أحلام السلطان عبد الحميد الأخيرة

السلطان عبد الحميد (الجزيرة)

عندما دخل السلطان عبد الحميد إلى قاعة التوقيع على وثيقة خلعه من الخلافة كان بين الحضور المحامي اليهودي الصهيوني إيمانول كاراصو، فتساءل السلطان عن سر وجود هذا المحامي اليهودي بين أبناء دولته؟!

الواقع أن سؤال السلطان عبد الحميد الذي يعتبر السلطان الحقيقي الأخير للمسلمين جاء متأخرا جدا، وبعد  وقت طويل تغلغل اليهود (الصهاينة) داخل دولته والخلافة.

فالتدخل اليهودي بدأ منذ العقد الأخير من القرن التاسع عشر مع ظهور فكرة تأسيس الدولة الصهيونية وإقامة لهم في فلسطين، وكان أهم أضلاعها ثيودور هرتزل، والمحامي الذي أشار إليه السلطان وهو يوقع وثيقة تنازله عن الخلافة في 27 إبريل/ نيسان 1909.

لقد قادت جمعية الاتحاد والترقي تمردا على الخليفة منذ عام 1908 بفعل الدعم الكثير التي قدمته بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا طوال سنوات للضغط على السلطان ليسمح بتملك اليهود الأراضي في فلسطين، وكان تأسيس هذه الجمعية في 1889 في باريس.

الوصول لهذا التاريخ كان مشواراً بدأ مبكرا وقبل مؤتمر الحركة الصهيونية في سويسرا 1897 بسنوات، وهو المؤتمر الذي دعا إلى إقامه وطن قومي لليهود، التي رفضها عبد الحميد رغم كل الإغراءات، وقال قولته المشهورة حين عرض عليه 150 مليون ليرة تركية، “والله لن أتنازل عن متر في أرض فلسطين مقابل ملء الدنيا ذهبا، ولن ألوث تاريخ أجدادي والمسلمين بهذا العار”.

تصاعدت الأحداث وأصبحت العاصمة تحت النار وانقسم الجيش، والوزراء، وامتلأت شوارع إسطنبول بالدماء بين مؤيد للشرعية والخلافة وشباب جمعية الاتحاد والترقي، واغتيل وزراء وباشوات، وجنود وضباط، ودخل المتمردون إلى قصر الخليفة.

كان على السلطان الأخير أن يتنازل عن الخلافة لأخيه الأصغر محمد الخامس، ونفي السلطان إلى جزيرة سالونيك في حضور أحد أضلاع هدم الخلافة المحامي الصهيوني إيمانول كاراصو، الذي بدأ مشواره منذ سنوات في أروقة الخلافة.

مشوار الحركة الصهيونية مع عبد الحميد كان الخط الدرامي الرئيسي في المسلسل التركي عاصمة عبد الحميد أو السلطان عبد الحميد الذي قدمته الدراما التركية في خمس مواسم بعدد حلقات بلغت 154 وعدد ساعات فاق 350.

ركز العمل الدرامي على صراع عبد الحميد مع اليهود الصهاينة والقوى الاستعمارية ممثلة في بريطانيا وفرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وشهدت تلك الفترة حروب ضد السلطان عبد الحميد امتدت لأكثر من عشرين عاما.

حلم امتلاك السلاح

وقفت هذه الدول بقوة السيطرة الصهيونية على مصارف وبنوك العالم ضد أحلام السلطان الأحمر كما كان يلقبه الغرب ضمن حملة تشويهه أمام المسلمين والعالم.

كان أهم حلم للسلطان هو الحصول على السلاح سواء عبر تطوير الأسلحة التي تملكها دولته، أو تصنيع المزيد منها، أو الحصول على الأسلحة المتقدمة خاصة من ألمانيا.

كان أشهر تاجر سلاح في محيط عبد الحميد هو تاجر ألماني عاش في إسطنبول، ولكن اليهود سيطروا عليه بالتحكم في تجارته، فلم يستطع عبد الحميد الحصول على ما يكفيه من السلاح المتقدم منه، وكان عليه أن يبحث عن طريق للتصنيع عن طريق مبعوثيه إلى الدول الأوربية.

كان المهندسون الأتراك يحاولون بكافة الطرق الحصول على علوم تصنيع الأسلحة، واستطاعوا تطوير الاسلحة الموجودة لدى دولة الخلافة، ولكن وقفت الديون العامة أو أقساط الديون للدول الأجنبية الاستعمارية حائلا أمام تحقيق أحلامه.

كانت الديون العمومية تحصل على أقساط الديون ثم يحولون ما يتبقى إلى خزينة الخلافة.

عندما جاء مشروع تطوير السلاح، وإنتاجه كانت النتيجة الطبيعية أن ناتج الدولة بالكاد يغطي قسط الدين.

كان اليهود دائما ضد امتلاك التكنولوجيا المتقدمة لدولة الخلافة، استخدموا كل الملوك والرؤساء في بلاد الاستعمار، ودفعوا معهم من أجل استمرار حروب عبد الحميد لإنهاكه وهدم دولة الخلافة بوجود سلاطين وخلفاء ضعفاء.

تطوير علوم الدين

كانت فكرة دمج العلوم الحديثة من علوم الطب، والهندسة في المدراس الدينية التي تقدم علوم الشريعة والفقه فكرة عبد الحميد وقد بدأ بها في السنوات الأولى من القرن العشرين، وحاول السلطان القوي أن ينشئ جيلا جديدا من علماء المسلمين يدمجون علوم الشرع بالعلوم الحديثة في المدراس التي تنشئها الدولة.

كان الاجتهاد العلمي فيما سبق فرديا يتناقله التلاميذ عن طريق معلمين أفراد. أصر السلطان على وجود هؤلاء الذين ينتمون للفكرة الإسلامية والخلافة، ويصبحون علماء يعرفون علوم التقدم بقدر معرفتهم للعلوم الدينية.

كانت الدولة تتعرض لهزات قوية مع بداية القرن العشرين، تعالت الأصوات داخلها تنادي بالحرية، وتوصم السلطان بالاستبداد والديكتاتورية، واسُتخدمت الصحف التي تطبع في العاصمة وفي الدول الأوروبية في وصمه بالسلطان الأحمر، والسلطان الدموي، بل إن بعض الصحف وخاصة اليهودية كانت تنشر الكثير من الأخبار الكاذبة عنه.

كل هذا جعل السلطان يفكر في تنشئة أجيال جديدة تنتمي للفكرة الإسلامية وتكون فئات مهنية وتقلص الاعتماد على أبناء هذه المهن من الأجانب واليهود، فكانت فكرة دمج العلوم المدنية بالعلوم الدينية، لكن أيادي اليهود والغرب الاستعماري، وتحكم الديون العامة في ميزانية الدولة وقفت حائلا ضد المشروع، فلم تكتمل التجربة، وإن حصلت بدايات لها.

سكك حديد الحجاز

كان مشروع السكك الحديدية الرابط بين ولايات الخلافة الإسلامية من أهم المشاريع التي عمل عليها السلطان عبد الحميد، وبدأ يعمل من خلال مشاريع صغيرة تربط أرجاء الدولة التركية، ونجح في العديد منها حتى وصل إلى حلمه الأكبر بربط إسطنبول عاصمة الخلافة بالحجاز، والأراضي المقدسة مرورا بدمشق وبغداد، والقدس، وكان هذا الخط من اهم المشاريع المرتبطة أيضا بطرق التجارة العالمية.

حاولت القوى الغربية الوقوف ضد مشروع عبد الحميد، خاصة أن هذا المشروع جاء مع بدايات اكتشاف البترول في الأراضي العربية والإسلامية، وكان لابد من إيقاف المشروع عن طريق التحكم في التمويل، ومنع عبد الحميد من الوصول لمصادر الطاقة، وما كان لليهود، والغرب خاصة أمريكا وبريطانيا لتترك هذا المشروع يتم.

حاول اليهود عن طريق الصهاينة الموجودين في العاصمة الحصول على خرائط السكة الحديد الجديدة، وخرائط منابع البترول، واستخدموا في ذلك أغلب سفراء الدول الغربية، وكذلك الشركات البريطانية، والألمانية، وحاولوا التحكم في الشركات العاملة في المشروع.

استمر العمل في هذا الخط 8 سنوات بداية من عام 1900، وافتتح المشروع في الاحتفال بذكرى تولي السلطان العرش في سبتمبر/ أيلول من نفس العام.

توالت الأحداث عاصفة حتى سقطت دولة الخلافة وتفتت الأمة، وما زالت الأحلام الكبيرة الذي حققه الخليفة الأخير جزءا منها بعد معركة صلبة وقوية مع الدول الاستعمارية، واليهود الصهاينة قابلة للتحقق، ولايزال التاريخ صالحا للتعلم.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان