تفجيرات الضاحية نقلة اساليب أم هروب من المسؤولية

المركز الطبي في بيروت يستقبل ضحايا التفجيرات (رويترز)

الانفجارات التي شهدتها ضاحية بيروت الجنوبية والناتجة عن تفجير المئات من أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصر من حزب الله وبعض عناصر الأمن (البيجر)، ونتج عنه ما لا يقل عن 9 شهداء، واصابة ما لا يقل عن 2750 بحسب أخر احصائية تعتبر أسلوبا جديدا من أساليب الحرب على غزة والحرب على لبنان، وأيا ما كانت نوعية الهجوم سواء كان هجوما سيبرانيا أو تم نتيجة وضع متفجرات في تلك الأجهزة من خلال تغيير شحنتها قبل وصولها إلى لبنان فأن ما حدث ينقل العمليات المتبادلة بين حزب الله والكيان الصهيوني إلى مستو أخر.

حرصت القيادة في المقاومة اللبنانية وحزب الله أن تظل العمليات التي يقوم بها في إطار المساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وعلى الجانب الأخر سعى نتنياهو إلى جر الجبهة الشمالية إلى حرب واسعة تكون مبررا له للهروب من وحل غزة، ولكن هذا التفجير والذي استهدف المدنيين في أكثر من 100 موقع في الضاحية إضافة إلى أنه استهداف للسيادة اللبنانية قد يجرالحزب إلى رد فعل كبير يستهدف مدنيين أيضا في صفوف المستوطنين وهو الهدف الذي أصر الحزب على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله على تجنبه.

الكيان الصهيوني يتحدث عن احتمالات رد قوي من جانب حزب الله، وتتحدث قيادات أمنية فيه عن انتقال مركز ثقل الحرب إلى الجبهة الشمالية للهروب ربما من غزة التي لازالت تكبد جيش الكيان الصهيوني خسائر كبيرة، كان آخرها مقتل أربعة جنود في رفح بعد ساعتين فقط من تفجيرات الضاحية الجنوبية، ومع توالي الاخبار عن استدعاء جنود للبحرية في الجيش الإسرائيلي ليكونوا جنود مشاه، إضافة إلى مقايضة مهاجرين أفارقة للانضمام إلى جيش الاحتلال مقابل منحهم إقامات في الكيان، كل هذه الأحداث تنبئ بأننا أمام حرب قد تتسع إلى حرب إقليمية شاملة.

قلب تل أبيب في مرمى النيران

كان انطلاق الصاروخ الباليستي اليمني (فلسطين 2) الفرط صوتي في الأيام السابقة وقطعه مسافة أكثر من 2200 كم واختراقه سماء تل أبيب في مدة زمنية بلغت 11 دقيقة وتحقيق هدفه بتفجيرات كبيرة في حيفا، ولجوء أكثر من مليوني مستوطن إلى الملاجئ هو الاستهداف الثالث لتل أبيب وقلب الكيان الإسرائيلي ربما منذ نشأة هذا الكيان.

يأتي هذا الهجوم بعد عمليات حزب الله التي كانت ردا على اغتيال قائده فؤاد شكر والتي استهدف فيه قاعدة عسكرية قرب تل أبيب، وكذلك الهجمات التي شنتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية ردا على استهداف الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي وكانت الطائرات المسيرة الإيرانية قد جعلت فيه سماء تل أبيب ملعبا استعراضيا لها.

كل هذه الهجمات وما أشارت إليه جبهات المقاومة في اليمن والعراق ولبنان عن دخول جبهات المساندة للمقاومة في غزة مرحلة جديدة في الاسناد ربما كانت أهم اسباب تلك التفجيرات (السيبرانية) التي قامت بها إسرائيل واستهدفت مناطق متعددة في الضاحية الجنوبية ببيروت وصلت إلى محلات تجارية وأسواق شعبية، ردعا لما هو قادم.

وصول محور المقاومة إلى تل أبيب التي كانت دائما في مأمن من هجوم الجبهات العربية حتى في حروب الجيوش النظامية الرسمية هو أخطر ما يواجه الكيان الصهيوني في صلب فكرة نشأته القائمة على الأمن للمستوطن الصهيوني، وكون إسرائيل أرض الأمان لليهود الصهاينة، ومع تعاظم القوة المسلحة لجيش الدفاع على مدار عقود منذ توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية في مثل هذه الأيام من العام 1979 وسكون واستسلام الجبهات العربية صارت تل أبيب أمنة، ولكن ها هي القوة الصهيونية تنهار وتتوحل في مستنقع غزة، وتل أبيب تصبح في مرمى  نيران المقاومة العربية وضرباتها، وتنهار نظرية الأمن للمستوطن الصهيوني.

كان على نتنياهو أن يجد مخرجا من الضغوط المتتالية التي يقع فيها بشكل يومي ووصلت إلى أنباء عن إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت وتعيين جدعون ساعر خلفا له أثر خلافات حادة بينهما حول استمرار الحرب على غزة والتفاوض على صفقة وقف الحرب، والخلاف حول موقف نتنياهو من استمرار احتلاله لمحور صلاح الدين على الحدود المصرية الفلسطينية، وأيضا تواصل تظاهرات عائلات الأسرى الإسرائيليين والتي وصلت لعشرات الآلاف من المتظاهرين، واستمرارها بصفة يومية مما يشكل ضغطا على نتنياهو لإنهاء الحرب على غزة.

كل هذه الاسباب والتي تعتبر انتصارا كبيرا للمقاومة في غزة ولحركة المقاومة الإسلامية حماس ونتائج للصمود الفلسطيني وطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الماضي، تؤكد أن ما حدث في ذلك اليوم وما تلاه سيكون أكبر هزيمة تعرضت لها إسرائيل والكيان الصهيوني، وليس فقط جيش الدفاع المتوج كأقوى جيش في المنطقة منذ نشأة الكيان.

الهجوم السيبراني تغير أم هروب

ساعات مرت منذ هذا الهجوم على أجهزة الاتصال بين أفراد حزب الله ورجال الأمن اللبناني (البيجر) ورغم إشارات هنا وهناك داخل الكيان الصهيوني تشير إلى مسؤوليته عن هذا الهجوم، وقد أعلن حزب الله وبعض الشخصيات الإيرانية خاصة بعد إصابة السفير الإيراني وحرسه في تلك التفجيرات مسؤولية الكيان الصهيوني إلا أن الصمت ساد بين القيادات الإسرائيلية ولم تعلن أي جهة في الكيان مسؤوليتها عن هذه التفجيرات التي نتج عنها عدد كبير من الاصابات وعديد من الشهداء.

لماذا لم تعلن إسرائيل حتى الآن مسؤوليتها عن التفجيرات، هل تخشى من إدانات عالمية مع استهداف المدنيين، أم تخشى أن يطال الرد من جانب حزب الله مرة أخرى مناطق تصل إلى نقاط أكثر في تل أبيب، ومع توالي الاستعدادات الإسرائيلية فيما يخص أن تكون جبهة الشمال في فلسطين المحتلة هي جبهة الحرب الرئيسية يصبح التفسير الأكثر احتمالا أن الكيان في حاجة إلى بعض الوقت لتكمل الاستعدادات لهدف نتنياهو الرئيسي وهو البحث عن مخرج من غزة بحرب مفتوحة مع حزب الله، ويبقى السؤال هل عدم اعتراف الكيان بمسؤوليته عن الحادث يعتبر هروبا من المسؤولية أم تجنبا لرد الفعل من جانب حزب الله؟ الأيام كاشفة

الساعات القادمة ومع عزم حزب الله على الرد الذي وصف من جانب قياداته أنه سيكون صاعقا وكبيرا، ومع كل التحذيرات الإسرائيلية للمستوطنين بالبقاء بالقرب من الملاجئ وإعلان حالة الطوارئ في مناطق متعددة يعني أننا ربما سندخل مرحلة جديدة للحرب في المنطقة، وفي ظل توقع هجمات من جبهات المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا فأن العالم يقف عند أطراف أصابعه ينتظر ردا إيرانيا على اغتيال الشهيد أسماعيل هنية، وردا لحزب الله على استهداف عناصر منه عددهم أكثر من 100 واصابات مدنية تقترب من 3000 مصابا امتلأت بهم عديد من المستشفيات، كل هذا يجعل التصعيد أمرا واردا بقوة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان