حرب أمريكا وإسرائيل ضد السنوار
تحول يحيى السنوار إلى هدف ساخن للحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفجأة أصبح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة والمصالح الأمريكية، رغم أنه زعيم شعبي يكافح ضد الاحتلال الإسرائيلي ويسعى لتحرير بلده، ولم يمارس أي عمل مسلح خارج فلسطين المحتلة.
في الوقت الذي تعلن فيه إدارة بايدن أنها تتفاوض لإنهاء الصفقة بين إسرائيل وحماس، وجهت وزارة العدل الأمريكية عدة اتهامات إلى السنوار وأبرز قيادات الحركة، عقوبتها السجن مدى الحياة والإعدام، وهو تصرف يكشف حالة التناقض التي تعيشها قيادة الحزب الديمقراطي بسبب ضغوط اللوبي الصهيوني قبيل الانتخابات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكان ناصرياً في زمن ما..!
في لبنان انقلب السحر على الساحر
ضجيج بالفناء الخلفي للبنان لا ينتظر نهاية الحرب
وفي موقف أكثر عدوانية توعد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام السنوار بالقتل، وقال في مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، إنه إذا فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فإنهم سيسعون إلى “قتل وليس محاكمة” السنوار، وأضاف موجهًا كلامه لزعيم حماس: “أيامك معدودة يا صديقي، نحن لن نقاضيك بل سنقتلك”.
يختلف الحزبان الحاكمان في أمريكا في كل القضايا ولكنهما يتفقان على العداء للسنوار وحماس، وتأييد ودعم نتنياهو مجرم الحرب، ويتورط الحزبان في تأييد الإبادة الجارية للفلسطينيين في غزة بالسلاح الأمريكي وتبني الأجندة الإسرائيلية كاملة، وتصر النخبة السياسية الأمريكية التي يحركها اللوبي الصهيوني على معاداة فلسطين وتحدي مشاعر العرب والمسلمين، دون مراعاة لمصالح الولايات المتحدة وعلاقاتها بالمنطقة، وما ينتظرها من كراهية الشعوب وخسارة نفوذها.
اتهامات غير مبررة
الاتهامات التي وجهتها وزارة العدل الأمريكية متناقضة وغير مقنعة، وواضح أنها قدمت على عجل في إطار التراشق بين حملة ترمب وحملة كامالا هاريس، بعد مقتل الرهينة الإسرائيلي الأمريكي ضمن الستة الذين قتلوا في غزة مؤخرًا، فالادعاء ضد قادة حماس نصفهم أحياء وهم: يحيى السنوار وخالد مشعل وعلي بركة، ونصفهم قتلوا حسب متن عريضة الاتهام وهم إسماعيل هنية ومروان عيسى ومحمد الضيف –صرح أسامة حمدان أنه حي يرزق- فكيف يكون الادعاء والمحاكمة لمن غادروا الحياة؟!
تضمنت قائمة الاتهامات ما تم تكذيبه من قبل مثل الاعتداءات الجنسية على الإسرائيليات وقتل الأطفال، ولم يقدم الادعاء أي أدلة على خطورة المتهمين على الأمن القومي للولايات المتحدة ولا على استهداف “المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم”، وهي لا تختلف عن أي عريضة اتهام إسرائيلية لحماس، فمحور الاتهامات ما تصفه بأنه “مجازر السابع من أكتوبر” ويشمل مقتل 40 مواطنًا إسرائيليًا من أصل أمريكي قتلوا ضمن آخرين، ليس لأنهم مواطنون أمريكيون وإنما لأنهم مستوطنون أو جنود يقاتلون ضد الفلسطينيين.
من غير شك تم توظيف مقتل الرهينة الإسرائيلي الأمريكي هيرش غولدبرج بولين في غزة، الذي يبلغ من العمر 23 عامًا، لصالح دعم الرواية الإسرائيلية وأنه قتل لكونه أمريكيًا، وهذه الحماسة لكونه إسرائيليًا؛ وإلا فلماذا اختفى الغضب من مقتل المواطنة الأمريكية من أصل تركي عائشة نور إزغي، التي قتلها الجيش الإسرائيلي في نابلس برصاصة في الرأس لمشاركتها في احتجاج ضد إقامة مستوطنة على جبل صبيح؟
التعامل مع الواقعتين كان مختلفًا، ففي واقعة المواطن الإسرائيلي قررت السطات الأمريكية التحقيق ومحاكمة المتهمين، بينما في الواقعة الثانية أعلنت الإدارة الأمريكية أنها منزعجة ولكنها لن تحقق في الجريمة وإنما طلبت معلومات، لأن المتهم هو الجيش الإسرائيلي، وهو ذات التجاهل الذي جرى عندما قتل الاحتلال الناشطة الأمريكية راشيل كوري في عام 2003 في رفح، عندما تعمد سائق جرافة إسرائيلي دهسها لاعتراضها على هدم بيوت الفلسطينيين في المنطقة الحدودية!
أسلحة الدمار الشامل!
من أغرب الاتهامات التي وجهتها وزارة العدل الأمريكي للسنوار وقادة حماس هي “التآمر لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، وهو ما تصل عقوبته القصوى إلى الإعدام أو السجن مدى الحياة” وهو ذات الاتهام الذي تم توجيهه من قبل للرئيس العراقي صدام حسين، والذي تأكد كذبه بعد احتلال العراق وتخريبه، وهذا الاتهام مناف للعقل والمنطق، فالقطاع المحاصر ليس لديه ما يدافع به عن نفسه فكيف يستخدمون أسلحة الدمار الشامل؟ بل إن الذي هدد باستخدام القنبلة النووية في غزة هو وزير إسرائيلي، وليس أحد قادة حماس!
حصار الجهد الدبلوماسي لحماس
يأتي الاندفاع الأمريكي الإسرائيلي لمطاردة السنوار وقادة حماس في إطار شيطنة المقاومة الفلسطينية ومحاصرة الجهد الدبلوماسي للحركة، والذي بدأ باغتيال إسماعيل هنية الذي استطاع أن يجري اتصالات ويقوم بجولات عديدة زادت من حجم الدعم الدولي لحماس، وتوجت بالدعم الصيني والروسي في مجلس الأمن، وإعلان الكثير من الدول الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقرار دول أخرى قطع علاقاتها مع إسرائيل.
بسبب خسارة الرأي العام الدولي وفشل الاحتلال في الاقناع بروايته على الساحة الدولية، نصحت مراكز الأبحاث الأمريكية الممولة من اللوبي الصهيوني بالحد من الزيادة الكبيرة في الأنشطة الدبلوماسية لـ”حماس” على المسرح الدولي، وإلا فقد تجد الحركة نفسها معترفًا بها كـ”ممثل وحيد لفلسطين بعد الحرب”
وتدعو الأبواق الصهيونية إلى ممارسة الضغوط على حلفاء الولايات المتحدة الذين يستضيفون “حماس” أو يجتمعون معها، وتوجيه الانتقادات لهذه الدول علانية إذا لم تستجب للضغوط.
إستراتيجية السنوار هي التي تعمل
رغم غياب السنوار عن الإعلام منذ طوفان الأقصى فإن أفكاره واضحة في إدارة الصراع، فهو يعرف ماذا يفعل بينما الإسرائيليون يتخبطون ويحصدون الهزائم المتلاحقة، كما أن الأمريكيين الذين يدفعهم الغرور وعدم إدراك طبيعة المعركة تورطوا في صراع معقد، وفقدوا زمام المبادرة وأدخلوا أنفسهم في حروب متداخلة حطت من مكانتهم وهيبتهم، ولن يخرجهم منها غير الابتعاد مسافة عن الاحتلال الذي يغرق، وسيغرق معه كل من يلتصق به.
منذ البداية حدد السنوار خطته بأن يجعل الاحتلال أمام خيارين بقوله: “إما أن نرغمه على تطبيق القانون الدولي واحترام القرارات الدولية والانسحاب من الضفة والقدس وتفكيك المستوطنات وإطلاق سراح الأسرى وعودة اللاجئين، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس، أو نجعل هذا الاحتلال في حالة تناقض وتصادم مع الإرادة الدولية كلها، ونعزله عزلًا عنيفًا شديدًا وننهي حالة اندماجه في المنطقة وفي العالم كله” وحدد فترة الحرب بأنها ” أشهر محدودة لن تزيد على العام”.
بعد مرور ما يقارب العام من الحرب، تبدو إستراتيجية السنوار المختفي عن عيون الذكاء الاصطناعي هي المنتصرة، بينما إستراتيجية نتنياهو مهزومة ومتخبطة، ويعاني الكيان الإسرائيلي من الانقسام وفي طريقه للإنهيار، ولم تفلح المساندة والدعم الأمريكي والأوربي في تغيير النتيجة أو تحسينها، كما أن الإستراتيجية الأمريكية التي تهدف إلى التخلص من حماس وتنصيب إدارة عميلة لحكم غزة ثبت أنها ساذجة ومستحيلة.
ليس أمام الإسرائيليين والأمريكيين إلا التعايش مع الواقع، والتخلي عن أمنيات وأحلام تجاوزها الزمن، وتحول بينها التطورات العالمية، فالشعب الفلسطيني من حقه أن يعيش في أرضه ويختار من يحكمه، مثله مثل باقي الشعوب، ولم يعد ممكنًا تنفيذ خطط تخريب مدنهم وتدميرها وإبادتهم وطرد من يتبقى على قيد الحياة إلى خارج فلسطين، ومن يصر على خوض معارك مستحيلة سيكتوي بنارها ولن يجني غير الهزيمة.