لا عزاء للدم الفلسطيني في المناظرة الرئاسية الأمريكية ولكن…
(1) مناظرة الأنداد
لم يتمكن أي من المتنافسَين على الرئاسة الأمريكية؛ دونالد ترامب وكامالا هاريس من تسديد ضربة قاضية للآخر كما حدث في المناظرة السابقة بين بايدن وترامب، والتي خرج على إثرها بايدن من المنافسة الرئاسية وأعلن عدم ترشحه.
كامالا هاريس استعدت جيدًا لمواجهة ترامب، وكانت النتيجة جيدة، فلقد بدت قوية وحازمة وقادرة على رد لكمات ترامب، بل تجرأت على مهاجمته أكثر من مرة؛ حين قالت إن قادة دول وجيوش يصفوه بأنه عار وأنه كاذب وصاحب سوابق، أما ترامب فلقد ألتزم بنهجه المعتاد؛ تصريحات صادمة مختلطة بالأكاذيب والمبالغات وظهر ذلك جليًا حين وصف المهاجرين المتواجدين في عدد من مدن الولايات الأمريكية بأنهم يأكلون القطط والحيوانات الأليفة!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsعام من البلطجة الإسرائيلية.. وماذا بعد؟
ما بين الاقتصاد اللبناني والإسرائيلي!
إيران تودع الصبر الاستراتيجي!
لم تستطع كامالا هاريس أو ترامب الفوز بالضربة القاضية، بدا ترامب وقد فقد مرادفاته وظل يكرر نفس حديثه عن الهجرة مرارًا وتكرارًا كما استخدمت كامالا هاريس لغة الجسد وحركة اليد وانفعالات الوجه أكثر مما يلزم. في النهاية بدا فريق كلا المرشحين راضيًا عن نتائج المناظرة والأهم بالطبع رأي الأمريكيين ومدى تأثيرها على تصويتهم في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، ولكن رأيي الشخصي فأن هذه المناظرة أضافت إلى رصيد هاريس.
الشأن الداخلي الأمريكي كان الأهم في المناظرة؛ الاقتصاد والتضخم وملف الهجرة وقوانين الاجهاض والرعاية الصحية، أما الحديث عن السياسة الخارجية فكان منحصرًا في اوكرانيا وغزة، ومر ترامب سريعًا على الخروج المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان.
(2) المرشحان يتنافسان في خطب ود إسرائيل
حين أراد ترامب أن يهاجم كامالا هاريس اتهمها بأنها تكره إسرائيل! وأن إسرائيل ستزول إذا أصبحت رئيسة للولايات المتحدة، وسارعت كامالا هاريس في تكذيب هذا الاتهام وأكدت أنه غير صحيح وأنها كانت داعمة لإسرائيل طوال مسيرتها المهنية. في أمريكا يمكنك أن تنتقد الرئيس وسياساته كيفما تشاء ولا يستدعي ذلك ردًا أو نفيًا، لكن التشكيك في ولائه لإسرائيل فهذا أمر لا يمكن أن يمر مرور الكرام، بل يستدعي الإنكار العلني التام.
لم يتحدث أي من المرشحَين هاريس وترامب، عن حياة الفلسطينيين العزل الذين يقتلون كل يوم بالسلاح الأمريكي، واكتفت كامالا هاريس بالحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات بين الطرفين، لم يطرح أحدهما تأثير الحرب على الشرق الأوسط وتضرر المصالح الأمريكية في المنطقة نتيجة الانحياز الأمريكي التام لإسرائيل، وتأثير هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتكلفة ذلك.
لم تتطرق المناظرة لحادث إطلاق النار من الأردني ماهر الجازي على عدد من الإسرائيليين عند معبر الكرامة والذي يؤكد أن شعوب المنطقة وصلت لمرحلة اليأس وهي تشاهد جيش الاحتلال يشن حرب إذلال وإبادة في حق الشعب الفلسطيني الشقيق المسلوب حقه.
استمرار حرب غزة تنتقص من صورة أمريكا في المنطقة وتضر بمصالحها، لكن فيما يبدو أنه لو تم المفاضلة بين المصالح الأمريكية والمصالح الإسرائيلية فسيختار المرشح الرئاسي الأمريكي المصالح الإسرائيلية.
(3)
الرهان على التحالف العربي-أمريكي مقامرة
فشل الربيع العربي لأسباب كثيرة لست بصدد الحديث عنها في مقالي هذا، المهم انتهى الحال في بلدان الربيع العربي إلى وضعين الأول: العودة لنفس مفاهيم الأنظمة القديمة التي تمردت عليها الشعوب وطالبت بإسقاطها، والثاني: اندلاع حروب أهلية والدخول في دائرة عنف وفوضى لم تتعاف منها حتى الآن.
للأسف المنطقة كلها وخاصة الدول التي شهدت الربيع العربي مهيئة للعودة إلى حالة البلبلة وعدم الاستقرار التي شهدتها في العقد الأول من الألفية الثالثة، فلم يحدث تحسن يذكر على مستوى الاقتصاد أو على مسار الحكم الرشيد في هذه الدول، كما أن الانقسام المجتمعي الذي خلفته الصراعات على السلطة في هذه البلدان ما زال موجودًا لكن بتفاوت يختلف بين دولة وأخرى، أضف إلى ذلك حالة القهر والعجز الذي يشعر به المواطن العربي وهو يشاهد جيش الاحتلال يبيد الشعب الفلسطيني بدم بارد.
هناك حالة من الغضب الصامت في عدد من البلدان العربية وخاصة تلك التي تربطها اتفاقيات سلام مع إسرائيل ولديها حدود معها، وما فعله الأردني ماهر الجازي لن يكون مجرد حادث فردي عارض لكن أتوقع أن يتكرر ما دامت الحرب في غزة مستمرة، ولن يكون من الحكمة أن يقف القادة العرب في مواجهة مع شعوبهم التي تشعر باليأس بسبب حرب غزة.
أمريكا تراهن دائمًا على أن تحالفاتها الاستراتيجية مع الدول العربية الكبرى في المنطقة مستمرة ما دامت القطب الأوحد صاحبة الجيش الأقوى، أو كما وصفها وزير خارجية دولة عربية كبرى أنها مثل الزواج الكاثوليكي لا تتفصم!، لكن الواقع يقول إن كل تحالف يمكن أن ينتهي حين يتعارض مع مصالح دولة من دول التحالف وأمنها القومي وأساسيات وجودها واستقرارها، وسيكون الخيار الآخر المطروح التحرك نحو تحالفات جديدة تحقق المصالح المشتركة للجانبين وخاصة أن الأوضاع الدولية والإقليمية مهيئة لمثل هذه التحالفات.
حرب غزة أثبتت أن تحقيق الاستقرار والسلام والرفاهية في الشرق الأوسط مرهون بحل عادل للقضية الفلسطينية، وتجاهل أمريكا لحقوق الفلسطينيين هو تجاهل لكل الدول العربية في المنطقة. والمفترض أن يجتمع القادة العرب علي مطالب موحدة فيما يخص الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية يقدم إلي الرئيس الأمريكي المقبل سواء كان ترامب أو هاريس وأن تكون هناك عواقب مطروحة في حال عدم دعم الولايات المتحدة لهذا المطالب وإجبار الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها، فلا يصح أن يظل الموقف العربي مجرد رد فعل يفتقد الشجاعة والحزم والجرأة.. الخوف مهلك والمخاطرة قد يكمن فيها النجاة.