«اسرقوهم يرحمكم الله».. فتوى من أستاذ أزهري انتحاري!

د. إمام رمضان إمام (منصات التوصال)

إمام رمضان إمام، أستاذ العقيدة والفلسفة بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية جامعة الأزهر، مثار اهتمام في مصر حاليًا..

كثيرون لم يكونوا يعرفونه قبل الضجيج الذي أحدثه مؤخراً، وهناك واقعة مثيرة ارتبطت به عام 2019 مع طلبته بجامعة الأزهر سيأتي ذكرها، فقد يكون لها فائدة في محاولة فهم السلوك الحاكم له.

السبت31 أغسطس الماضي نشر د. إمام فيديو على صفحته بموقع فيسبوك، وعلى قناته في يوتيوب، قال فيه: “ردًا على خالد الجندي، اللي بيقولوا له شيخ، وطبعاً إنتو عارفين هو شيخ إيه، اللي افتى إن اللي بيسرق من الكهربا، أو الميه، أو الغاز، بيسرق من الـ 100 مليون، شوف بقى حسابه عند ربنا حيبقى إيه، وأنا أقدم فتوى على الملأ، واتحمل مسؤوليتها أمام ربنا، اللي يقدر يسرق الكهربا أوالميه أو الغاز يسرق، إحنا بنسرق اللي سرقونا”. “ولمن انتصر من بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس”. الحكومة اللي موجودة سرقت الشعب وجوعته، وذلته، ورفعت الأسعار، والشعب أصبح يتضور جوعاً”..

ويوم الثلاثاء 3 سبتمبر الجاري، نشر فيديو جديدًا كان أشد حسمًا وأكثر تحديًا فيه بشأن إباحة سرقة الكهرباء حيث قال: “أكرر الفتوى التي سبق وذكرتها، اسرقوهم يرحمكم الله، وإلى الذين أرسلوا لي يقولون: كيف تكون أستاذًا بجامعة الأزهر ثم تحل السرقة، تحل الحرام؟ أقول لهم: من الذي سرق، من الذي أحل الحرام وحرم الحلال، من الذي أذاق هذا الشعب الويل والثبور، من الذي رفع الأسعار فوق طاقة الشعب بآلاف المرات، من الذي استذل هذا الشعب، من الذي سرق قوته ومدخراته وكل مكتسباته وسرق حتى ثرواته المعدنية، من الذي فعل كل ذلك؟، اسرقوهم يرحمكم الله”.

لماذا خالد الجندي؟

لماذا حدد د. إمام اسم خالد الجندي خصوصاً وتهكم عليه عندما قال: “اللي بيقولوا عليه شيخ”؟

السبب أن الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، يقدم برنامجًا بعنوان: (لعلهم يفقهون)،على قناة اسمها (دي إم سي)، وفي إحدى الحلقات قال إن سرقة الكهرباء مُنكر، ومن لا يُبّلغ عنها شريك مع الجاني.

وأضاف: “هتقابل ربنا يوم القيامة تقول له إيه، هتقول له إنك تسترت على مجرم، إنك تسترت على سرقة، اللي شاف السرقة ومبلغش عنها بقى مشارك فيها”.

واستشهد بالآية الكريمة: “بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”.

توظيف القرآن

إمام رمضان يستشهد بآية قرآنية لإباحة سرقة الكهرباء والمياه والغاز، والجندي يأتي بآية لتحريم سرقة الكهرباء، ليكون القرآن هنا وسيلة يوظفها كل شيخ وعالم دين لدعم موقفه وتفسيره وتحليله وفق رؤيته للأوضاع العامة وانحيازاته السياسية، وكأن القرآن قابل للتوظيف في أي اتجاه وكل اتجاه، وفي أي موقف وكل موقف، ومن هذا الشيخ وذاك الواعظ، ومن هذه السلطة وتلك المعارضة، ومن هذا المُحَلِل وذاك المُحَرِم، ومن المُفرط والمُتشدد، وهذا ضار بقدسية الكتاب العظيم وإحكامه والنظرة التبجيلية إليه.

وهنا ماذا يقول غير المسلم حينما يجد استخدام القرآن والسور والآيات على وجوه كثيرة متعارضة متناقضة متضادة كما هو الحال مع شيخين: إمام والجندي، ومن غيرهما أيضاً؟

سرقة الكهرباء تتسع

الأزهر قرر إحالة إمام للتحقيق فيما قاله، لكن قبل فتواه المثيرة للجدل، فإن سرقة الكهرباء ظاهرة تزداد اتساعاً في مصر بسبب مواصلة رفع أسعارها بشكل غير مسبوق، وكذلك زيادة أسعار المياه والغاز والطاقة ووسائل النقل وكل الخدمات الحكومية دون استثناء.

وهذا الأمر مُؤرق للحكومة التي تنتفض حالياً لضبط وعقاب المتورطين في السرقات والتهديد برفع اسم السارق من الدعم التمويني، وهو دعم صار رمزياً، لا يُسمن ولايُغني من جوع.

فتوى غير موفقة

نحن لسنا مع ماقاله أستاذ الأزهر، فسرقة الخدمات العامة ستعني من وجه آخر سرقة الخدمات الخاصة، والسطو على الأفراد، وعملياً هذا حاصل اليوم، السرقات تتزايد بسبب الفقر والغلاء والتضخم والركود.

وللتدليل على الدرك الذي نتجه إليه أنه يتم سرقة صنابير المياه بالمساجد، بل وكل ما تصل إليه أيادي اللصوص والمحرومين والمدمنين والخارجين على القانون في أي مكان..

إنه الجوع والفقر القاتل لاستقرار أي مجتمع، وغياب العدالة قنبلة شديدة الانفجار في وجه السلام الاجتماعي.

معارك آمنة

اتفق مع خالد الجندي، ومع مشايخ تحريم سرقة الكهرباء والخدمات، لكن عليهم في نفس الوقت أن يتحلون بنفس الشجاعة ويرفضون مواصلة رفع أسعار الكهرباء والخدمات العامة، ويطالبون بإيقاف هذه السياسة الشرسة..

لكنهم لا يفعلون، فليست البطولة أن تخوض المعارك الآمنة، البطولة أن تخوض المعارك الحقيقية مهما كانت كلفتها ما دامت في الحق والقضايا العادلة.

لم يكن إمام رمضان أستاذ الأزهر موفقاً في إباحته سرقة الكهرباء والمياه والغاز، لأن بيته هو ومصالحه الخاصة قد تُسرق أيضاً ما دام يتم ضرب مبدأ الأمانة والشرف وعدم الاقتراب من المحرمات.

ومع هذا فهناك من الجمهور والمثقفين من ينحاز لدعوته للسرقة ويبررها ولا يجد فيها غضاضة، وهناك رافضون ويهاجمون إمام ومؤسسة الأزهر معه.

خلع البنطال

أخيراً، في عام 2019، وخلال محاضرة له دعا إمام -أستاذ الأزهر- الطلاب لخلع البنطال، وأغرى من يوافق بحصوله على امتياز في مادته، واستجاب طالبان وخلعا بنطاليهما، لكنه عنفهما، وفيما بعد قال إن هدفه كان التدليل على فكرة الثبات على المبدأ والعقيدة وعدم الخضوع للمغريات أبداً.

فيديو الواقعة الغربية المهينة انتشر وحققت معه جامعة الأزهر وفصلته، ودخل السجن لمدة عام وخرج، وعاد للتدريس..

و سلوكه هذا، إضافة إلى فتوى الكهرباء، وفيديوهاته بشأن عقائد الآخرين، ونقده العنيف لأوضاع وشخصيات عامة، مواقف قد تتجاوز الشجاعة إلى التهور، بل الانتحار الذاتي، فالاختلاف حق، لكنه يستند للعقل والحكمة والمسؤولية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان