ماذا لو فازت كامالا هاريس؟

كامالا هاريس (الأناضول)

تُعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية من أكثر الأحداث السياسية العالمية التي تستحوذ على اهتمام العالم، حيث يبرز فيها التنافس السياسي على أشده.

في الآونة الأخيرة، شهدت هذه الانتخابات تغيرات جذرية في المشهد السياسي، من أبرزها صعود شخصيات جديدة تجسد تنوعًا أكبر في القيادة. ومن بين هذه الشخصيات، تبرز كامالا هاريس، التي صنعت التاريخ حين أصبحت أول امرأة من أصول هندية وأفريقية تتولى منصب نائب الرئيس.

لا تقتصر أهمية هاريس على كونها رمزًا للتنوع العرقي، بل تأتي أيضا من كونها تتمتع بخبرة قانونية واسعة، اكتسبتها من خلال عملها مدعيةً عامة. وقد أدّت دورًا بارزًا في تعزيز قضايا العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، إضافة إلى تبني سياسات تعزز المساواة بين الفئات المختلفة، إذ أسهمت هاريس بشكل فعال في دعم الفئات المهمشة والسعي لإيجاد حلول للتحديات الاجتماعية التي تواجهها. ومع تسارع التطورات السياسية في الولايات المتحدة، تزداد التساؤلات حول مدى إمكانية وصولها إلى منصب الرئاسة، لتصبح بذلك أول امرأة تقود البلاد؛ مما يمثل إنجازًا تاريخيًّا غير مسبوق.

وعلى الرغم من أن هذا الطموح قد يبدو للبعض بعيد المنال، فإن الكثيرين يرون في كامالا هاريس رمزًا للتغيير المحتمل. فقد أظهر استطلاع أجرته شبكة سي أن أن بالتعاون مع إس إس آر إس للأبحاث واستطلاعات الرأي، حول المناظرة التي تمت بين ترامب وهاريس، أن 63٪ من المشاهدين اعتبروا أن هاريس كانت أفضل في المناظرة، في حين رأى 37٪ أن ترامب تفوّق. وتعكس هذه النتائج تحولًا طفيفًا لصالح هاريس مقارنة بما كانت عليه الآراء قبل المناظرة. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن هذه النتائج تعكس فقط آراء الناخبين الذين تابعوا المناظرة، ولا يمكن اعتبارها ممثلة لجميع الناخبين على مستوى البلاد.

حظوظ كامالا هاريس في السباق الرئاسي

كامالا هاريس ليست مجرد سياسية تقليدية؛ فهي تقدم نموذجًا قياديًّا يجمع بين الخبرة القانونية والتنوع الثقافي والعرقي، إذ تجمع بين أصول هندية من جهة والدتها وأخرى جامايكية من جهة والدها. وقد منحها هذا التنوع الفريد قدرة استثنائية على التواصل مع مختلف الشرائح المجتمعية داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ مما يشكل نقطة قوة تضاف إلى رصيدها السياسي والدبلوماسي على الساحة الدولية.

وبدعم الرئيس جو بايدن بعد انسحابه من السباق الرئاسي في 21 يوليو/تموز الماضي، ورغم نيته الأولية للترشح لولاية ثانية، أوضح أن مصلحة حزبه والدولة تتطلب تركيزه على واجباته الرئاسية حتى نهاية ولايته الحالية، معربًا عن دعمه الكامل لنائبته، وداعيًا أعضاء الحزب إلى التكاتف خلفها، قائلًا: “أيها الديمقراطيون، حان الوقت لنتكاتف ونعمل معًا لهزيمة ترامب. دعونا نفعل ذلك”.

هذا الدعم من بايدن يعزز موقف هاريس ويجعلها مرشحة قوية قادرة على مواصلة سياسات الإدارة الحالية والتعامل مع التحديات المتزايدة على الساحتين الداخلية والخارجية.

التحديات التي تواجه هاريس

على الرغم من المؤهلات التي تتمتع بها هاريس فإنها لا تزال تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتصورات الناخبين حول أدائها السياسي. فقد أشار الإعلام الأمريكي إلى أن بعض الديمقراطيين يشعرون بالقلق بشأن قدرتها على قيادة البلاد، خاصة في ظل تعرضها لانتقادات حول أدائها في وظيفة نائبة الرئيس وعدم وضوح مواقفها من بعض الملفات الحساسة مثل الهجرة وإصلاح الشرطة ولا سيما بعد حادثة مقتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس عام 2020، التي أشعلت الاحتجاجات فى العديد من مدن الولايات المتحدة. فقد توقع الكثيرون منها اتخاذ موقف حاسم، لكن هاريس فضلت الابتعاد عن تلك النقاشات المتوترة التي تتطلب تدخلا جريئًا.

من ناحية أخرى، يشير الخبراء الأمريكيون إلى وجود شكوك حول قدرتها على الحفاظ على قاعدة ناخبين قوية فى ظل الاستقطاب الحاد الذي يميز المشهد. ولم تتردد التقارير الإعلامية في الإشارة إلى أن الجمهوريين يسعون لاستغلال أي نقطة ضعف سياسية لدى هاريس لتقويض فرصها في المستقبل، مشيرين إلى أن معدلات قبولها بين الناخبين تتراوح بين 39% و45% فقط، وهو ما يعكس التحديات التي تواجهها في كسب ثقة شريحة أكبر من الأمريكيين.

هل يمكن أن تكون..؟

الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، فلا تزال نظرة الأمريكيين لقيادة المرأة تتسم بالتباين والجدل؛ فعلى الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته النساء في كافة المجالات، بما في ذلك السياسة، فلا يزال هناك تردد لدى شريحة من الناخبين في قبول النساء في المناصب القيادية العليا.

ومع ذلك فلا يمكن إنكار أن كامالا هاريس تمثل رمزًا قويًّا للتمكين النسائي والتنوع الثقافي في السياسة الأمريكية. وإذا تمكنت من التغلب على التحديات التي تواجهها، فقد تكون على أعتاب تحقيق إنجاز تاريخي ليس فقط بكونها أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة، بل أيضًا لكونها أول شخص من أصول هندية وأفريقية يصل إلى هذا المنصب. وكما صنع باراك أوباما التاريخ فكان أول رئيس من أصول أفريقية، فقد تفعلها هاريس وتكون أول امرأة تترأس أكبر دولة في العالم، بكل ما تحمله من هذا المزيج المبهر من الثقافات الغنية والمتنوعة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان