قراءة في الفشل الإسرائيلي وعملية البيجر الإرهابية

جريمة إرهابية جديدة بالمعنى الكامل للكلمة، تضاف إلى جرائم المحتل الإسرائيلي المستمرة، وتأكيد على الفشل في تحقيق الأهداف، هذا ما ينطبق على موجة الانفجارات التي ضربت أجهزة الاتصال اللاسلكي من نوعي “بيجر” و”آي كوم” في لبنان، التي سقط على إثرها عشرات الشهداء، بينهم أطفال ونساء، إضافة إلى آلاف الجرحى.
تأتي عملية البيجر الإرهابية الإسرائيلية في ظل تقاعس وبرود الردود من قبل المجتمع الدولي، ومحاولات تغطية أمريكية غربية على تلك الجريمة القذرة، التي لم تكترث لأي بعد أخلاقي أو إنساني أو قانوني.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsماسبيرو المشكلة والحل (6).. كيف نخطو على الطريق؟
“أملي لشعب التبت”.. الدالاي لاما ومأساة الأديان في الصين
اعتقال محمود خليل.. ذعر أحمر جديد في أمريكا
لقد كسرت إسرائيل بعملية البيجر الإرهابية الهوليودية كل المعايير المعتبرة حتى في الحروب الإلكترونية الأكثر قذارة على الإطلاق!
تتجاوز عملية تفجيرات البيجر المسؤولية الإسرائيلية إلى المسؤولية الأمريكية والغربية؛ ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي يمثل الذراع الاستعماري للغرب والوكيل الحصري في المنطقة.
من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل وجود دور أمريكي أو غربي مساند، حتى ولو نفى الأمريكيون علمهم بذلك؛ إذ من السذاجة التسليم على الدوام بصحة تصريحات مهندسة استخباريا، من فاعل أصلي وشريك كامل في جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة، أثبت الواقع مرارا وتكرارا مخالفة أقواله أفعاله.
لا علاقة للهجوم بالتفوق التقني
وليس هناك اختلاف على أن ما لدى إسرائيل من تفوق عسكري وتكنولوجي، يرتبط ارتباطا وثيقا بالدعم الأمريكي الغربي غير المحدود سياسيا واقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا، وهذا ما يجعل أمريكا والغرب شركاء مباشرين في تلك العمليات القذرة.
ومما يجب التأكيد عليه وأن يدركه الجميع، أن عملية تفجيرات البيجر لا صلة لها بالتفوق التكنولوجي، رغم وجوده، ولكنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقلية الإجرامية المتأصلة في الاحتلال الإسرائيلي، التي لا تتورع عن استخدام أي وسيلة تقنية أو غير تقنية لسفك دماء الأبرياء؛ بغية ادعاء التفوق التكنولوجي والقدرة على المباغتة، وتضخيم الإحساس بالعجز لدى جبهات المقاومة والحواضن الشعبية لها.
ولا شك في أن التفجير عبر وسيلة مدنية شائعة بين شرائح واسعة في سائر أنحاء العالم، وتستخدم من قبل المستشفيات، والصيدليات، والأطباء، والشركات التجارية وغيرها، دون اكتراث لمن يحملونها، كشف ورقة قذرة لسلاح كامن في التكنولوجيا الغربية المنتشرة في المجتمعات المختلفة، وهذا لا شك أثار الانتباه، وفضح حجم الخطر الكامن والممكن في الوسائل التكنولوجية الغربية، وهذا ما لم تكن ترغب أمريكا والغرب في كشفه، ولكن التسرع في هجمة البيجر الإرهابية الإسرائيلية فضح ذلك.
من ناحية أخرى، ورغم الصمت الرسمي الإسرائيلي، فمن يتابع الردود على هجوم البيجر الإرهابي، يلاحظ إلى جانب الاستبطان الرسمي لتبني العملية، أن الإعلام الإسرائيلي والمستوطنين قد وجدوا ضالتهم في تلك العملية القذرة؛ باعتبارها تعيد تصدير أسطورة تفوقهم التقني والتكنولوجي والاستخباري والعسكري وقدرتهم على الردع، التي هوى بها طوفان الأقصى.
ومع الأسف الشديد، فقد تماهى كثيرون على مستويات مختلفة مع المنطق الإسرائيلي حول استعادة التفوق، بعضهم بغير قصد، على وقع الصدمة والارتباك، وعدم الوعي بالمرامي الإسرائيلية، وبعض آخر عن صهيونية متجذرة فيهم.
لكن الحقيقة من وجهة نظرنا كما سبق أن أوضحنا، أن العملية لا علاقة لها بذلك التفوق -الذي لا ننكره- بقدر علاقتها بالطبيعة الإجرامية للاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يتورع عن أي وسيلة مهما بلغت قذارتها لادعاء هذا التفوق، وإيجاد حالة من الانهيار الإدراكي والشعور بالعجز لدى الطرف الآخر.
فشل إسرائيلي استراتيجي
لا شك أن عملية البيجر الإرهابية ضربة كبيرة وقاسية أمنيا وإنسانيا، وربما غير مسبوقة في تاريخ المقاومة في لبنان، لكن الأمور تقاس بنتائجها على أرض الواقع، فالمقاومة لم تسقط ولم تتعطل بأي حال من الأحوال، كما لم يتحقق أيّ من الأهداف المرجوة، وهذا يمثل فشلا استراتيجيا للاحتلال الإسرائيلي.
نتائج المعارك تُعرف بتحقيق أهدافها، وإذا لم تحقق المعارك أهدافها فهي بلا فائدة.
وإذا كنا في إطار قياس مدى تحقق الأهداف، فإنه يقينا لم يحقق الاحتلال الإسرائيلي وداعموه الأمريكيون والغربيون الأهداف المرجوة من تلك العملية الإرهابية.
لقد أراد الاحتلال الإسرائيلي من تلك العملية إخضاع المقاومة في لبنان وإخراجها من المعركة المستمرة على غزة، وذلك عبر فصل الجبهتين وتوقف الجبهة اللبنانية، وقد أعلن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أن جبهة لبنان لن تتوقف عن دعم غزة، ولن يتوقف ضغط جبهة الشمال قبل وقف العدوان على غزة.
كما أرادت إسرائيل ضرب البيئة الحاضنة للمقاومة، وكذلك ضرب بنيتها، وهذا ما ثبت فشله على أرض الواقع عمليا بعد الهجوم الإرهابي، علمًا بأن بنية حزب الله من القوة بحيث لا تهزها عملية بهذا الحجم.
يعلم الاحتلال الإسرائيلي وداعموه أن حزب الله لديه قدرات يمكنها شلّ الدولة الإسرائيلية في دقائق إن أراد تفعيل ذلك، وتلك ورقة لا ينكر أحد امتلاك المقاومة اللبنانية لها، ويمكن استخدامها في حال التصعيد.
كما أن الأهداف الحيوية الإسرائيلية في الداخل المحتل؛ ليست بمنأى عن صواريخ المقاومة اللبنانية القادرة على الوصول إليها، التي يمكنها بحسب تقديرات الخبراء أن تُحدث تأثيرا مدمرا في عموم الكيان الإسرائيلي.
ولا شك أن الاحتلال الإسرائيلي كان من بين أهدافه إعادة المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني المحتل، وهذا ما لن يتحقق بمثل هذا العمل الإرهابي، علمًا بأن أي توسع في الحرب على لبنان ستبقى معه مستوطنات الشمال فارغة من ساكنيها.
ختاما
إن النتائج على الأرض تؤكد أن تفجيرات البيجر الإرهابية الإسرائيلية مجرد خطوة لم تكن لتغير الواقع.
لقد فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه في غزة وفي لبنان، ويظن أنه بولوج طريق مثل تلك العملية الإرهابية قد يستعيد التفوق.
إن الحقيقة التي تغيب عن كثيرين أن الاحتلال الإسرائيلي يعاني مشكلة عميقة، كانت تفجيرات البيجر الإرهابية في لبنان أحد تداعياتها.
إن إسرائيل تواجه تآكلا تدريجيا في التفكير الاستراتيجي على مدار العقود الماضية، وفقا لتعبير أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد ستيفن والت، حيث يتراجع التفكير الاستراتيجي على حساب الخيارات التكتيكية التي تُغذي الشعور بالغطرسة لدى الإسرائيليين، ويزكي ذلك الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود لإسرائيل، وهذا في نهاية المطاف سيسوق إلى هزيمة تلوح في الأفق سواء على المدى المتوسط أو البعيد، في ظل تغير الكثير من المعادلات التي كانت ثابتة منذ عقود.