إسرائيل تكتب مشهد النهاية
لن تستطيع أي جهة إحصاء عدد ضحايا المذابح الصهيونية، منذ الإعلان عن نشأة دولة إسرائيل عام 1948 حتى الآن، وما قبل نشأتها بأكثر من عشرين عاما، حيث كانت قد بدأت عمليات القتل وتشكيل العصابات الصهيونية، التي مهدت لإعلان الدولة، في ظل الانتداب البريطاني، الذي بدأ عام 1920 في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وسقوط دولة الخلافة العثمانية، وهو ما يعني أن إحصاءات القتل والجرائم الصهيونية عموما بالمنطقة تمتد لنحو مئة عام، تحت غطاء دولي واضح، وتدليس غير مسبوق.
كتبت العصابات الصهيونية مشاهد بداية الكيان ونشأته، وهاهم الأبناء والأحفاد يكتبون مشاهد النهاية، نهاية الكيان، الذي أضحى أكثر خطرًا على العالم من النازية والفاشية معًا؛ ذلك أن الخطر الصهيوني لم يعد يقتصر على احتلال دولة فلسطين، أو جزء من الأراضي السورية واللبنانية، وإنما أصبح يشكل خطرا على كل أحرار العالم، الذين يعيشون تحت التهديد، وكل عواصم العالم الحر، التي تقاوم الوعيد الصهيوني، بعد أن اكتشف هؤلاء وأولئك أنهم عاشوا أكذوبة كبرى، على مدى 76 عاما، كانت وسائل الإعلام خلالها تخضع بنسبة 100% للتوجيه والهيمنة، أما وقد أصبح هناك متنفس إعلامي بنسبة ما، من خلال منصات التواصل الاجتماعي بشكل خاص، فقد صار حتمًا سقوط ورقة التوت، التي سترت عورة الكيان طوال هذه السنوات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالحرب مستمرة والعالم سيتغير حتما!
عام على الطوفان.. ولا يزال هناك المزيد
عندما تحدث «الملثم» بعد غياب!
ولا يقتصر الأمر على التهديد والوعيد لأحرار العالم؛ ذلك أن مساعيَ صهيونية تُبذل على مدار الساعة، تهدف إلى توسيع المواجهات المسلحة بالمنطقة، نحو حرب شاملة، تجر إليها الدول الكبرى، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي يجد انقسامًا بين هذه الدول، ليس بسبب عدم الرغبة في التورط في حرب قذرة، ولكن بسبب وجود مواجهة مفتوحة مع روسيا في القارة الأوروبية، على الأراضي الأوكرانية، لا يستطيع أحد التنبؤ بنهاياتها، في ظل التلويح الروسي طوال الوقت باستخدام السلاح النووي.
نحن إذن أمام كيان يمثل تهديدًا عالميًّا، وليس إقليميًّا فقط، وسوف يظل الأمر كذلك إذا استمرّ وجوده، بل إن الأمر بكل الحسابات السياسية الإقليمية، وحسابات الكيان الدينية تحديدًا، وأطماعه اللامحدودة في التوسع، ينذر بمزيد من الخطر على الأجيال المقبلة، وعلى جهود التنمية بالمنطقة بشكل خاص، بعد أن عانت الكثير في الماضي، في ظل الاستعمار الأجنبي تارة، والأنظمة الدكتاتورية تارة أخرى، والصراعات الطائفية الكامنة تحت الرماد حتى الآن.
مجزرة “البيجر” مجرد حلقة
مجزرة “البيجر” الثلاثاء الماضي في لبنان، ليست سوى حلقة في سلسلة المجازر وبحور الدم، في عمر هذا الكيان، إلا أن غرابة وخطورة وسيلة القتل هذه المرة، هي التي ذهبت بها إلى هذا المنحى الذي أثار اهتمام العالم ومخاوفه من المستقبل، في ظل التطور السيبراني، الذي يشير إلى أن العالم، كل العالم، في حقيقة الأمر، سوف يعيش حالة من افتقاد الأمن والأمان، خصوصًا عندما يتم تسخير التكنولوجيا في خدمة الإبادة، من خلال الدول الكبرى الأكثر تطورًا في هذا المجال، التي لا تخفي تعاونها مع الكيان الصهيوني في جميع المجالات، خصوصًا العسكرية منها.
