بنغلاديش الأرض الخصبة تعاني عجزا تجاريا مزمنا!
رغم احتلال بنغلاديش المركز الثامن في عدد السكان بالعالم، بمواطنيها البالغ عددهم 176 مليون نسمة، وبلوغ قوة العمل بها 75 مليون نسمة وهم السكان الذين تجاوزوا سنّ الخامسة عشرة ويعملون أو يبحثون عن عمل، فإنها جاءت في المركز الثالث والستين من حيث الصادرات السلعية عالميا، كما احتلت المركز الثاني والثلاثين بين اقتصادات العالم حسب قيمة الناتج المحلي الإجمالي بسعر الصرف، العام الماضي.
وتوزعت العمالة بها بين 38% يعملون بالزراعة و21% بالصناعة و40% بالخدمات ونظرا إلى صغر المساحة الجغرافية للبلاد -وهي 148.5 ألف كيلومتر وتمثل المركز 94 بالعالم- فقد ارتفعت الكثافة السكانية الأمر الذي دفع الكثير من العمال إلى العمل بالخارج حتى بلغ عدد عمالها المهاجرين 7.4 ملايين شخص، حسب بيانات البنك الدولي لعام 2021، واتجه ثلث هؤلاء إلى الهند الجار الجغرافي لبنغلاديش و17% إلى السعودية، و15% إلى الإمارات و6% إلى ماليزيا و5% إلى الكويت و4% إلى سلطنة عُمان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالديمقراطية تتراجع.. والاستبداد يقفز إلى السماء!
غزوات الرسول ﷺ وسرايا القدس (2/1)
“الحرب” كما يرويها بوب وودورد
وخلال الثلاثين عاما الأخيرة عانت التجارة السلعية للبلاد من عجز مزمن بلا انقطاع، حيث تزيد الواردات السلعية عن قيمة الصادرات السلعية، خاصة مع تدني نسب الاكتفاء الذاتي من أنواع الطاقة وواردات القمح والقطن والأسمدة، إلا أن نسبة تغطية الصادرات إلى الواردات تمثل حوالي الثلثين غالبا وبلغت العام الماضي 83%، وخلال عام 2022 اتجه أكثر من نصف الصادرات إلى أوروبا بنسبة 57.5%، وإلى شمال ووسط أمريكا بـ24% وإلى الدول الآسيوية والباسفيك بـ14%، في حين بلغ نصيب دول الشرق الأوسط 2% وأمريكا الجنوبية 1% وإفريقيا أقل من 1%.
وقد استحوذت الملابس على أكثر من 80% من صادرات بنغلاديش التي تعتمد على العمالة الرخيصة، إلى جانب الأحذية والأقمشة والمنسوجات وخيوط الجوت، واتجهت نسبة 18% من قيمة تلك الصادرات إلى الولايات المتحدة و16% إلى ألمانيا، و8% إلى إنجلترا و7% إلى إسبانيا و6% إلى بولندا، حيث احتلت بنغلاديش المركز الثالث في صادرات الملابس عام 2022 بعد الصين والاتحاد الأوروبي بقيمة 45 مليار دولار من مجمل صادرات بلغت خلال العام 55 مليار دولار.
لكن جهات قدوم الواردات السلعية تركزت في دول الجوار الجغرافي، حيث استحوذت دول آسيا والباسفيك على نسبة 69% من مجمل الواردات، ونال الشرق الأوسط منها 10% وأوروبا 7% وشمال ووسط أمريكا 5%، ونفس النسبة لكل من إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وجاء كبر نصيب الشرق الأوسط في ضوء تدني نسبة الاكتفاء الذاتي من النفط إلى 8% ومن الغاز الطبيعي إلى 81% ومن الفحم إلى 10%، وتصدرت الصين دول الواردات بنسبة 32%، وحازت الهند 17%، وسنغافورة 6%، وكل من ماليزيا وإندونيسيا 5%.
عجز تجاري مزدوج سلعي وخدمي
وعادة ما تحقق الدول ذات العجز في الميزان التجاري السلعي فائضا بالتجارة الخدمية تعوضها عن ذلك العجز السلعي، إلا أن بنغلاديش تعاني أيضا من عجز مزمن خلال الثلاثين عاما الأخيرة بتجارتها الخدمية، نظرا إلى ضعف إيرادات السياحة بها وقلة عدد السياح الواصلين إليها، إذ وصل عددهم إلى 323 ألفا عام 2019 قبل وباء كورونا، وانخفض العدد إلى 135 ألف سائح عام 2021 ، وهكذا قل الدخل السياحي إلى 273 مليون دولار خلال العام، رغم زيادته إلى 420 مليون دولار العام التالي، والنتيجة تدني نسبة تغطية الصادرات الخدمية إلى الواردات الخدمية بما بين الربع والثلث خلال السنوات الأخيرة.
وتتركز التجارة الخدمية مع دول الجوار الجغرافي، حيث تتصدر شركاء التجارة الخدمية لها الهند تليها الصين وسنغافورة والولايات المتحدة وهونغ كونغ. وقد حققت كل تلك الدول فائضا تجاريا خدميا مع بنغلاديش، وتتضمن التجارة الخدمية خدمات النقل والسياحة والخدمات المالية والتأمينية والتشييد والبناء، والخدمات الصحية والتعليمية والبيئية والمحاسبية والقانونية والاتصالات وغيرها.
ومع تحقيق كل من الميزان التجاري السلعي والخدمي عجزا مزمنا، فقد ازداد الفائض الذي يحققه ميزان تحويلات العمال عبر السنوات حتى بلغ 23 مليار دولار العام الماضي، وهو ما ساهم مع المعونات الأجنبية السخية في تقليل قيمة العجز بميزان المعاملات الجارية.
كما ساهم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يدور حول ثلاثة مليارات دولار في السنوات الستة الأخيرة، في تحقيق الميزان الكلي للمدفوعات فائضا محدودا انعكس على وجود احتياطيات من النقد الأجنبي، إلا أن تلك الاحتياطيات قد تراجعت أرصدتها العامين الأخيرين، في حين اتجهت الديون الخارجية إلى الزيادة خلال السنوات الثماني الأخيرة، كما زادت قيمة مدفوعات خدمة الدين الخارجي من أقل من ملياري دولار عام 2015 إلى 5.3 مليارات دولار في 2022.
وارتبط ذلك بتراجع سعر صرف العملة البنغالية (التاكا) بشكل ملحوظ خلال العامين الأخيرين، بعد أن ظل يتحرك بشكل بطيء منذ عام 2015 وحتى 2021، ولقد انعكس ذلك جزئيا على ارتفاع معدل التضخم إلا أنه ما زال مكونا من رقم واحد، وتوقع صندوق النقد الدولي اتجاهه إلى الانخفاض في السنوات المقبلة.
نسبة منخفضة للدين الحكومي إلى الناتج
وربما لا يعرف الكثيرون أن البيانات الرسمية لمعدلات البطالة ظلت أقل من 5% بين عامي 2000 و2019، ثم تخطتها إلى 5.8% لعامين ثم عادت إلى الانخفاض حول نسبة خمسة بالمئة في العامين الأخيرين، إلا أن نسبة البطالة بين الشباب من سن 15 إلى 24، بلغت 15.7% في المتوسط، 13.5% منها لدى الشبان و20.4% لدى الشابات، ومن هنا كان احتجاج الطلاب الشهر الماضي على وجود حصة كبيرة لأبناء قدامي المحاربين من الوظائف الحكومية.
ورغم مشاكل ضعف الصادرات السلعية والخدمية والعجز المزمن بالموازنة الحكومية، وارتفاع الدين الخارجي وتدني التصنيف الائتماني منذ سنوات طويلة، وتدهور سعر صرف التاكا البنغالية في العامين الأخيرين، فإن نسبة الدين الحكومي إلى الناتج الإجمالي ما زالت أقل من 40%وظلت أقل من ثلاثين بالمئة لسنوات طويلة، كما حققت البلاد معدلا جيدا من النمو الاقتصادي خلال السنوات التسع الأخيرة، حتى إنها حققت نموا في 2020 عام فيروس كورونا، وكذلك تدنت نسبة العجز بالحساب الجاري إلى الناتج المحلي.
كما أن الإصلاح السياسي المرتقب بعد استقالة رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة، يتوقع معه مزيد من محاربة الفساد والاهتمام بالخدمات التعليمية والصحية وخفض نسبة الفقر البالغة 18.7%، وخفض معدلات تركز الثروة وتقليل نسبة الأمية البالغة 25% التي ترتفع إلى 28% بين النساء، وخفض نسبة التدخين بين الرجال والنساء، ويساعد على ذلك وقوع بنغلاديش جغرافيا في منطقة من أخصب المناطق بالعالم؛ مما يتيح المزيد من الإنتاج الزراعي وتصنيعه وتصديره، والاستفادة من الروح الشعبية الجديدة المتطلعة إلى التغيير وإحداث تحسن ملموس في الاقتصاد البنغالي.