رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت في مؤتمرات صحفية منذ أيام قليلة.
فليس هدف أي قصف ضد الكيان هو تدمير قوته العسكرية بقدر تدمير شعوره بالتفوق والتسلط على المنطقة وشعوبها وأرضها وسمائها.
وفي ظني أن قوى المقاومة العربية قادرة على أن ترسم هذه الخريطة الجديدة، وأن تؤكد الهزيمة السياسية والاستراتيجية للكيان المحتل التي بدأت منذ اللحظة الأولى لعملية طوفان الأقصى الشجاعة، وتبعث برسالة إلى كل الأطراف مفادها أن كل ما يخطط له الاحتلال من فرض واقع استسلام على المنطقة كلها لن يمر.
الضربة العسكرية والحرب الإقليمية
منذ أكثر من عامين تحارب روسيا في أوكرانيا، تخوض معركة ليس الهدف منها احتلال أوكرانيا، ولا مجرد تدميرها عسكريًّا، بل تحجيم النفوذ الغربي الذي يسعى لحصارها، واستعادة النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفيتية التي هي جزء من أمنها القومي، وبصرف النظر عن شرعية هذه الحرب، فإن حربًا عالمية لم تندلع رغم التهديد بها من قِبل القوى الغربية مرارًا وتكرارًا.
في التهديد الغربي بحرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط نوع من الضغط على الدول التي تعادي المشروع الصهيوني، وإنقاذ للكيان المحتل عبر التهديد والتخويف، ومحاولة لترك الخريطة السياسية التي ترسمها “إسرائيل” كما هي دون تغيير، رغم أن المؤكد أن القوى الغربية هي بنفسها التي ستسعى إلى منع أي حرب إقليمية تؤثر في مصالحها، وتهدد الاستقرار الذي تسعى له في منطقة مهمة من العالم.
في الضربة العسكرية المنتظرة من قِبل قوى المقاومة رد سياسي على فرض الأمر الواقع على المنطقة، وتأكيد أن لغة التهديد بحرب إقليمية لن يجدي، وإجبار للقوى الغربية المؤيدة للاحتلال على التفاوض على خريطة سياسية جديدة أكثر عدالة، لا تنفرد برسمها الحكومة الصهيونية المتطرفة، ولا تتعامل مع الشعوب العربية بوصفهم رقمًا مهملًا في سجلات الواقع.
المؤكد أن لا أحد في المنطقة يسعى لحرب إقليمية شاملة، بما فيهم الكيان المحتل، لكن المؤكد أن الواقع يشهد أن فزاعة هذه الحرب الإقليمية لن يسقطها إلا ضربة عسكرية للكيان، نغيّر بها معادلة السياسة، وتجبر القوى الغربية على الضغط على الاحتلال لإيقاف جنونه المتواصل.
الدور العربي الرسمي والشعبي
لا يمكن الوثوق في دور عربي رسمي فاعل في أي حرب قد تستمر لبضعة أيام بين إسرائيل ومحور المقاومة.
فالواقع العربي يشهد أن الأنظمة الرسمية لم تكن طرفًا جادًّا في محاولات إنهاء العدوان على غزة طوال الأشهر الماضية.
الأنظمة العربية اختارت أن تكون وسيطًا في الصراع منذ بدايته، ترعى المفاوضات وتُدخل المساعدات، وبخلاف هذا الدور لم يكن هناك وجود عربي حقيقي ومؤثر.
في الرهان على تأثير عربي تحميل للأنظمة الرسمية بأكثر مما تحتمل.
تقديري أن المطلوب فقط أن تنحاز لغة الخطاب السياسي الرسمي إلى فكرة أساسية مفادها “إسرائيل هي المسؤولة عن إشعال المنطقة”، بما يمنح الضربة العسكرية المنتظرة بعضًا من الغطاء السياسي المطلوب، ولو فعلت الأنظمة الرسمية هذا الدور لكان هو الحد الأدنى المطلوب وربما أقل كثيرًا.
أما الشعوب العربية فإن انحيازها سيكون واضحًا بما لا تخطئه عين، تعبّر عنه المظاهرات الشعبية الداعمة للمقاومة، وصفحات التواصل الاجتماعي التي تموج بالتأييد والمساندة لكل من يقاوم الكيان المحتل، وهو دور -في تقديري- سيستمر مع أي ضربة عسكرية توجهها قوى المقاومة لدولة الاحتلال، وهو أداء فاعل ومؤثر وضاغط على الكيان ومؤيديه في دول العالم الغربي، ثم إنه جزء من بناء العقل والانحياز العربي في المستقبل، فهذه الأجيال العربية الغاضبة والداعمة هي التي ستحمل قضيتها المركزية الأولى، وتدافع عنها وتحميها حتى الخلاص من الاحتلال وتحرير الأرض في يوم آتٍ لا محالة.