لا جدال في أن الكيان الصهيوني، يعيش حالة من الفزع حول إمكانية استمرار وجوده أو عدمه، بل يعيش حالة اليقين بالزوال، من خلال شواهد عديدة آنية وتاريخية ودينية، وهو ما يجعله يستخدم كل الأوراق المشروعة وغير المشروعة في صراعه مع الحياة ومن أجل الحياة، إلا أن المؤكد أن هذه الممارسات تكتب مشهد نهاية الكيان، من وجوه عديدة، أهمها أن العالم في معظمه لم يعد متعاطفًا مع وجود كيان غاصب قاتل شرير، ينشر الخراب والدمار في كل مكان، يتحدى القوانين الدولية، ولا يأبه للمحاكم الجنائية ولا للمنظمات الأممية.
وإذا كانت هناك بعض العواصم الكبرى، التي ترى في وجود مثل ذلك الكيان ضرورة لسبب أو لآخر يخدم مصالحها، فإن المؤكد أن هذا الوضع لن يستمر، بعد أن أصبح ذلك الوجود يمثل عبئًا، وتكلفة مادية وعسكرية واقتصادية، بل وأخلاقية، تمثل صدامًا داخليًّا في المستقبل القريب، بين الشعوب والأنظمة الداعمة له، وها قد بدأت بوادرها بالمظاهرات تارة، والاحتجاجات العنيفة تارة أخرى، ثم ما تسرب من أنباء عن بدء مناقشات بالفعل، في الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، حول جدوى وجود هذا الكيان، في ظل هذه التكلفة الباهظة على كل المستويات، وبدء انسحاب بريطاني من الدعم العسكري والسياسي في آن واحد.
القلق أصبح عالميًّا
من المنتظر أن يكون لمجزرة “البيجر” ما بعدها من قلق عالمي، خصوصًا في المنطقة العربية، التي يجب أن تعيد حساباتها، مع الصناعات الخارجية بشكل عام، وخصوصًا دول التطبيع، التي آن لها أن تعيد كل حسابات التبادل التجاري والتعاون العلمي والتقني، مع كيان لا يأبه لضمير، ولا يرعوي لأخلاق، وهو في كل الأحوال في طريقه إلى السقوط، إن لم يكن من الداخل، فبفعل الضغط الشعبي العالمي، أو هما معًا، وهو ما سيجبر العواصم الكبرى على الإسراع في نفض يديها، ذلك أن السقوط الذريع قد يحمل عدوى، تصيبهم أيضا.
ربما تكون أهم معضلة يخشاها العالم عند تنفيذ مشهد النهاية، هي أن كل الدول دون استثناء، سوف ترفض استقبال هؤلاء الضالعين في فساد كوكب الأرض، وقد تم طردهم، عبر التاريخ، من كل الأمم والإمبراطوريات، بدءًا من البرتغال عام 1496 حتى ألمانيا عام 1933، مرورًا بإنجلترا والنمسا وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وأوكرانيا، بعد أن عاثوا في الأرض فسادا ربويًّا وأخلاقيًّا وطائفيًّا، إلى الحد الذي لم تستوعبهم فيه سوى البلدان العربية من منظور أخلاقي وديني، إلا إن الجينات الصهيونية أبت السلام والوئام مع من آواهم، فراحوا يمارسون مؤامراتهم الدنيئة، التي أسفرت عما تعانيه المنطقة الآن من اضطرابات غير مسبوقة.
وفي كل الأحوال، يمكن القول إن كتابة مشهد النهاية الآن، هي صهيونية بامتياز، ذلك أن صفقة الأسرى على الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، من المؤكد أنها سوف توقف الحرب على كل الجبهات، إلا أن صناع القرار لديهم يرفضون ذلك، وسوف يستمرون في الرفض، كما أن الشارع هناك في معظمه يرفض ذلك أيضا، على الرغم من حالة الاستنزاف اليومية، بشريًّا وماديًّا، وهو ما يؤكد أن مشهد النهاية لن يكون في صورة صفقات، أو مجرد اتفاق تهدئة، أو حتى إقرار بالهزيمة، إنما هو في حقيقته مشهد الرحيل، مشهد الهروب إلى حيث التيه والتشرد، وخلاص المنطقة من وباء صهيوني شامل، لن يقتصر على الداخل الإسرائيلي، بل سوف يمتد إلى الصهاينة في المنطقة بشكل عام، وهو ما يكشف سرّ كل ذلك الخنوع والخضوع والانبطاح، بل الرعب والهلع، خوفًا من انتصار المقاومة.