كوارث القطارات في مصر.. «عُقْدَة» تستعصي على الحل!
هل حوادث القطارات التي تُخَلِّف ضحايا وكوارث هي وحدها “العُقْدة” التي لا تجد حلًّا في مصر؟
أبدًا، هناك أزمات وكوارث عديدة بدون حل أيضا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsينتقمون لخسائر الحرب بالمذابح والاغتيال
عن الصواريخ الإيرانية وما بعدها
كلمات وقنابل: كيف تبرر وسائل الإعلام الغربية الجرائم الإسرائيلية ضد الإنسانية؟!
فخلال هذا العهد تَبَدّت الحياة أشد صعوبة مما كانت عليه في عهود سابقة، رغم ما كان يواجه كل مرحلة سبقت من ظروف وأزمات صعبة، بل مُعقدة أحيانًا، وأعلاها وأخطرها الحروب.
نحن في مرحلة فريدة في تاريخ مصر في حجم المعاناة، وكمّ المشاكل، ومستوى الأزمات، والأرقام والنسب القياسية في الديون، والتضخم، وارتفاع الأسعار، وتكاليف المعيشة، ونقص سلع ومستلزمات إنتاج.
ورغم ما هو ظاهر من أعمال بناء وتشييد بنى تحتية ومشروعات طرق وجسور ومحاور ووسائل نقل وكهرباء وغاز وأعمال إنشائية وتطوير عقاري ومدن سكنية وسياحية جديدة، وغيرها من أنشطة تنموية، فإنه يترافق مع ذلك عسر لا يسر في قطاعات العمل والإنتاج والحياة، وأنين شكاوى من مصاعب العيش وتوفير الضروريات من متطلبات الحياة حتى وجبة الطعام وحبة الدواء.
والجديد أن السكن تمليكًا أو تأجيرًا حتى في مدن جديدة لم تكتمل خدماتها بعد صار حلمًا صعب المنال بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار التمليك أو التأجير، مما تعجز عنه الغالبية العظمى من المصريين حتى لو كانوا من أصحاب الدخول التي تفوق الحد الأدنى للرواتب الحكومية، وهو 6 آلاف جنيه شهريًّا.
مأساة متسلسلة
كارثة اصطدام قطارين بمحافظة الشرقية، السبت الماضي، ليست الحادثة الأولى في المأساة المتسلسلة، ولن تكون الأخيرة، إذ ننتظر الحادث القادم؛ متى وأين يكون؟
والمؤكد أننا نتمنى ألا تقع حوادث جديدة، وألا يسقط ضحايا آخرون يُضافون إلى ألوف سبقوهم إلى مصير مؤلم، وألا تحدث خسائر مادية في القطارات والمنشآت التي تتعرض للتلف، وكل ذلك يتم تمويله من موازنة دولة تعاني عجزًا دائمًا.
وهي الموازنة التي يتم تمويل الجانب الأكبر منها من جيوب المواطنين عبر الضرائب والرسوم ومختلف وسائل سحب ما في تلك الجيوب، وقد زاد هذا السحب بأرقام ونسب قياسية مزعجة.
إذ ليست هناك مصادر دخل ثابتة مضمونة يُعتمد عليها لتمويل الموازنة والمشروعات التي لا ندري مدى الحاجة إليها، ومستوى الرقابة في الإنفاق عليها، وهل هذا الإنفاق في محله تمامًا، وهل هناك حوكمة صارمة على كل ما يتم صرفه ابتداء من الجنيه وحتى الترليون؟
العجز عن إيقاف الكوارث
كوارث القطارات المتكررة خلال هذا العهد، وما سبقه في مرحلة مبارك، تفشل حتى الآن، كل محاولة للتغلب عليها وتجنبها وإيقافها، وكذلك في عهد وزير النقل الحالي المهندس كامل الوزير الذي يُنفق أموالًا هائلة في تشييد وتطوير المشروعات المرتبطة بوزارته، ومنها تطوير سكة الحديد.
وقد لا نلمس أثرًا واضحًا بارزًا لهذا التطوير، ولا عائدًا سخيًّا للأموال المصروفة فيه، وهي تمويلات عبر الاستدانة التي تجاوزت 10 مليارات دولار، وهو مبلغ ضخم.
هذا الوزير تم تعيينه من جانب رئيس الجمهورية على الهواء مباشرة خلال احتفالية في 10 مارس/آذار 2019، وتم التبشير بأنه سيكون المنقذ لمرفق سكة الحديد، وأنه سيضع نهاية للحوادث الدامية التي يشهدها هذا المرفق دون توقف.
وهو يحصل على دعم لم يحصل عليه وزير آخر في الحكومة، أو وزير سابق للنقل، وعلى رأسهم سليمان متولي صاحب أطول فترة في وزارة النقل (نحو 20 عاما)، ومع هذا لم تتوقف حوادث القطارات، وبدأ عهده بكارثة قطاري سوهاج، ووصل قبل أيام إلى مأساة قطاري الشرقية، وبينهما حوادث أخرى عديدة.
الإقالة.. والحل
تم إقالة سليمان متولي، وإبراهيم الدميري، ومحمد منصور، ورشاد المتيني، وحاتم عبد اللطيف، وهشام عرفات، على خلفية حوادث القطارات.
فلماذا لم يُقَل كامل الوزير، كما حدث لـ6 وزراء قبله، وبينهم الدميري الذي أقيل مرتين لنفس السبب، قبل ثورة يناير وبعدها؟
ندرك أن الإقالة لن تُنهي الكوارث، لكنها اعتراف بتحمل المسؤولية السياسية والأدبية والأخلاقية عن تكرار الأخطاء في هذا المرفق.
ونقر بأن إقالة وزراء للنقل، أو رؤساء لهيئة سكة الحديد، لم يثبت أنها العلاج الناجع، وفي تقديري قد يكون هذا العلاج عبر أحد حلين؛ إما أن يكون الوزير مُنتخبًا، ضمن سلطة منتخبة بشكل ديمقراطي تنافسي نزيه شفاف على قاعدة التداول السلمي للسلطة.
وهنا سيشعر الوزير بأنه مسؤول يُحاسبه الشعب، وأنه يخضع للرقابة والمساءلة البرلمانية الفعالة، وأن عدم حلّه لتلك المعضلة سيجعله يخسر مع السلطة كلها الحكم في أقرب انتخابات.
ودون ذلك لن تتحقق الاستقامة التنفيذية، ولا الجدية في الإدارة ما دام حكم السلطة الواحدة قائمًا حيث يتحول إلى وظيفة، وليس خدمة عامة، وحيث لا قلق من تغيير شعبي للحكم خلال انتخابات حرة.
والحل الثاني، يأتي في إطار استمرار حكم السلطة نفسها، وهو خصخصة سكة الحديد، إذ إن صاحب المال أكثر حرصًا على مصالحه من صاحب الإدارة الحكومية والقطاع العام.
ولدرء التخوف من الاستغلال والانتهازية، فإن سنّ قوانين صارمة وفرض رقابة مشددة على المستثمر كفيل بإيجاد التوازن بين حقوق وواجبات مقدم الخدمة، وبين الشعب الممول للخدمة والمستفيد منها.