غموض التجارة الأردنية الإسرائيلية
أثار إغلاق السلطات الإسرائيلية للمعابر الثلاثة التي تربطها بالأردن بعد مقتل ثلاثة من حراس الأمن بمعبر الكرامة على يد المواطن الأردني ماهر الجازي، المخاوف على حركة التجارة الأردنية والفلسطينية، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الضفة الغربية التي ترتبط بالأردن عبر معبر الكرامة، خاصة بعد سماح إسرائيل بإعادة فتح معبر الكرامة للمسافرين دون البضائع، وهو المعبر المسمى جسر الملك حسين بالأردن وجسر اللنبي بإسرائيل حيث كان يستخدم منذ الحرب العالمية الأولى، ومعبر الكرامة حسب الفلسطينيين.
وتعود العلاقات بين الأردن وإسرائيل إلى معاهدة السلام التي وقعها الملك حسين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1994، إلا أن الكثيرين يعتقدون بوجود علاقات بين حكومتي البلدين قبل ذلك التاريخ بعضها كان علنيًا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعندما تحدث «الملثم» بعد غياب!
الحرب على الجبهة الإعلامية.. المهام المنتظرة
تحت سماء الصواريخ.. ليلة لا تُنسى
وبأكتوبر/تشرين الأول 1995 عقدت اتفاقية للتعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، تضمنت إعفاء 64 سلعة ذات منشأ أردني من كامل الجمارك عند دخولها إسرائيل، وإعفاء 48 سلعة أخري ذات منشأ أردني بنسبة 50% من الجمارك، وإعفاء 36 سلعة أخري ذات منشأ أردني بنسبة 30% من الجمارك، وعلى الجانب الآخر إعفاء 66 سلعة ذات منشأ إسرائيلي بنسبة 10% من الجمارك لمدة عامين ترتفع إلى 15% بالسنة الثالثة للاتفاقية.
وفي ظل نشاط المقاطعة المنتشر بالأردن تجاه السلع الإسرائيلية، وتكوين لجان للمقاطعة بالنقابات المهنية، دخلت الولايات المتحدة على الخط لعقد اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة والمعروفة اختصارًا باسم “كويز “بنوفمبر/تشرين الثاني 1997، حيث تشجع الصادرات الأردنية بنسبة منشأ أردني أقل للنفاذ للسوق الأمريكية بشرط تضمنها مكونًا مستوردًا من إسرائيل، وذلك قبل توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين الأردن والولايات المتحدة والتي دخلت حيز النفاذ بداية مايو/أيار 2001.
كلتا الدولتين تحقق عجزًا تجاريًا!
وحسب البيانات الإسرائيلية للتجارة الإسرائيلية مع الأردن بالعشرين عامًا الماضية منذ 2003 وحتى 2023، فقد أخذ حجم التجارة بين البلدين يزداد تدريجيًا من 131 مليون دولار عام 2003 حتى بلغ 448 مليون دولار بالعام الماضي، مع تذبذب قيمة التجارة بتلك السنوات محققة أكبر معدل لها عام 2015 بقيمة 509 ملايين دولار، وبالسنوات التسع الممتدة من 2003 وحتى 2011 حققت إسرائيل فائضًا متواصلًا في تجارتها مع الأردن.
وتغير الاتجاه منذ عام 2012 وحتى العام الماضي بتحقيق إسرائيل عجزًا تجاريًا خلالها، وتسببت حرب غزه بتراجع قيمة التجارة مع الأردن من 536 مليون دولار عام 2022 إلى 448 مليون بالعام الماضي نتيجة انخفاض الصادرات الأردنية إليها.
لكنه حسب البيانات الأردنية للتجارة مع إسرائيل، فقد اختلفت قيمة تلك التجارة عن البيانات الإسرائيلية بشكل ملحوظ، ففي بيانات عام 2022 بلغت قيمة الصادرات الأردنية لإسرائيل 143 مليون دولار مقابل واردات بقيمة 766 مليون دولار لتصل قيمة التجارة 909 ملايين دولار.
في حين كانت الأرقام لنفس الأنشطة التجارية بنفس العام حسب الإحصاءات الإسرائيلية، بلوغ الصادرات الأردنية لإسرائيل 68 مليون دولار فقط، مقابل واردات من إسرائيل بقيمة 469 مليون دولار لتصل قيمة التجارة إلى 537 مليون دولار، أي أقل من البيانات الأردنية للتجارة بنحو 372 مليون دولار، وتكررت نفس الفروق الكبيرة لقيمة التجارة بين البلدين بعامي 2020 و2021، حيث بلغت القيمة للتجارة بعام 2020 حسب الأردن 566 مليونًا وحسب إسرائيل 249 مليونًا، وبعام 2021 حسب الأردن 732 مليونًا وحسب إسرائيل 537 مليونًا.
وإذا كان من الطبيعي أن تختلف قيمة التجارة بين البلدان حسب إحصاء كل منهما لها، إلا أنه ليس من الطبيعي أن يختلف الميزان التجاري بينهما، فحسب البيانات الأردنية لعام 2022 فقد حقق الأردن عجزًا تجاريًا مع إسرائيل بقيمة 623 مليون دولار، بينما حسب البيانات الإسرائيلية لنفس العام فقد حققت إسرائيل عجزًا تجاريا بقيمة 401 مليون دولار، والغريب أن تتكرر نفس الظاهرة غير المعتادة بعامي 2020 و2021، حيث يذكر الأردن أنه حقق عجزًا تجاريًا مع إسرائيل، بينما تذكر إسرائيل أنها هي التي حققت عجزًا تجاريًا مع الأردن.
المصالح الإسرائيلية ستعيد فتح المعابر
إلا أن الطرفين قد اشتركا في التأكيد على محدودية نصيب كل منهما بالتجارة الإجمالية بهما، ففي عام 2023 كان النصيب النسبي للصادرات للأردن بنسبة واحد بالألف من مجمل الصادرات البالغة 63 مليار دولار، كما بلغت نسبة الواردات من الأردن نسبة أربعة بالألف من إجمالي الواردات البالغة 92 مليار دولار، ليصل نصيب التجارة مع الأردن نسبة ثلاثة بالألف من مجمل تجارة إسرائيل مع العالم، وتكررت نفس النسب للتعامل التجاري مع الأردن بعام 2022.
وحسب البيانات الأردنية كان نصيب صادراته لإسرائيل 1.1% من مجمل صادراته عام 2022 البالغة حوالي 13 مليار دولار، ونصيب إسرائيل من مجمل وارداتها البالغة 27 مليار دولار 2.8% ليصل نصيبها من تجارتها البالغة 39 مليار دولار نسبة 2.3%.
وفي ضوء عدم نشر كل من البلدين بيانات تجارة الخدمات بينهما، فقد أشارت بيانات منظمة التجارة العالمية لعام 2021، إلى بلوغ الصادرات الخدمية الأردنية لإسرائيل 81.4 مليون دولار مقابل واردات خدمية منها بقيمة 93.7 مليون دولار، وأشارت البيانات الاسرائيلية إلى انخفاض عدد السياح الأردنيين الواصلين لإسرائيل بالشهور الثمانية الأولى من العام الحالي بنسبة 64%.
ويبقى السؤال حول تأثير إغلاق معبر الكرامة على التجارة الأردنية الفلسطينية، في ضوء بلوغ قيمة الصادرات الأردنية لفلسطين بالعام الماضي 338 مليون دولار بالعام محتلة المركز السابع بالصادرات الأردنية، بعد أمريكا والهند والسعودية والعراق والإمارات والصين، مقابل واردات بلغت 97 مليون دولار، ليصل حجم التجارة بين الأردن وفلسطين 435 مليون دولار.
وفي ظل العجز التجاري الأردني المزمن والمستمر بلا انقطاع طوال الثلاثين عامًا الاخيرة، وهو العجز الذي تفوق قيمته الفائض بالتجارة الخدمية، ولم تفلح إيرادات تحويلات العمالة الأردنية بالخارج والمعونات الدولية التي تحصل عليها في الحيلولة دون تسبب ذلك العجز التجاري الكبير في إصابة ميزان المعاملات الجارية بالعجز المزمن، ولهذا ستسعى الحكومة الأردنية في ضوء علاقتها الخاصة بالحكومة الإسرائيلية، لسرعة فتح معبري الكرامة والشيخ حسين لعبور البضائع ومعبر وادي عربه لنقل الأفراد والسياح.
يساعد على ذلك استفادة إسرائيل من معبر الكرامة لمرور البضائع من الأردن إليها، وكذلك البضائع القادمة من دول الخليج العربي بريًا عبر الأردن، والتي تعوضها عن تعطل ميناء إيلات في ظل هجمات الحوثيين على السفن المتجهة إليه، كذلك سعيها لتنفيذ الطريق البحري البري الممتد من الهند الي أوربا، عبر دول الخليج والأردن حتى ميناء حيفا ومنه إلى الدول الأوروبية.