لا تصنعوا مطبات في طريق إيران!
إذا كنتُ في اختيار بين إيران وإسرائيل، فإن انحيازي سيكون مع إيران.
نحن أمام كيان احتلال يستحيل الاصطفاف معه تحت أي ظرف، حتى لو كان نهر من الخير سيتدفق منه، وهو لا يعرف الخير، فكل ما يصلنا منه الدم والدمار، والشر والخراب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
العرب منذ آخر حروبهم الرسمية مع إسرائيل عام 1973، وجانب منهم لم يعد في حالة عداء معها؛ مصر بعد زيارة السادات إلى القدس المحتلة 1977، وبلدان الأطراف، وهى ظلت تاريخيا خارج المواجهة لأسباب جغرافية، وإن كانت بقيت في حالة تضامن مع عواصم المواجهة وتشارك رمزيا في الحروب.
بعد مؤتمر مدريد للسلام 1991، صارت كل الدول العربية مع السلام، بما فيها العواصم التي لها أراضٍ لا تزال إسرائيل تحتلها؛ سوريا والأردن ولبنان.
وبعد اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل 1993، ثم اتفاق وادي عربة بين الأردن وإسرائيل 1994، ثم مبادرة السلام العربية في قمة بيروت 2002، فإن المواجهة العربية مع إسرائيل سقطت، وصفحة الحروب طُويت، ومسألة العداء انتهت.
لكن ربما كل هذا إلى حين، ذلك أن عقلية وممارسات الإرهاب لهذا الكيان يسهم بجدارة في جعل الأجيال العربية الجديدة التي لم تعاصر حروبا تكون معبأة ضده، رافضة له، مستعدة لاستئناف التضحيات بمواجهته، فالإبادة الشاملة التي ينفذها في غزة منذ عشرة أشهر محفز هائل آخر لمناهضة هذا الكيان.
المؤكد أن الشعب العربي كله ضد إسرائيل ووصل إلى مرحلة رفض التعايش معها، أو مد الأيادي إليها، أو التجاوب مع أي دعوات سلام تجاهها، فهى تدمر التعايش وتقطع الأيادي الممدودة وتقتل السلام؛ فكرة ومعاهدات ومفاوضات مجمدة.
كيان للقتل
النظام الرسمي العربي أخرج نفسه من دائرة الصراع والحرب مجانا، وانهمك في التعامل مع إسرائيل بدفع من أمريكا على أمل أن يتحقق السلام وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، لكن بعد 45 عاما من معاهدة السلام المصرية، و33 عاما من مدريد، و31 عاما من أوسلو، و30 عاما من وادي عربة، و22 عاما من المبادرة العربية، و4 أعوام من تطبيع 4 دول عربية أخرى، فيما سُمي “اتفاقات أبراهام” برعاية الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بعد كل هذه السنوات، وكل هذه المعاهدات والهرولات، فإن السلام مستحيل مع كيان تأسس ويعيش على القتل، وليس السلام.
ونتنياهو خصص كلمة له مساء الأحد الماضي عن زئيف جابوتينسكي مؤسس الصهيونية المقاتلة، وأشاد به، وأكد مواصلة تنفيذ أفكاره وخططه بقتال الأعداء، وتحدث عن اليد الطويلة القادرة على الوصول إلى الأعداء في غزة واليمن ولبنان، وكل مكان يُوجَدون فيه، وبالطبع إيران.
المقاومات العربية
في الأمة العربية كلها لم يعد هناك من يعلن المواجهة مع كيان الاحتلال النازي سوى فصائل المقاومة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني بالطبع الذي يتحمل بطش الاحتلال، ويقدّم تضحيات هائلة من الروح، وكل غالٍ ونفيس، كما هى حاليا أسطورة غزة طوال عشرة أشهر، وكما هى نضالات الضفة والقدس، وكما هو كفاح كل فلسطيني في الداخل والخارج، فهذه أعظم مقاومة لأشنع احتلال في التاريخ.
والمقاومة هى عنوان حزب الله في لبنان، ومنذ نشأته عام 1982 وهو يخوض مواجهات شرسة ضد إسرائيل سواء خلال احتلالها للبنان، أو بعد انسحابها وبقائها في منطقة أخيرة منه (مزارع شبعا)، أو في إسناده للمقاومة في غزة وهى تخوض معركة الدفاع عن كرامة الأمة، وإثبات أن الرجولة لا تزال باقية بين العرب، وفي صدها للعدوان والإبادة والتطهير العنصري.
وفي قائمة المقاومة الشعبية العربية، هناك فصائل عراقية تقوم بدورها قدر الاستطاعة في ظروف صعبة يعيشها هذا البلد منذ خطايا ارتكبها نظام صدام حسين (الحرب مع إيران، وغزو الكويت)، وتواصلت الخطايا بعد صدام (التعاون مع المحتل الأمريكي للعراق، والقبول بالمحاصصة الطائفية في الحكم، والسياسة الانتقامية من أحزاب وحركات طائفية ضد فئات عراقية على خلفيات قديمة تعود إلى مرحلة صدام).
وإذا كان اليمن قد سقط في هوة الانقسام الوطني بعد ثورة للحرية والديمقراطية انكسرت فيه، كما كل ثورات الربيع العربي، فإن أحد طرفي الانقسام، وهو التيار الحوثي، يرفع راية المقاومة ضد إسرائيل إسنادا ودعما لغزة، وقد تسبب في إيلام حلف العدوان الصهيوأمريكي، وهذه تُحسب له، وقد تخفف من مرارة أن يكون ضمن أسباب تفتيت اليمن وأزمته وتشرد شعبه.
إيران والضربة المتوقعة
هذه ساحات المقاومة، والرأس فيها، وغالبا القيادة لها، أو المحفزة على استمراها، أو الداعمة لوجودها وحركتها هي إيران.
ونحن لسنا مع معاداة إيران، إذ بينها وبين العرب أواصر روابط وعلاقات وثيقة تاريخية وجغرافية ودينية واجتماعية وثقافية لا تنفك ولا تزول، ولسنا مع تهديد إيران لأي قطر عربي، وهي والعرب مستهدفون من الإسرائيلي حتى لو ظن العرب الرسميون أنهم في مأمن من الغدر الصهيوني، وأن العلاقات القائمة -العلنية أو السرية- تمنع إلحاق الضرر بهم، فهذا الكيان التوسعي يضمر الشر لكل ما عداه.
بسبب المقاومة ودعمها تتعرض إيران لضربات إسرائيلية مؤلمة، أحدثها اغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنية في قلب طهران.
وإذا كانت إيران قد قررت الرد والثأر لكرامتها الوطنية بقوة، فهذا حق أصيل لها، وهنا على العرب إذا لم يكونوا عونا لها -وهم لن يكونوا- فإن عليهم ألا يضعوا العراقيل أمامها، ولا يصنعوا المطبات في طريقها، ولا ينضم أي منهم إلى أي حلف دفاعي عن إسرائيل تشكله أمريكا، كما حصل في 13 من إبريل/نيسان الماضي، عندما وجهت إيران ضربتها إلى إسرائيل ردا على قصف قنصليتها في دمشق وقتل عدد من قادتها العسكريين.
رد إيران يجب أن يكون مقنعا لشعبها وللرأي العام العربي والإسلامي، ومؤلما بشدة لإسرائيل، حتى تفكر ألف مرة إذا تجرأت على انتهاك سيادتها الوطنية مجددا.