نتنياهو والصهاينة.. هل فازوا بصورة النصر بدم إسماعيل هنية؟

الشهيد إسماعيل هنية (الأناضول)

لم يكن إسماعيل هنية الأول في قوائم الاغتيال، ولن يكون الأخير، فكلما تنفس الصهاينة العجز أمام المقاومة لجؤوا إلى الاغتيال لإسعاد جمهورهم المتعطش دومًا للدم الفلسطيني، ولمنح أنفسهم بعض ما يعوض شعورهم بالمهانة أمام الداخل والخارج؛ لفقدانهم الردع كما يريدون، ولتراجع سمعتهم كأحد أقوى جيوش العالم، بعد فشلهم في استرداد الأسرى ووصول الحرب إلى طريق مسدود.

فكلما طالت الحرب تضاعفت أزمات الكيان الصهيوني الداخلية، وتدهورت مكانته في العالم، وزادت صعوبة حلفائه في إقناع شعوبهم بأكاذيبهم لتبرير المشاركة في إبادة غزة.

هنية يشكر الله

سترد إيران حتمًا، فاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس حدث على أرضها ويمس السيادة، والأهم أن المقاومة ستُفسد على الصهاينة ومن يدعمونهم صورة النصر المؤقتة، وسيواصلون كما فعل إسماعيل هنية عندما تلقى نبأ استشهاد بعض أولاده وهو في زيارة ميدانية لمرضى، فشكر الله وواصل جولته.

قال عبد السلام بن إسماعيل هنية “والدي نال ما تمناه، واستشهاده نهاية القادة والعظماء، وتلقينا الخبر بالحمد والشكر”.

لحق إسماعيل هنية بـ63 من أفراد عائلته، بينهم ثلاثة من أولاده وبعض أحفاده، قتلهم الصهاينة في غزة، لم يغادروها طلبًا للأمان كما زعم البعض، ورددها غيرهم في ظلم يضاف إلى الظلم التاريخي لأبناء فلسطين واتهامهم بـ”بيع أرضهم”.

الفشل يتكرر

في 5 من يناير/كانون الثاني 1996، اغتال الصهاينة المهندس القائد يحيى عياش؛ لإجهاض صناعة السلاح الفلسطيني، وفشل الصهاينة قديمًا وحاليًّا، وتمكنت المقاومة أثناء حرب الإبادة الحالية من إعادة تصنيع أسلحة من الصواريخ التي يلقيها الصهاينة في غزة ولم تنفجر، وأعادوها إلى الصهاينة بعد أن كتبوا عليها “بضاعتكم رُدت إليكم”.

ومن بقايا أسلحة صنعوا متفجرات، كما صنعوا من قبل مسيَّرات وصواريخ أطلقوا عليها أسماء قادتهم الذين استشهدوا، ليس لتخليد ذكراهم فقط -كما قد يعتقد البعض- فالشهداء لا تغيب شموسهم أبدًا، ولكن لإرسال رسالة إلى الصهاينة ومن يدعمهم من الغرب بأنهم يكملون ما بدأه الشهداء، ولا يرون الموت أمرًا مخيفًا كما فعل قادتهم، ويرونه “مهرًا” للنصر ولو بعد حين.

قبل ذلك، في 26 من أكتوبر/تشرين الأول 1995، اغتال الصهاينة مؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي في مالطا، ولم ينه الحركة بل زادها قوة وتحديًا، وأصبحت الفصيل الثاني بعد حماس.

الردع الضائع

اختيار الصهاينة اغتيال هنية في إيران تعمُّد واضح لتجاوز الخطوط الحمراء، وحدث بعد الحصول  على موافقة أمريكا والدول الغربية الداعمة للصهاينة في إبادة غزة، لتلقينها ومحور المقاومة بأكمله درسًا قاسيًا يجعلهم يفكرون كثيرًا قبل التجرؤ بالتحرر من الاحتلال الصهيوني والتباهي بصورة نصر أكبر.

تحدى الصهاينة وحلفاؤهم تأكيد الأمم المتحدة على احتلال فلسطين، ومظاهرات في معظم دول العالم وفي غالبية جامعات العالم تطالب بالحرية لفلسطين، وتعمَّد الصهاينة وحلفاؤهم تجاهل كل ذلك، وواصلوا بشراسة محاولات يائسة لاسترداد قوة الردع التي ضاعت منهم بعد عشرة أشهر من صمود أسطوري لم يتوقعه العالم لغزة في وجه الإبادة والتجويع.

ياسين والرنتيسي

لحق إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بمؤسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي اغتاله الصهاينة في 22 من مارس/آذار 2004، ذلك الرجل القعيد الذي أيقظ الجميع رغم إعاقته.

اختار ياسين اسم “كتائب القسام” تيمنًا بالشهيد عز الدين القسام الذي استشهد دفاعًا عن فلسطين في 20 من نوفمبر/تشرين الثاني 1935 في بدايات حروب الصهاينة مع فلسطين.

وفي يوم استشهاد أحمد ياسين، قال خليفته الشهيد عبد العزيز الرنتيسي للاحتلال وهو يحمل الكلاشنكوف “تهددوننا بالموت! الموت آتٍ سواء بالسكتة القلبية أو بالأباتشي، وأنا أفضّل الأباتشي”، واستشهد في 17 من إبريل/نيسان 2004.

ورأينا الأطفال الذين كانوا مع أحمد ياسين في صور شهيرة، وقد أصبحوا مقاومين.

غدر ونفاق

لن يهنأ نتنياهو والصهاينة بصورة النصر المزعومة، بعد أن أجهدوا أنفسهم منذ السابع من أكتوبر في التهديد بزوال المقاومة، وطالبوا أحيانًا بالاستسلام وتسليم القادة والمتورطين -على حد قولهم- في 7 من أكتوبر “شرطًا” لإنهاء الحرب، ولم يحصدوا إلا المزيد من المقاومة والابتكار في إعداد الكمائن وتحدي الصغار قبل الكبار لهم.

وكيف لا يفعلون؟ وقد رأوا بأعينهم التوحش والمقتلة الصهيونية تحصد أرواح أحبتهم، ومحو عائلات بأسرها من السجلات المدنية بعد استشهادهم جميعًا، وقتل النازحين بعد منحهم الأمان والغدر بهم، وقتل من يحاولون الحصول على أي مساعدات لإبقاء أسرهم على قيد الحياة، وتدمير آبار المياه التي لجأ إليها البعض لقلة المياه الصالحة للشرب ولصعوبة الحصول عليها.

اغتيال هنية يفضح نفاق أمريكا والغرب الذين يصرخون ليلًا ونهارًا بحقوق الإنسان، وبضرورة إنهاء الحرب بالتفاوض، وبعدم توسيع الحرب وتحويلها إلى صراع إقليمي، فلن نسمع صوتًا يدين الاغتيال؛ بل سيبررونه بعد أن ملؤوا الدنيا “عويلًا” على ضحايا الصهاينة في السابع من أكتوبر، وحق دولة الاحتلال “وحدها” في الرد والدفاع عن نفسها.

النجاح الوحيد

أعلن وزير التراث الصهيوني بعد استشهاد إسماعيل هنية أن العالم سيكون أفضل بدونه، وأن هذا هو الأسلوب الوحيد في التعامل مع الفلسطينيين، وصدق لأول مرة، فهذا هو “تراث” الصهاينة الوحيد الذي نجحوا فيه؛ وهو القتل والاغتيال.

بينما نجحت المقاومة في التصرف بأبطالها ورجالها، وتفوقت في القنص من مسافة صفر، وفي مباغتة الصهاينة والخروج من تحت الأرض ومن تحت الأنقاض، ونصب الكمائن لهم واصطياد جنودهم.

وقريبًا ستنتصر غزة وكل فلسطين بمشيئة الرحمن، بعد أن يدرك الغرب خطورة المقامرة والرهان الخاسر والفاشل بامتياز على استمرار الصهاينة زرعًا سرطانيًّا وسط العالم العربي، وسيتوقفون رغمًا عنهم عن إنقاذه بقبلات الحياة؛ من إمدادات لا تنتهي ودعم عسكري يتزايد وسياسي يتضاعف وإعلامي يتوحش، وسيفعلون ذلك “فقط” عندما يدركون أن مصالحهم أصبحت مهددة؛ فهم لا يفهمون غير هذه اللغة، وستحل عليهم لعنات دماء الشهداء دائمًا وأبدًا.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان