كيف يؤثر “كريستيانو” في مناخ أفريقيا؟

ساديو ماني وكريستيانو رونالدو (غيتي)

يحصل نجم كرة القدم البرتغالي العالمي “كريستيانو رونالدو” على راتب سنوي يبلغ نحو مائتي مليون يورو من لعبه لفريق النصر السعودي، لكن زميله في الفريق نفسه النجم السنغالي “ساديو ماني” يحصل على أربعين مليون يورو في المدة ذاتها.

يكسب “رونالدو” خمسة أضعاف دخل “ماني”، لكن ليس هذا هو الفارق الوحيد بين الرجلين، فالنجم البرتغالي يساهم كأوروبي بنحو 6 أضعاف ما يسهم به النجم السنغالي كأفريقي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على متن الكرة الأرضية حيث يبلغ متوسط نصيب الفرد من انبعاثات الكربون في أوروبا نحو 6.5 أطنان مترية سنويا بينما يبلغ نصيب الفرد في إفريقيا حوالي 1.04، مقارنة بالمتوسط العالمي وهو 4.69 أطنان مترية سنويًا.

وإذا قارنا ما تساهم به أوروبا في إنتاج الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري من إجمالي الناتج العالمي فسنجد أنه أكثر من ضعف ما تنتجه إفريقيا حيث تنتج أوروبا نحو 8.5٪ من إجمالي الغازات المسببة للاحتباس الحراري بينما نصيب إفريقيا أقل من 4٪ رغم أن مساحة أوروبا ثلث مساحة إفريقيا، ورغم أن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في إفريقيا أقل بكثير من القارات الأخرى، فقد ارتفعت درجات الحرارة في القارة السمراء بمعدل أسرع كثيرا من المتوسط العالمي.

يشعر المجتمع المدني العالمي ومعظم الدول بالمشكلات الناجمة عن التغير المناخي، وبرغم أن الكثير يُقال في هذا الشأن إلا أن القليل هو ما يُفعل، في ظل حالة تجاهل وإهمال أو إنكار أو تباطؤ في الحركة لقيادات بعض الدول التي تحتل الصفوف الأولى في الأنشطة التي تؤدي لظاهرة الاحتباس الحراري.

وبينما تصدر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) تقريرًا سنويًا بانتظام منذ ثلاثة عقود، إلا أنه صدر هذا العام متشحًا بـ”إنذار أحمر” يحذر من أن العالم لا يبذل ما يكفي لمكافحة الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية.

إفريقيا الخاسر الأكبر

تشعر قارة إفريقيا بالظلم الواقع عليها في مجال التأثيرات المناخية، وهي أكثر القارات بحثا عن ما تعنيه “العدالة المناخية” وهو مصطلح حديث واكب التغييرات الهدامة التي تحدث بوتيرة متسارعة على كوكب الأرض بسبب الأنشطة البشرية المتعددة والتي أدت لتراجع وضعف الأنظمة البيئية، وهو يعني البحث عن كيفية تحمل الدول التي تتسبب في تدمير بيئة الأرض نصيبها العادل من فاتورة هذا التراجع، لأن الحاصل أن الدول الأقل تأثيرا في التغير المناخي هي التي تدفع الثمن الأكبر من تكلفة ارتفاع درجات الحرارة وأنماط هطول الأمطار، والجفاف، والفيضانات، والتصحر.

لا تؤدي التغيرات المناخية والبيئية إلى تعطيل الإنتاج وتقويض التنمية الاقتصادية وتفاقم الفقر فقط بل إنها تفرض أيضًا ضغوطًا هائلة على موارد المياه، وأنظمة الصحة العامة، وتدمر الوظائف، وتهدد الاستقرار الاقتصادي في إفريقيا، وتفاقم التفاوتات الاجتماعية والتوترات مما يؤدي إلى الصراع والنزوح وزعزعة استقرار المجتمعات في جميع أنحاء القارة، كما يواجه العديد من العمال انعدام الأمن الوظيفي وفقدان الدخل وتدهور ظروف العمل بسبب تغير المناخ.

وفي رصدها للخسائر الفادحة التي تتكبدها القارة السمراء نتيجة تغير المناخ توثق المنظمة العالمية للأرصاد الجوية اضطرار دول إفريقية متعددة إلى إنفاق ما يصل إلى 9% من موازناتها لمكافحة التغيرات المناخية، كما أن الدول الإفريقية تخسر ما بين 2% و5% من الناتج المحلي الإجمالي نتيجة موجات الحر القاتلة والأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير والجفاف لفترات طويلة، وتقدر المنظمة تكلفة التعاطي مع تغير المناخ في منطقة جنوب الصحراء خلال السنوات العشر المقبلة بمبلغ بين 30 و50 مليار دولار سنويًا.

وقد اجتذبت إفريقيا التي تضم 54 دولة، المزيد من الأموال لتنفيذ مشروعات للتخفيف من آثار المناخ لكنها لا تزال تحصل على أقل من 1% من التمويل العالمي السنوي المخصص للمناخ، وحثت المنظمة البلدان على الاستثمار في الخدمات الجوية والمائية الحكومية، وتسريع تنفيذ أنظمة الإنذار المبكر لإنقاذ الأرواح.

هنا أبيدجان

لا تساهم “كوت ديفوار” (ساحل العاج) بنصيب يذكر في النشاط العالمي الذي أدى لزيادة الانبعاثات الحرارية إلا أن لديها خطة وطنية لتقليل الغازات  المسببة له بنسبة 16٪ في عام 2030، كما تستهدف تحقيق أكثر من نصف الالتزامات التي تعهدت بها للتخفيف من تغير المناخ في البلاد بموجب اتفاقية باريس.

وقبل أيام من انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الشهر استضافت العاصمة الإيفوارية الدورة العاشرة الخاصة لمؤتمر وزراء البيئة الأفارقة  (AMCEN)المنعقدة تحت شعار “رفع طموح إفريقيا للحد من تدهور الأراضي والتصحر والجفاف”، وفي مكان متاخم لمقر المؤتمر، عقد اتحاد الصحفيين الأفارقة مؤتمرا قاريًا تحت عنوان “تعزيز السرديات الإفريقية في مجال العدالة المناخية”.

الصحفيون لماذا؟

مؤتمر الصحفيين الأفارقة كان هدفه دراسة مشكلات تغطية قضايا المناخ وتعزيز الرواية الإفريقية في مجال العدالة المناخية وضمان وصول أموال تمويل قضايا المناخ للمتضررين ومحاربة الفساد في هذا الملف.

“إن سرد أزمة المناخ في إفريقيا يجب أن يتحول بسرعة من رواية الضعف واليأس إلى رواية المرونة والفرصة والقيادة”، وفقا لعمر فاروق عثمان رئيس اتحاد الصحفيين الأفارقة الذي أكد أن المؤتمر يجب أن يزود الصحفيون الأفارقة بالأدوات الحاسمة لقيادة التحول ملمحا “إن صحفيينا لا يضخمون الأصوات الإفريقية في المنصات الدولية فقط بل يطالبون باتخاذ إجراءات حاسمة والمساواة في معالجة تحديات المناخ في القارة”.

رئيس المجموعة الإفريقية للمفاوضين بشأن تغير المناخ، السفير علي داود محمد سلط الضوء على الدور الحيوي للصحفيين في تعزيز السرديات الإفريقية بشأن العدالة المناخية، وضمان أن يلعب صوت القارة دورًا محوريًا في مفاوضات المناخ العالمية.

وتخاطب مديرة مكتب منظمة العمل الدولية في أبيدجان، “كومبا ديوب” الصحفيين قائلة “إن تأثيركم يمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الإبلاغ عن الأحداث؛ فأنتم تلعبون دورًا حاسمًا في تثقيف الجمهور وتشكيل التصورات، كما يمكنكم المساعدة في خلق فرص العمل، والمرونة الاقتصادية والاستدامة البيئية، مع معالجة التأثيرات الاجتماعية على المجتمعات المتضررة”.

إعلان تاريخي

كانت إحدى النتائج المهمة للمؤتمر القاري اعتماد “إعلان أبيدجان”، وهو بيان تاريخي يدعو إلى تعزيز التعاون بين الصحفيين والنقابات العمالية والمجتمع المدني لإسماع وجهات النظر الإفريقية في مناقشات المناخ والدعوة إلى إلغاء الديون غير المستدامة والتأكيد على الصلة الحاسمة بين الظلم الناجم عن الديون والضعف المناخي.

لم يعد الصحفيون الأفارقة مجرد متفرجين سلبيين بل هم مهندسون لا غنى عنهم للتغيير في الكفاح من أجل العدالة المناخية، إن دورهم في توجيه التحول العادل في إفريقيا غير قابل للتفاوض، كما يقول عمر فاروق لكن المؤكد أن الصحفيين الأفارقة سيكونون أكثر جرأة في التعبير عن الدور الذي يلعبه المواطن الغربي في التغيرات المناخية ودعوته إلى تحمل تكاليفه وبمعنى أدق لا يكفي أن يتبرع “ساديو ماني” من أجل التنمية في قريته جنوب السنغال بل يجب على “كريستيانو رونالدو” أيضا أن يشاركه إن لم يتحمل أكثر منه في أعباء التغير المناخي بإفريقيا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان